[دعوة الإمام الحسن بن عز الدين بن الحسن ]
فلما مات -عليه السلام- وكان ولده الإمام الحسن يومئذٍ غائباً في كحلان تاج الدين سار البريد [إليه] يعلم بموته، فوصله يوم ثالث وهو يوم الإثنين أو الثلاثاء، فحشد أعيان أتباعه، وأهل تلك البلاد، [ومن حضر من أشياعه]، فاعلمهم بذلك، فأصابتهم مصيبة على غفلة [وروعة]، وضاقت عليهم الأرض بما رحبت، وأعزوه في تلك الجهات جميعها، ثم عوَّل عليه من عوَّل في القيام، فلما كان يوم الجمعة وهو [يوم] ثامن موت أبيه وهو تاسع وعشرين من رجب المذكور، دعا إلى الله سبحانه في كحلان تاج الدين، وبَّث دعوته في الآفاق، ووصلت دعوته صعدة، وقد كان انعقد الصلح بين الأمير محمد، والإمام عز الدين مضمونه الهدنة من الفتنة قدر عشر سنين، فقام الإمام الحسن وقد [كان] مضى منها قدر خمس سنين، فحين وصلت دعوته صعدة فرح بها الأمير، وقرروا ذلك الصلح، وزاد في مدته خمس سنين، وأثبتوا للإمام الحسن الخطبة في صعدة، ولم يفعلوها لأبيه من قبله، بل كانت لابن يوسف كما تقدم، وأما السكة فهي للأمير في عصر الإمامين المذكورين، وفي خلال ذلك أطاعه جلُّ الشيعة، وواجهه إلى كحلان عدة منهم، فأنصفهم وأعطاهم عطاء جزيلاً، واستمر الناس يفدون إليه من كل جهة، ويرجعون مطيعين سامعين، خلا جماعة من آل المؤيد، فإنهم وصلوا إلى هناك وأنصفهم، ورجى منهم بيعة، فتعنتوه وراوغوه، فعلم بهم جماعة من شيع المغارب، والجهة اليمنية، فراسلوهم ومرضوا الأمر، وكثر ظهور الاختلاف، وأعمل القاضي محمد بن أحمد بن مظفر الحيل في توقيف من علم به إرادة النهوض إلى(3/76)


الإمام الحسن ومنَّاهم التماني، وقد كان وقع بينه وبين مولانا الإمام معاداة في عصر الإمام عز الدين على زكاة بلاد كانت موجهة للقاضي، فما زال ذلك من قلب القاضي، وقد عوضَّه الإمام في حياته بأكثر مما أخذ عليه، فلم يفد ذلك، بل أضمر العداوة للحسن، فلما دعا عانده، وشوَّش القلوب عليه وأمرضها، فأفسد عليه أجزل أموره، وما زال يضارره ويعانده، حتى كان قيام الوشلي بسبب معاندته كما سيأتي، فأما الجهة الصعدية وبلاد خولان، وأكثر بلاد القبلة، فأطاعه أهلها، وبايعوه، [وشايعوه]، وأقيمت الجمعة بصعدة، وكانت القضاة تصدر وتورد عن ولايته ما اختل عليه خلل إلا معارضة عمه صلاح وأولاده [له] في بلاد خولان و فللة؛ فإنهم آذوه وآذاهم، وما زاد وسعهم المشهد المبارك، بل نزل عمه صلاح إلى الحظيرة حلَّ بها هو وأولاده، واتفقت بينهم فتنة كبيرة، وحلل الإمام [الحسن] دورهم رتباً [بحيث أنه ما زاد أيهم أمن يصل المشهد]، ولما دعا الو شلي بايعوه وقالوا به ووصلوه، وأقطعهم بلاداً من الشرق، وكساهم وركبهم، ومن حين دعا الوشلي قلت محاصيل الإمام الحسن من بلاده تلك، فأفنى ما كان قد جمعه حي والده من بيوت الأموال؛ لأنها بقيت معه حصون أبيه صرف عليها من داخل، وتدارى بها القبائل، والبلاد التي تحت هذا العهد مال أهلها إلى الوشلي؛ فوهب لكل ما تحت يده من الواجبات، وبعضها استكفت به الشيعة المنحرفون عن الحسن، فأتعبه ذلك وأذهب ما في يده، وجاهد مجاهدة كبيرة، وأمر إلى شيعته الذين بصعدة ويسنم وغيرهم، فخرجوا إليه إلى السودة مخرجاً كبيراً، وذكَّروا الناس، وعَّرفوهم(3/77)


