وأما تدريج نسب محمد بن الحسين إلى المنصور بالله –عليه السلام-، فهو: محمد بن الحسين بن علي بن قاسم بن الهادي بن عز الدين محمد بن شمس الدين أحمد بن الإمام المنصور بالله عبد الله بن حمزة بن سليمان، ونسبه من سليمان إلى علي بن أبي طالب، وإلى رسول الله ً ظاهر، وقد تقدم في ترجمة المنصور بالله عليه السلام، وذكر من له النسل من أولاده، والمقصود أن الذرية في عصرنا أشهرهم في أولاد شمس الدين، ومن أولاد قاسم بن المنصور آل أبي سلطان بلادهم خيوان، وقد نقل إلى صعدة بعضهم، وهم أولاد حي صلاح بن عز الدين، فأكثر أولاد شمس الدين بن المنصور من نسل ولده عز الدين محمد، وبعدهم في الكثرة أولاد موسى بن شمس الدين، وهم يسكنون بصعدة، والحسينيات، ومنهم من يسكن في البدو، وأكثر ذرية موسى بن شمس الدين في عصرنا من نسل المهدي بن محمد، وأكبر أولاده: علي بن المهدي، وبعدهم أولاد قاسم بن شمس الدين، وهم أولاد ناصر بن صالح وأخيه علي بن صالح؛ لأنه وقف أمواله في دماج على أولاده وأولادهم، و ما تقسم أبضاعها في عصرنا إلا هؤلاء المذكورين، ثم جاء لعز الدين، وهو محمد بن شمس الدين أولاد نجباء كملاء، وهم:
المهدي بن عز الدين، وأحمد بن عز الدين، والهادي بن عز الدين، فأولاد المهدي بن عز الدين في عصرنا في ذرية ثلاثة من أولاده، وهم:
محمد، وذريته أولاد الهادي بن صلاح.
والثاني: الحسن، وذريته آل سند، وعبد الله بن المهدي.
والثالث: صلاح، وذريته السيد أحمد بن داود وأولاده.(3/136)


وأما أولاد أحمد بن عز الدين بن محمد، فهم: آل سهيل بن يحيى، يسكنون المسعودة من أعمال صعدة، وآل الخَّباط يسكنون الزاهر من الجوف.
وأما أولاد الهادي بن عز الدين: فهم الجم الغفير في الجوف، وفي صعدة ونواحيها؛ لأن النسل من عياله في سبعة أو ثمانية، وتدريج نسبهم إليه مشهور، فالمملكة في أيدي أولاده آل علي بن قاسم بن الهادي بن عز الدين، وكان الهادي هذا مالكاً لصعدة وغيرها، ويسكن العراقية، واشتهرت نسبة العراقية إليه.
واعلم أن هذا الشريف له في العترة محل رفيع منيف، وكثرة أوصافه وحميد سعيه يستوعب مصنفاً كبيراً غير لطيف، لكني أحببت أن آتي من سيرته هنا بنبذة مختصرة؛ رعاية لحق من عدل في رعيته من العترة الكرام، وحذا حذو الأئمةالكرام، في الإقدام والإحجام، واقتفى مذهب جدهم – عليه الصلاة والسلام –، فاعتمدت على رسالة وجهها [إليه] بعض علماء صعدة الأعلام، وهو الفقيه العلامة، المدره الصمصامة: مطهر بن أحمد بن تريك، وكان من نحارير عصره، وقرأ على الإمامين، العلمين، الأفضلين: يحيى بن حمزة، ومحمد بن المطهر، وظهرت علومه في عصرهما، افتتحها الفقيه بقوله:(3/137)


