فحينئذٍ صادف قصده إياي، وتوجيهه الرسم إلى قراي، شغفي بهذا الفن وحبي للدخول فيه، فجَّوبت كيف أمكن، ثم اعلم أن منظومة السيد هذه تفوق (البسَّامة) الذي أنشأها ابن عبدون وشرحي هذا بعون الله يأتي أبلغ من (أطواق الحمامة) شرح ابن بدرون وهما عالمان من علماء مغارب مصر، ووجه ترجيحي لكون متن منظومة السيد والشرح عليها يفوقان ما ذكرته هو أنهما انتظما إشادة معالم أهل بيت المصطفى، ونشر مناقب الأئمة منهم والخلفاء، والشيء يشرف بشرف معلومه، والكلام يحسن على قدر من توجه إليه بمنثوره ومنظومه، فجوَّبتُ على السيد صارم الدين، والمؤيد برب العالمين بجواب نثراً ونظماً. وأخبرتهما أني قد امتثلت إشارة من إشارته غنم، وقوله عندي بمنزلة الحكم، إذ صادف ورود ذلك قلباً مني مائلاً إلى الدخول في حفدة الشيعة بأدنى وسيلة وذريعة، وقلت مرتجلاً مخاطباً للملك المؤيد:
أملت هوىً قد كان من قبل مائلاً.... وَهجْتَ غراماً كان من قبل حاصلاً
وأشليت فهداً كي تصيد فلم ترم.... ظبا وجرة حتى ولجن الحبايلا
وكان مطلع قصيدة السيد صارم الدين التي التمس من مولانا المؤيد بها أن يشرح منظومته قوله:
أيا ابن الخلائف من هاشم.... وأولاهم بالفعال الحسن
وعددها ستة وثلاثون بيتاً، فجوَّبت عليه على وزنها وعددها قلت:
لآل الحسين وآل الحسن.... سكون العراق ومن باليمن
وداد بقلبي إن تكمن الد.... راري بأفلاكها ما كمن
وداد غذاني به والدي.... ولدَّتني أمي به في اللبن
وقد جاء في مثل سائر.... تداوله الناس طول الزمن
محال خروح هوى داخل.... زمان اللبا قبل نشر الكفن(1/86)
فيا عاذلي عن هوى حيدر.... وفاطمة الطهر لا تعذلن
فحبهما وذراريهما.... عتادي ليوم ظهور الغبن
كما جاء عن سيد المرسلين.... قد يحشر المرء في حزب من
ويا مرسلي من ربا صعدة.... مهاجر يحيى إمام اليمن
وهاد العباد سبيل الرشاد.... ونافي الفساد وحصر الدمن
إذا جئت صنعاء وبلغتها.... فعفر جبينك ثم اسجدن
هنالك تلقى المنى والغنى.... وتأمن في حرم المؤتمن
حليف العبادة خدن التقى.... وغيث البرية رب المنن
أويس الأوان وقيس الزمان.... وقس اللسان ومعن الزمن
وقل للمؤيد يا أوحد.... شأوت الأفاضل في كل فن
فكل نبيل أخي درية.... بكفيك مستسلم مرتهن
إذا صرح السيد الأحوذي.... بقية أشياخ آل الحسن
ونبراس علم بني المصطفى.... ومن حل في الحفظ أعلى الفنن
بأنك أعلم هذا الورى.... بهدي الفروض وهدي السنن
وأدرى بأحوال أهل الكساء.... ومن قام في حربهم أو سكن
وما قال إلا الذي أعلن.... النحارير طراً به فاعلمن
فكيف بحقك يا سيدي.... عددت هنا ورمِي كالسِّمن
ونوهت باسمي ورشحتني.... لما أنا فيه قصير الرسن
وما ابن اللبون وأنت الخبير.... قد لز مع بازل في قرن
ويشبه قولك قول امرئ.... لفرخ البغاث أتستنسرن
ولكن رسومك متبوعة.... وذلك من ثقل حاذي ومن
لأبذل وسعي ومن طاقتي.... ومن لم يطعك يبوء بالوهن
على ما أعانيه من ناصب.... الهموم ومن خمدة في الفطن
بقدر اطلاعي وما أمكنن
طويل معاقرتي للوطن
فإن سَدَّ رميي فيما أتيت.... وجئت بشيء عجيب حسن
فمن فضل ربي وتقويمكم.... بني المصطفى لي بأغلى الثمن
وإن غير ذاك فمن خاطر.... كليل ودهر كثير المحن
وملتمس منك إبلاغه.... إذا مرسل منك حوليه عن
جزيل سلامي فشوقي إلى.... دعاء له وبنيه ارجحن
وأما إجازة منظومة.... فذلك رأس القصيد الأغن
عليك السلام سليل الإمام.... كصوت الغمام إذا ما هتن(1/87)
[تنبيه] : ثم اعلم أن أكثر المسطور في شرحي هذا من حد قول الناظم:
وكان أول خطب بين أمتهِ.... حيفٌ جرى من أبي بكر ومن عمرِ
