نعم: ولما عرض له [المرض] الذي ذكرته لك، فأصله: أنه دخل المطاهر كعادته للطهور، فسقط في المطاهر لوثبة الفالج عليه فيه، فانزعج من عنده من حشمه، واهتالوا من هذا الحادث الذي مالهم به عهد، فأخبروا بذلك من يليهم،ومن يليهم أخبر من يليه، فذاع ذلك في المدينة ثاني ذلك اليوم، وضاق الناس وبقوا على ذلك أياماً، فطرأ على ذلك [المرض] عود أكثر صحته، ففشى خبر صحته فوق فشو مرضه، وكتب بذلك إلى صعدة، وقدمت به بشرى يحكون ما قيل في ذلك من الأشعار، ونقل إلينا بعضهم بعضها، فمنها للسيد الفصيح، ذي النسب الصريح، [والود الصحيح]، عز الدين محمد بن المرتضى بن محمد بن علي بن أبي الفضائل، قوله:
عمَّ هذا السرور عبداً وحراً.... وأطالوا لمالك الملك شكرا
وزهى الأفق واستنار سناه.... وعلا النور منه بحراً وبرا
وثغور السعود تفتر عجباً.... وغصون الفخار تهتز فخرا
ونسيم الرياح يخطر في الرو.... ض فيهدي لنا من الزهر عطرا
وشموس الكمال تزهر نوراً.... ونجوم السماء تبسم زهرا
وسرى البدر بالسعادة ليلاً.... وبدا نيّراً وباليمن أسرى
فرحاً بالإمام حين رأته.... طيباً حائزاً شفاءً وأجرا
ملكٌ ما لمجده من نظير.... جعل الجود للرئاسة مهرا
وبنى بيت مجده وعلاه.... فسما همة وبأساً وقدرا
لا يدانيه في الزعامة مَلِك.... فهو بالمكرمات أولى وأحرى
وغدا في الأنام ينشر عدلاً.... ويقيم الهدى ويُنْفِذ أمرا
وسعى في إقامة الدين سعياً.... وأتى غيره من الأمر أمرا
ذو حلوم من العلوم بطينٌ.... وسواه يلقى من العلم صفرا
قد حوى صدره من العلم بحراً.... وحوى كفه من الجود بحرا
والذي صدره حوى العلم والكُـ.... ـف حوى الجود كان في المجد صدرا(3/126)


لست أقوى على معاليه حصراً.... من لرمل الفلاة يقدر حصرا
يعشق العلم لا يريد سواه.... ليس يهوى من النواعم بكرا
عذبة الثغر ذات قَدّ رشيق.... مستطيل من الكواعب عذرا
جيدها الغصن مايساً إن ثناه.... خافق الريح عطَّر الأفق نشرا
وعلى خدها كروضٍ بسيم.... نثرت من زهوره المزن درا
نحن نرضاه هادياً وشفيعاً.... ونرى أن فيه لله سرا
يا إمام الهدى ويا خير داعٍ.... دمت في العلم والسيادة حبرا
نذر الناس يوم برئك صوماً.... غير أني نذرت وحدي فطرا
عالماً أن يوم برئك عيد.... لا أرى صومه وإن كان نذرا
وعليك الصلاة ما لاح برق.... لا ترى يا إمام دهرك ضَرا
وقلت أنا [في ذلك] رعاية لحق هذا الملك المتفضل [المالك] :
يا بشيراً ما مثله من بشير.... حين وافى بموجبات السرورِ
هو فيما أتى به وحكاه.... من مبادئ معثمرات الصدورِ
ثم إسراع غارة الله فوراً.... مثل لمع المهند المطرورِ
محسن منعم على كل حال.... خاتم للعسور بالميسورِ
فجزاه الإله عني جميلاً.... دائماً لا يبيد مر العصورِ
حسبنا الله ربنا وكفانا.... في شحاك العداة صرف الدهورِ
إنما القائم المؤيد روح.... للبرايا صغيرهم والكبيرِ
وإذا اعتلَّ روح جسم توَّلى.... كل عضو منه بسقمٍ ضريرِ
أنت يا ابن المطهرين من الرجس.... ويا ابن البشير وابن النذيرِ(3/127)


حجة الله في الزمان على الخلق.... كما كان حجةً ذو الزبورِ
أنت عالي في كل فضل عميم.... مثل بدر على الأنام منيرِ
أنت في قصرك الممنع فرد.... وهو فرد ما مثله في القصورِ
فيك حلم وعفة وسماح.... وعلوم غزيرة كالبحورِ
وهو كهف لمستظل وأمن.... من مخوف ومنهل للفقيرِ
أطربتنا أخبار برؤك مالم.... يطرب الركب من مقال المغيرِ
عرّجاني بآل نعم فإني.... دنف مغرم بتلك الخدورِ
نحمد الله فوق حمد البرايا.... وله الشكر فوق شكر الشكورِ
حين لم يفجع الموالين فيمن.... هو نور لهم على كل نورِ
أشرق الكون وانجلى كل بؤس.... وتجلت حنادس الديجورِ
يالها فرحة تعادل وزناً.... لو وزنَّا بيذبل أو ثبيرِ
وتولى الحسود والمظهر الإر.... جاف في الأرض حظّ حر السعيرِ
قدَّرت حق قدرها في أزال.... وسعوا في انتشارها والظهورِ
أيها المعتلي على ظهر حرف.... مثل نوق تمر مرَّ الصقورِ
من نجيبات شدقم أو جديل.... قد رعت ريف عالج أو ثغورِ
تعثر الريح حين تجري وراها.... فتلوّى بجاثمات الصخورِ
سر كفاك الإله كل مخوف.... وتنكبت كل خطب عسيرِ
فإذا ما وصلت أرضاً سقاها.... كل نوٍ من البروج مطيرِ
فاقر عني السلام ملكاً بصنعاء.... لم يزل حبه بأقصى ضميري
كم له من يدٍ لديَّ وفضل.... في خفاءٍ من مقصدي وظهوري
ثم قبَّل كفيه عني ثلاثاً.... في سياق من السلام الكثيرِ
ثم قل إن عبدكم قد تمنّى.... أنه يوم برؤكم في الحضورِ
الذين اغتدوا وراحوا وكل.... منهم من شفائكم في حبورِ
غير أناَّ في صعدة قد فعلنا.... ما أطقناه حين نُطْق البشيرِ
كان منَّا من استجدّ صلاةً.... وصياماً شكراً لرب غفورِ(3/128)