[رسالة ابن تريك إلى أمير صعدة]
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله المتعالي عن الأضداد والأنداد، المنَّزه عن ظلم العباد، المبّرأ عن الصاحبة والأولاد، الحكيم فيما قضاه، والعدل فيما أراد، لا إله إلا هو الكريم الجواد، والصلاة على خير الرسل وخير العباد محمد وعلى آله الأكرمين الأمجاد.
وبعد..
فإن الله يشد أعضاد الدين، ويشيدُّ أركانه، ويرفع ذكره، ويعلي مكانه، [ويضاعف أنصاره، ويكثر أعوانه، ويسني قدره العالي]، ويسمي بنيانه بتشيد أعضاد الملك الجواد، سامي المحل، رفيع العماد، شحاك الملحدين، ونصرة الموحدين، جمال الدنيا والدين: الهادي بن محمد بن أمير المؤمنين، ذي الهمم السامية، والعناصر الشريفة الزاكية، والله تعالى يسني له المقاصد، ويلهمه المراشد، ويهديه إلى العمل بطاعته، والمحافظة على مرضاته، ويعينه على القيام بشكره، والامتثال لنهيه وأمره، بحق [جده محمد] المختار، وعترته الطاهرين الأخيار.
نعم: لما لمحت من لمحات ناظره، وفهمت من خطرات خاطره، أنه يحب سلوك طريق النجاة، وتجنب مداحض الخطر والهلكات، وإنه لا يبتغي إلا رضاء ربه في السكون والحركات،أحببت أن أذكرَّ خاطره الكريم، بما إذا أحاط به علماً، واحتوى نظره الثاقب عليه فهماً، كان محركاً لدواعيه إلى ما يكون به سبب النجاة والسلامة من كل مهواة –إن شاء الله [تعالى] –؛ ليعلم مَّد الله مدته: أن أول ما ينبغي أن يختار له وزيراً صالحاً، فقد قال النبي ً: ((من ولي شيئاً من أمور الناس فأراد الله به خيراً جعل له وزيراً صالحاً، فإن نسي ذكَّره، وإن ذكر أعانه)).(3/138)


وقالً: ((المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل )).
ثم ليختر بعد ذلك جلساء صالحين يعتمدون مجالسته، فقد قال النبي ً: ((مثل الجليس الصالح مثل الداري، إن لم يحبك من طيبه وإلا علقك من ريحه)) فإذا اعتمد على ذلك -أدام الله عزه- لم يصدر منه رأي إلا على وفق الصواب، ولا ينفذ له أمر إلا بعد أن تثقفه الألباب، وإن لم يتيسر له جليس صالح على ما في نفسه لم تفته مجالسة كتاب، قال أبو الطيب:
أعزُّ مكان في الدنى ظهر سابحٍ.... وخير جليس في الزمان كتاب(3/139)


لا سيما كتب أخبار الأخيار والآثار؛ فإنها جامعة لجميع الأوطار، ناصحة للناظر فيها من الإعلان والإسرار، مهذبة له في أموره من الإيراد والإصدار، ثم ليولِ بعد ذلك الولاة الأمناء المكناء، ثم ليستخدم أولي النجدة والبأس، من أجواد الناس، وليطرح من ليس من الأكياس، ثم لينظر [بهم] في الكفاية لهم، والحاصل من المال والمصروف منه، حتى يحمله ذلك على تخفيف ما زاد على الرعية، وحفظ ما لابد منه، فلا يجد تفاوتاً بين حالتي الجور والعدل إلا بقدر الذي يصرف في غير وجهه، وهو مالا يخل بالدولة تركه ويضر الرعية فعله فإذا عمل على ضبط ما يتحصل من المال وما يصرف منه، وجعل على كل شيء ناظراً، وحافظاً، وصادقاً، كان الأمر أقرب إلى الانتظام، ثم ليكن قبض المال وصرفه على وجه يسوغه الشرع، ويجيزه و على وفق خواطر العقلاء حتى لا يستنكره من له عقل سليم ونظر مستقيم، فلا يكون أخذه على وجه الفرق التي لا استناد لها، بل على طريقة مرضية وسيرة سوية، وإذا التبس كيفية الطريق إلى ما يكون مسوغاً شرعاً راجع في ذلك أهل العلم وذاكرهم من جهته، وما يرآه جائزاً شرعاً وحسناً عقلاً، بحيث لا يشوش خواطر الرعية أخذه وقبضه، ويكون تناوله منهم على وجه اللطف لا العنف والتجبر، بل الرفق ولين الجانب، وطلاقة الوجه، فإن الأمر إذا كان على هذه الصفة خفت فيه مؤنه على الرعية، وسهل عليهم بذله، وتبادروا على إعطائه، وتنافسوا في أدائهَ -إن شاء الله تعالى-.(3/140)

188 / 205
ع
En
A+
A-