إلى أن بلغت به سيرة الإمام المنصور بالله: عبد الله بن حمزة بن سليمان منقول من كتابه المسمى (بالشافي) وطريقي في الرواية له حصلت لي من جهة حي مولانا [الإمام العلامة الشامة في العترة الميامين، والعلامة] المتوكل على الله الملك الدَّيان المطهر بن محمد بن سليمان مناولة، وإجازة بحق ما معه في هذا الكتاب -أعني (الشافي) وفي كتاب (البحر الزخَّار) وغيره من كتب أئمتنا عليهم السلام وشيعتهم، لأني وصلته إلى حصنة كوكبان في سنة ثلاث وسبعين وثمانمائة، فأجاز لي جميع مصنفاته، ومسموعاته أصولها، وفروعها، ومن ذلك كتاب (الكشاف) لجار الله العلامة فخر خوارزم محمود بن عمر الزمخشري رضوان الله عليه، وكذلك (أصول الأحكام في حديث النبي -عليه السلام للإمام المتوكل على الله الرحمن أحمد بن سليمان، وكذلك كتاب (الشفاء في سنة المصطفى) للأمير الكبير فخر الدين الحسين بن محمد الهدوي، والإمام المطهر يروي ما ذكرته لك عن حي الإمام الذي نعش الله به الدين وأحيا المهدي لدين الله: أحمد بن يحيى قدَّس الله روحه في الجنة، بحق ما معه من أخيه السيد الأفضل العلامة: الهادي بن يحيى(1/88)
ومن شيخه عز الدين لسان المتكلمين: محمد بن يحيى بن محمد المذحجي وكان هذا الشيخ محمد بن يحيى من المتبحرين في علم الكلام، وهما يرويان علومهما عن حي الفقيه العلامة لسان المتكلمين: قاسم بن حميد المحلي وغيره، بحق روايته لذلك عن حي والده الفقيه الشهيد: حميد بن أحمد وهو يروي ذلك عن الإمام المنصور بالله، وهو يروي طرق كتابه (الشافي) وما حواه من العلوم معقولها، ومنقولها إلى مشائخه، الذين هم الفقيه الصدر العلامة: علي بن أحمد الأكوع والشيخ شرف الدين شحاك الملحدين، الحسن بن محمد الرصاص والشيخ الصدر العلامة، محي الدين، دعامة المسلمين، الذي له اسمان: حميد، ومحمد بن أحمد بن الوليد العيثمي القرشي والشيخ الأجل الصدر الأنبل، عفيف الدين حنظلة بن الحسن والفقيه الزاهد العابد، شمس الدين أحمد بن الحسن بن المبارك قرأ عليه وهو ينظر في كتابه كل هؤلاء، قالوا: أخبرنا القاضي العلامة حسنة الزمن، محيي ربوع اليمن، شحاك الملحدين، جمال الملة والدين: جعفر بن أحمد بن عبد السلام بن أبي يحيى رضي الله عنه وأرضاه.(1/89)
قال: أخبرنا القاضي الإمام أحمد بن الحسن الكني أدام الله توفيقه، والكني هذا ذكر جميع مشائخه وسردهم، وعددهم إلى أن أوصل سند كل كتاب إلى مصنِّفه، ثم المصنِّفون سردوا ذكر أهل طرقهم وعددهم إلى أن أوصلوهم الصحابة -رضي الله عنهم-، وكل من الصحابة رفع حديثه إلى نبي الرحمة، وسراج الظلمة [صلى الله عليه وعلى آله] نحو ما ذكره المنصور بالله -عليه السلام- في مصنفه المسمى بـ(الشافي) وما عينَّه المنصور بالله في كتابه المذكور من كتب الحديث غير ما صنَّفه أئمتنا، وشيعتهم مثل كتاب (الجمع بين الصحاح الستة) لرزين بن معاوية بن محمد بن عمار العبدري الأندلسي و(الجمع بين الصحيحين) لأبي عبد الله محمد بن نصرالحميدي وكذلك(مسند ابن حنبل) يرويه الإمام-عليه السلام- عن عبد الله بن أحمد بن حنبل، عن أبيه أحمد بن حنبل وكذلك (مفردات الصحاح الستة) وكذلك يروي(مثالب بني العباس) من كتاب (الأغاني) ويذكر فيه من مخازيهم مما يذكره علماؤهم ومواليهم وكذلك(مخازي بني أمية) في (أطواق الحمامة شرح البسَّامة) كتاب و(كفاية الطالب) فلله الحمد الذي أظهر الحق على أعداء آل محمد في فضل آل محمد فلله الحجة البالغة.
قال: وكذلك مسموعات الإمام أبي سعد السمعاني، ومصنفات أبي بكر الفرغاني ومصنفات ابن سلفة.
قلت: واسمه أحمد بن محمد، حافظ الأسكندرية، أصله من أصبهان، نسب إلى جده سِلفَة -بكسر المهملة وفتح اللام-، مات سنة ست وسبعين وخمسمائة.(1/90)