يحوطون من أضحى نزيلاً بسوحهم.... كما حفظت بين الكرام الودائع
وزانهم من آل زيد عصابة.... كما زينَّت كفَّ الكريم الأصابع
قضاة كأمثال النجوم إنارة.... وهديا إذا زل الغوي المنازع
هم عرفوا حق الإمام وأخلصوا.... ودادهم حتى استفاد المراجع
وما غفلوا عن أخذ أوثق دينهم.... ولا كان منهم في التوثق خاضع
فلما دروا أن الطريق منيرة.... ووجه الهدى ما سترته البراقع
أجابوا النَّدا من غير لومة لائم.... وأحيوا منار الدين قصداً وطاوعوا
فجازاهم الرحمن خير جزائه.... ولازال منهم للإمام مشايع
فطاعته حتمُّ على كل مسلم.... يرى أنه يوماً إلى الله راجع
لأن ابن عز الدين أفضل من مشى.... على الأرض وانظمت عليه الأصابع(3/81)
[دعوة الإمام محمد بن علي الوشلي]
تنبيه.
ومما يتصل بقول الناظم [-رحمه الله تعالى-] :
وذا زمانك فانظر في حوادثه.... فالوصف يقبح للمحسوس بالبصرِ
منها قريس وتفقو إثرها علب.... وعرقب وهي دهياء الصم والعبرِ
عمَّت بفتنتها خَصَّت بمحنتها.... كل الخلائق من بدوٍ ومن حضرِ
وقد ذكرت طرفاً مما كان في الثلاثة المواضع وتوابع ذلك، ونلحق به خبر دعوة مولانا المنصور بالله: محمد بن علي بن محمد بن أحمد الوشلي من ذرية السراجي، وقد تقدم تدريج نسبه [إليه]، وأنه من ذرية الحسن بن زيد بن الحسن بن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب -عليه السلام-، فإن هذا دعا عقيب دعوة الحسن بن عز الدين بقدر ثلاثة شهور في وادي ظهر من بلاد بني الحارث من أعمال صنعاء، وكان مبرزاً في جميع العلوم، ولازم الإمام عز الدين في فللة وصعدة وغيرهما، يحمل العلم الشريف، وله في أصول الدين مصنَّف لطيف، ولما تضلع من العلوم، انتشر ذكره في الآفاق، وغطى في السخاء والكرم على أكثر أهل عصره وفاق، فكان لا يحفظ درهماً ولا ديناراً ولا ملك خزانة لبيت المال، وإنما كان صندوقه بيت مشطه وهو في عمامته، فما أحقه بقول بعضهم:
لا يعرف الدرهم المنقوش صرتنا.... لكن يمر عليها وهو منطلق
وقوله :
وكان للمال في كفيه أجنحة.... فإن يقع منه شيء فيهما يَطِرِ(3/82)
ومن كثرة سخائه الذي أقلَّ ما في يده أنه لم يعمر له داراً، ولا غرس غراساً، ولا قنى عقاراً، ولا تزوج على أم ولده يحيى غيرها، بحيث أنه في هذه الخصلة أشبه عيسى بن مريم –عليه السلام- إذ لم يضع لبنة على لبنة، ولذلك قال به أكثر الزيدية في جهة اليمن، فلا يستثنى إلا من قد بايع الإمام الحسن من شيعة صعدة، وأرض خولان، وقد كان –عليه السلام- دخل صعدة [في] أيام سيادته وحجّ منها، ثم عاد منها إلى بلاد ذمار أقام بها زماناً يفيد الطلبة العلم الشريف حتى وقع منه في جانب عامر معارضة، ومكاتبة إلى صنعاء، ووقف له على كتاب فيه الأذية لهم، وينسبهم إلى الجبر والتشبيه، فأخافوه، وأهموا بالوقيعة به، فتركوه لمنصبه وقرابته من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.(3/83)
