وحاطاً على حصن هداد، وهو لبعض الأشراف الحمزيين، فلم يشعر الوشلي حتى هجم عليه بعض ذلك الجند نصف النهار، فانهزم –عليه السلام- وانتهبت محطته الجميع من خيام، وخيل، وسلاح، وما خرج إلا فاراً على قدميه، وأسر من جيشه قدر سبعين أسيراً، منهم صاحب بُكُر، وبعض أولاد الأمير: عبد الله الحمزي وقتل من جنده حوالي عشرين قتيلاً، وحُزَّت رؤوسهم، ثم رجع مولانا الوشلي إلى ثلا، ثم تقدم منه إلى الشرف، واتفق هو والسيد: صلاح بن الحسن بن علي بن المؤيد على حصار حصن الدير، لأن واليه واسمه: الحاج أحمد تغلب عليه، وكان فيه من أيام الإمام عز الدين فلا هو سلم للحسن، ولا للوشلي، فحاصراه قدر شهرين، فلم يتمكنا منه وارتفعا عنه.(3/86)
ولما حطَّ عامر بن عبد الوهاب على صنعاء المحطة الأولى أغار الوشلي هو والأمير: محمد بن الحسين عليها، واتفقا حوالي ثلا، وقد اجتمع معهما خيل كثير قدر خمسمائة فارس، ووقع من أكثر الزيدية حمية على صنعاء وأهلها، فلما كان يوم الإثنين سادس محرم من سنة ثمان وتسعمائة [سنة] اتفقت وقعة كبيرة في قاع صنعاء، كان الظفر فيها للزيدية استغنى الفليس من طمع عسكر عامر، وتنفس أهل المدينة بتلك الغارة، فخرج منهم من خرج [في] تلك الساعة، وازدحموا على يدي الإمام والأمير وأرجلهما، يقبلونهما لقطعهم بأنه ما حصل الفرج إلا بغارتهما، وارتفعت كلمة المذهب الزيدي ولاحت أعلام النصر، وقرأ القارئ : {كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ }[البقرة :249] فاحتاز عامر وعسكره في جبل نقم، فلم يزل يراسل، ويطلب الأمان، ويترك يرجع بلاده، وغلت عليهم الأسعار حتى بلغ ثمن القرص قفلة فضة، وشربة الماء قريب ثلثي قفلة، بقوا على ذلك من الإثنين إلى الإثنين قدر ثمانية أيام، وقد كان رأي الإمام وأهل صنعاء [على] محاصرته، وأما الأمير: محمد وولده فربما أنهما ما كرها التغافل عنه، وأُخِذَ مال منه كثير ورهائن عرضها وتعديل حصون في هدنة مدة طويلة أو قصيرة فيها يسكن كل في بلاده.(3/87)
وقيل: إنه عرض أنه يرد بلاد الزيدية التي قد استولى عليها الشوافع كذمار وما حولها، فوقع النزاع في ذلك بين دولة صنعاء، ودولة صعدة، فأما عامر فاستغنم في حال الخوض، وأخذ في إعداد أهبة الفرار، ففرَّ هو وعسكره وتحملوا ما خفَّ وأحرقوا من أموالهم ما ثقل كالغراير، والمنجنيقات، وأكثر الخيام، وأحمال قوة قد كانوا استولوا عليها من أموال تجار صنعاء.