حق الإمام، وأنه السابق، ووعظوهم، وكرروا ذلك، ودخلوا الأسواق، وكتبوا إلى صاحب صنعاء وغيره، فما أثر ذلك كل الأثر، فصبر مولانا –عليه السلام-، ومن صبر قدر، وفي خلال ذلك أخذ عليه بعض الحصون التي كان والده قد قبضها، مثل: حصن يسمى المرخام، وحصن يقال له: الجميمة في بلاد قحطان، وراح عليه السود، وكان قد ولَّى والياً على كحلان الشرف، وهو شريف من أهل غربان يقال له: حمزة بن الباقر، فكتب إلى الإمام يستمده على محطة حوله من عسكر الوشلي، فسار في جماعة واحتال حتى دخل الحصن، ورام نصرة واليه، وطرد المحطة من حوله، والوالي كان منه أن قال [له] : قد اكتسر لي عليك جوامك كثيرة، ولا آمن أن تسَّلِم الحصن وتبيعه، وتقبض ثمنه، وأخرج بلا شيء، فاختر إما سلمت لي ما قد انكسر عليك وشأنك بحصنك، وإلا سلمتك إلى يد خصومك وأخذت ثمنك وثمن الحصن، وتهدده وتوعده، وضمَّره هو ومن معه من النفقة أياماً، وإن أنفقهم فمن شيء يسمى الكناب ما قدروا يسيغونه لقلة الاعتياد لأكله، فاضطر الإمام إلى بيع كحلان [المذكور] بجملة دراهم، واستغرق أكثرها هذا الوالي [في] منكسرة، وخرج من الحصن وقد سلم للوشلي هو وحصن المفتاح، وكان في ذلك أمور كبار، منها: أنه ترَّفق له هو وأصحابه من أولئك القبائل، وممن كان مع الوشلي من جند صنعاء كبعض أولاد شارب؛ فإنه رفقهم حتى أطلعهم حصن مدوم، وأصحابه أحباب للإمام وصهور، فلما أمن معهم أنشأ رسالة هناك وصف فيها ما جرى عليه من واليه الأعيب حمزة بن الباقر نثراً ونظماً، وأمر بها إلى صعدة وغيرها، فنقلت وهي موجودة عندي تركت إيرادها هنا(3/78)


لطولها، وغرضي الاختصار، فمن أحبَّ مطالعتها فهي موجودة في أيدي جلَّ الإخوان.
ولما رجع الإمام إلى الجهة الشامية بعد تسليمه لكحلان المذكور، استرجح طيافة الجهة الشامية مثل: القبضة، والعرين، والحرجة، وتلك النواحي في آخر ذي الحجة [من] سنة اثنتين وتسعمائة، فعول على عدة من السادة والشيعة في المسايرة له إلى هناك، فسرنا معه فلبثنا من يوم سرنا إلى أن رجعنا قدر أربعين نهاراً، وما وافقنا أحد من أهل تلك النواحي إلا فأطاع وبايع، وصارف دون جماعة أشراف في بلاد راحة، فإنهم قالوا: قد ظهرت المعارضة من الوشلي، ونحن نتوقف حتى تجتمع الكلمة، ولما رأيت اجتماع القبائل في يوم جمعة في سوق الحرجة، أنشدت قصيدة فريدة ذكرت فيها الإمام، ومن أطاعه من أولئك القبائل، ومدحتهم، ومجدتهم، فوقع لها موقع عظيم، وانثال الناس بعد سماعها إلى جانب الإمام -عليه السلام-، وهو من كثرة إعجابه بها أمر بها بريداً طاف بها على أهل يسنم، والمثة، وصعدة، و فللة، وساقين، ثم أمر بها إلى صنعاء فقريت في الجامع، وعاد البريد مخبراً لموقعها في تلك الجهات وتناقلها، وهي [هذه] :
لوائك منصور وبرجك طالع.... ووجهك وضَّاح ونورك ساطع
وفضلك مشهور وكعبك معتل.... وحلمك ممتد وطيشك شاسع
وعلمك معروف وجودك شامل.... وعفوك مرجو وصدرك واسع
وأنت الذي اختبر الرجال سماحة.... وجوداً إذا هبَّ الرياح الزعازع
وأنت الذي لم تنظر العين مثله.... صلاحاً ولم يسمع بمثلك سامع
خرجت على اسم الله من أرض يسنم.... تبادر في نعش الهدى وتسارع(3/79)


يحفك من آل النبي عصابة.... كرام وأشياع بدور طوالع
وأجناد صدق من بكيل وحاشد.... ومذحج في الهيجاء سيوف لوامع
فوافاك بالترحيب كل قبيلة.... تضيفك أبشاشاً وبعد تبايع
جماعتهم من آل نصر وبعدهم.... رجال سحار كل من هو شاجع
ووادعة الأمجاد من آل مرحب.... وسنحان ما سنحان إلا سمادع
وجاءك تهوي من عبيدة عصبة.... جميعهم للخصم كالسم ناقع
إلى أن حططت الرحل عند قبيلة.... لها كل يوم في الرقاب صنائع
شريف شريف شَّرف الله قدرهم.... وحاطهم من كل سوء بواقع
فهم روس قحطان بن هود وصيتهم.... بكل بلاد ماله قط دافع
وأكرم بجهمين بن داود إنهم.... لشيخ جليل للرئاسة جامع
وفي آل بشر قد نزلت وخيمت.... خيامك حولي من له الله رافع
فإن بني بشر أسود ضراغم.... وأسياف صدق في الحروب قواطع(3/80)

176 / 205
ع
En
A+
A-