فانتقل إلى صنعاء فازدادت محبته في القلوب لكونه باين بني طاهر عكس مولانا الحسن فإنه والاهم، وحالف عامراً على حرب صنعاء وغيرها، وقد كان الحسن بعد أن دعا تقدم من كحلان تاج الدين إلى فللة، فلما بلغته دعوة الوشلي [رجع] في العشر الأواخر من شوال لما وصلته كتب من أوليائه يحثونه على الوصول، ويخبرونه أن حصن الجميمة قد أخذه أهله، وهم لا يستبعدون تقِّوي الوشلي على تلك البلاد، فرجع إلى السودة، ووقف بها أياماً، ثم كتب إلى من [قد] بايعه من شيعته وغيرهم يستدعيهم إلى عنده، فخرج من صعدة، ويسنم، وساقين وغيرها من نواحي جهاته الشامية جماعة كثير قدر سبعين من أهل العلم، فيهم من بطون الشرف قدر ثلاثين، فوافوا السودة يوم ثامن عشر من محرم، ووقع باجتماعهم أمور معجبة للمحب، وموغرة لصدور المجانب، ثم تعقب وصولهم إليه وصول القاضي العلامة: محمد بن أحمد بن مرغم من صنعاء في عصابة قدر أربعين، أكثرهم أعيان، فوقف الجميع عنده قدر شهر ينصون على أن المعارض مبطل، وأن من اتبعه غاوٍ لسبق غيره عليه بالدعوة، وكتبوا بذلك إلى الجهات، وهيهات!! ما أثَّرت تلك العظات، ولا أحدثت إلا الكلم المحبطات الصادرة من شيع تلك الجهات، وفي خلال ذلك وقعت أشياء من القبائل والعوام المائلين إلى جانب الوشلي، وهَّنت أمر مولانا الحسن، وطرقوا له في البلاد لكراهتهم ولاية آل المؤيد؛ لزعمهم أنهم أقصياء على الزكاة وجمعها، والوشلي نفس لهم في قبضها، وأقطع الشيع جميع تلك المخاليف، فحصلوا على دقيقها وجليلها، فكان ذلك عوناً للوشلي على الاستيلاء على نواحي كثيرة مما قد كان [قد](3/84)
تمكن منها الإمام عز الدين، فملك السود، والعدنية، وبقية حصون جميمة سخدا تملكها أهلها لنفوسهم، وكذلك حصن المرخام في بلاد بني شاور، فلما استولى مولانا الوشلي على هذه البلاد عاد إلى ثلا، فلقي في طريقه [أهل] حصن يقال له: حجر سعيد، لبعض الاسماعيلية.
قالوا: وكان صاحبه من قطَّاع الطريق، فأخذه عنوة، وأخربه هو وجنوده، وقتلوا هذا الوالي الظالم، ورجلاً آخر معه، فتقوت هيبة الوشلي في قلوب الناس، وأحبَّه من كان له إليه التفات، وفي أوائل شهر رجب من هذه السنة وقع اتفاق بين الحسن والوشلي في بعض [بلاد] الشرف قريباً من مدوم وقفا يتراجعان في الوجه المسوغ للمعارضة، ويذكران أن الأولى الانقياد للشريعة يحييان ما أحيته، ويميتان ما أماتته قدر نصف نهار، فما وقع من أيهما تسليم للثاني، فرجع كل منهما [إلى مكانه]، فالوشلي بقي حاطاً على كحلان على حاله، وأمره يتقَّوى حتى بلغنا أنه أخذ ثلاثة حصون هناك، ثم بعد ذلك ارتفع بمحطته لأنه قطع بعدم قدرته على أخذه في تلك الحال، وقد وقف عليه قدر ثلاثة أشهر، ثم بعد مدة شراه بمال كثير، وأرسل إلى صنعاء يعلمهم بذلك، وكذلك مولانا الحسن كتب إلى فللة يخبرهم بطرف من ذلك، ويعتذر بأن الملجئ إلى بيعه كثرة مؤنه وجوامك رتبته وعدم المدخول فرأى المصلحة في بيعه، ثم انتقل منه إلى مدوم، ووقف به إلى بين العيدين، ثم انتقل إلى الميقاع وفي شهر ربيع الآخر من سنة خمس وتسعمائة نهض الوشلي من ثلا إلى جهة اليمن، فوصل إلى بلاد سنحان من أعمال صنعاء مريداً لغزو ذمار وهي لعامر، وقد كان بعض جند عامر مراكز للوشلي،(3/85)