وحكي لنا: إنهم أحرقوا بزاً كثيراً، وكان مهربهم عند طلوع الشمس، وقد باتت نيرانهم تقد طول الليلة، فلحقهم بعض عسكر الإمام وبعض أهل صنعاء، فنهبوهم، وقتلوا جماعة منهم، ولولا الله سبحانه [وتعالى] وعروض مطر جيد وفيه بعض شيء من البرد حال بينهم وبين من لحقهم، وكان ذلك ببلاد سنحان عند قرية يقال لها: الجرداء فوقف اللاحقون لهم، فلما وصل عامر ذمار بعد انكساره أمر بهدم ذمار ما خلا مساجدها وبعض السماسر، وأتعب الزيدية الذين حول ذمار، ومن ذلك اليوم انتقلت العمارة إلى الجراجيش.(3/88)
وأما الإمام والأمير محمد فإنهما وقفا بصنعاء مديدة على عزَّ وإنصاف، ثم رجع الأمير إلى الزاهر، فأقام الخطبة هناك للوشلي، وأمر بذلك إلى صعدة، فأقيمت له أيضاً بمسجد الهادي –عليه السلام-، وتولى القضاء بصعدة القاضي محمد بن أحمد بن حابس، وعزل عبد الله الذويد، وخطب له أيضاً بصنعاء وتولى القضاء من جهته بعض بني النحوي، وعزل سيداً كان بها حاكماً من جهة [محمد] بن الناصر، وحضر الجمعة بصعدة جميع شيعة صعدة بعضهم رغبة وبعضهم رهبة، فالذين حضروا رهبة بنوا على المنافاة للإمام الحسن؛ لأنهم بايعوه، وفي هذه السنة في شعبان منها نزل الإمام من صنعاء إلى الجوف في عسكره، فيهم أحمد بن الناصر وغيره من الأشراف وعيال أسد يريد الأمير يحرب بهم إخوته عبد الله وحميضة، ومن في جانبهما في معين من شريف وعربي فرجَّح الإمام الخوض بينهم في الصلح، فارتبط الصلح وتحرر، ففرح الناس بذلك، وجاءت البشرى إلى صعدة، ثم تقدم [الإمام] [–عليه السلام-] إلى صعدة بعد أن فسح لأكثر من سايره، ولم يبق معه إلا من يدور عليه أمر المخرج من وزير وخادم شربه وبعض السادة والشيعة الكل مقدار مائة نفر، فدخل صعدة يوم الجمعة سابع وعشرين من شعبان، فلقيه أهل صعدة إلى خلف بلاد العبديين، وكذلك أكثر من حول صعدة من البوادي حتى أن الناس من كثرتهم سقط منهم من سقط، وقام من قام من شدة الزحام، فلم يصله أكثرهم في تلك الساعة، وما منعه من زحمة الناس إلا أهل الخيل على ظهور خيلهم، فلما جاوز بئر جوحل صلى بالناس هناك صلاة الجمعة وتبارك به من لم يكن قد اتصل به، ثم تقدم إلى مسجد الهادي(3/89)
–عليه السلام- وصلى بالناس فيه العصر، وكان يوماً مشهوداً سعيداً، ثم خرج إلى بيت قد أعدَّه له الأمير: أحمد بن محمد وأضافه تلك الليلة هو وعسكره ضيفة سنية، ثم تلاه غيره ممن بصعدة ووقع بينه وبين أكثر شيعة صعدة اختصاص وصفا [و] وداد، واختلفوا إلى حضرته حتى أتباع [الإمام] : الحسن، وأحبه أهل المدينة حباً مفرطاً رجالهم والنساء، وتبَّركوا بطلعته السعيدة وكثرت نذوره، [ولكنه] ما تصرف منها في قليل ولا كثير بل كان ما دخل يده أخذه الأول، فوقف على ذلك في صعدة إلى يوم الأربعاء رابع عشر ربيع الآخر، ثم سار وسايره خيل كثيرة من أهل القبلة أمر لهم الأمير: محمد، فلما وصلوا هم والأمير الزاهر ذكر له الإمام من جهته تمام الصلح بينه وبين إخوته ففهم أنه قد تغيَّر، فضاق الإمام من ذلك هو وغيره من المسلمين فتوجه إلى اليمن، فكان مدة إقامته بصعدة قريب من ثمانية أشهر، وفي الزاهر [قريباً] من أربعة، ولما حطَّ عامر على صنعاء المحطة الثانية أول شهر جمادى الأولى من سنة عشر [وتسعمائة] بمحطة كبيرة مثل الأولى وأكثر، وانضم إليه أشراف مَعِين، فأما الإمام محمد، والأمير محمد، فقالا: أرواحنا وأموالنا على صنعاء ومن فيها صدقة، إذ أخذها يؤدي إلى هلاك هذا المذهب الشريف، فالتقيا إلى الظاهر في شهر رمضان الكريم، وتقدما نحو صنعاء وانتظرا مجيء مادة تقبل من صعدة يصل بها الأمير أحمد بن محمد أو يأمر بها غيره، وقد كانت عنده في صعدة والمخلاف، [وهي] قدر مائتين وخمسين فارساً، فلما أيسا من المادة تقربا من صنعاء، فأشار عليهما من أشار أن يأتيا من طريق شرقي(3/90)