وأناساً قاموا من الليل بعضاً.... وأناساً وافوا بشرط النذورِ
ثم أناَّ نحميك من كل بأس.... في حمى ربك اللطيف الخبيرِ
أنت جار الإله من كل شر.... فهو والله خير كل مجيرِ
وعليك السلام يترى ويتلى.... ما تلى حزبكم حديث الغديرِ
لا إله إلا الله لا إله إلا الله، الملك لله، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
ما أسرع ما أُبدلت التهاني بالمراثي، فلم تَحُل عليه تلك السنة حتى مات، وأنشدت في مراثيه قصائد مبكيات، ومما قلته أنا في ذلك:
لموت مليك من لؤي بن غالب.... أذيل مصونات الدموع السواكب
وأظلمت الآفاق حتى كأنما الـ.... ـنهار اسوداداً من صنوف الغياهب
وأوحشت الأقطار صار سوادها.... وأمصارها من وحشة كالسباسب
وأقوت ربوع العلم والحلم والحجا.... وأكدى طواف المرتجي للمواهب
وأصبح ركن العدل بعد مقيمه.... ومحييه ميتاً غائباً غير آيب
وقد كان مولانا المؤيد مولعاً.... به نازلاً منه بأعلى المراتب
تراه ملاكاً للسياسة بل هو الـ.... ـسياسة طراً في جميع المذاهب
به تعمر الدنيا فيكثر خصبها.... ويكفي بنوها طارقات النوائب
ولم أرَ ملكاً ضم مثل محمد.... وأحرز أسباب العلا والمناقب
له حكم لقمان وصورة يوسف.... وملك سليمان وعفة راهب
وصدق أبي ذر وبشر حذيفة.... وحدس إياس واتساق المناصب(3/129)


وكان بغمدان المشيع كعبة.... يطوف بها الوفَّاد من كل جانب
يبثون عنه الحمد والشكر والثنا.... ولو سكتوا أنباك ما في الحقائب
فلهفي على ابن الناصر بن محمد.... محمد المحمود من آل طالب
ووجدي عليه وجد نكدى طوَّحت.... بجيرتها الأدنين أيدي الذواهب
فتى كان بي براً حفياً مقرِّباً.... صديقاً وفياً قاضياً للمآرب
إذا انقطعت كتبي إليه لعارض.... يعاهدني بالكتب في زي عاتب
رسائل أحلى من حياة معادة.... وأكثر ذكراً من دهور الشبائب
أفكِّر في كفِّ أقامت خطوطها.... وكانت محلاً في بروج الكواكب
هل انجاب عنها الترب نعياً أم امحت.... هنا لكم منها خطوط الرواحب
بكته المعالي والعوالي كما بكى.... عدي كليباً يوم دَيْرِ الذباذبِ
وهذا بكت صنعاء عليه وأهلها.... ومن حولها من شرقها والمغاربِ
فصعدة قد عجَّت عليه ومن بها.... بأصواتهم مثل الشريك المثاوب
وقائمنا المنصور حامي ثغورنا.... ومنقذنا من شر تلك النوائب
رأيت له دمعاً عليه كأنه.... سموط لآل في نحور الكواعب
وضجت كرام حوله بات دمعهم.... تفيض انسكاباً كانسكاب الميازب
فيا أيها الموت الذي دقَّ شخصه.... فلم تره عين ثوت تحت حاجب
هبلت لقد أظميتنا في حُلاحل.... على غرة فعل العدو الموارب
فلو كان يحمي عنك حصن مشيد.... به حرس يحمون كل محارب
إذاً لحماه عنك غمدان عنوة.... وذو مرمر سامي الذرى والجوانب
وإخوان صدق من ذؤابة هاشم.... يقودهم الضرغام دامي المخالب
أخوه المسمى أحمد خائض الوغى.... إذا انقدحت بالخيل نار الحباحب
حواليه جند من بكيل وحاشد.... يحامون في الهيجاء أمثال شارب
ولكن بأمر الله فيه غلبتنا.... وأمر إله العرش غير مغالب
ولو كان حي قد فدى من يعزه.... بنفس وإخوان له وأصاحب
إذاً لفداه الأكثرون تبرعاً.... فكم واحد خير لهم من عصائب(3/130)

186 / 205
ع
En
A+
A-