أنسنا وطبنا باللقاء وسرَّنا.... مصير النوى من بعد ذلك زاهقا
وعدنا إلى تذكار من شطَّ داره.... فأضحى بعيداً نازح الدار ساحقا
ومن حجبته أشعب وشواهق.... فسحقاً لها من أشعب وشواهقا
فثارت نيار للجوى وسط الحشا.... بها أصبح القلب المتيم حارقا
فلي في الدجى جفن نؤوم عن اللقاء.... وجفن به يمسي على البعد آرقا
وقلب تراه ساكناً بعض ليله.... وفي بعضه من شدة الوجد خافقا
ألا أيها الساري على ظهر سابح.... يفوق الجياد الصافنات السوابقا
تحمل وُقِيْت السوء نظماً محبراً.... بديعاً بليغاً يفضح الدر فائقا
تبث به الشكوى على الخالق الذي.... تبارك رحماناً رحيماً وخالقا
وأوقف عليه كل راعي مودة.... مصون عن الغش الذي ليس لائقا
يواسي ويأسو ثم يخبر ناظماً.... جواباً لما في النظم هذا مطابقا
وخصَّ به المقصود بالذكر أولاً.... وَمَنْ بُعْدُه أضحى له الدمع دافقا
أحبّتنا ما بين صنو مفضّل.... تراه صديقاً في الأخوة صادقا
هماماً سما جوداً ومجداً ومفخراً.... وأصلاً أصيلاً شامخ الفرع باسقا
ونجل كريم يملأ الأرض صيته.... مغاربها يا مُرسلي والمشارقا
حليف معالٍ لم يزل هو مولعاً.... وما انفك للأسفار خِدْناً معانقا
وولد سراة طيبين أماجد.... زكوا عفة في دينهم وخلائقا
غطاريف أطهار كرام أماثل.... فما أحداً منهم يخاف البوائقا
وأهل بهم صار الفؤاد مولعاً.... مشوقاً إليهم غاية الشوق تائقا
أحنُّ إليهم كلما هبت الصبا.... وتزداد أشواقي إذا شمت بارقا
ومهما تذكرت الشآم ومن به.... أقام تذكرت العذيب وبارقا
وإن ينس لم ينس التي صار فقدها.... له عبرات قد أخذن المخانقا
وهل كبد تمشي على الأرض مثلها.... يهون على أحشائها أن تفارقا
وما أمُّ سَقبٍ فارقته فلم تزل.... تحنُّ حنيناً أسمعته النوائقا(3/61)


بأشوق مني قاطناً ومسافراً.... وأوجد مني صامتاً ثم ناطقا
ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة.... وليس بليت نستفيد الحقائقا
وللشمل جمع ما يشاب بفرقة.... وليس غراب بالتباعد ناغقا
فقل للأسى رفقاً فقد صرت لازماً.... وقل للسِّلو اذهب فقد صرت طالقا
عسى ولعل الله إني بلطفه.... ورحمته ما زلت عمري واثقا
وصلتني هذه القصيدة في شهر رمضان الكريم من سنة اثنتين وتسعين وثمانمائة، وأشار الإمام -عليه السلام- أن أجوّب عليها، فجوَّبت سريعاً هذه القصيدة الآتية، فلما بلغته، استجادها واستحلاها، وأنشدها للحاضرين وتلاها، فقلَّ منهم من قام من تلك الحضرة حتى استملاها، وهي هذه، مجردة عن تخميس أردفتها [به] بعد مدة، وحصل لي منه بسببها جائزة سنيَّة، وعطية هنيَّة، [وهي] :
صدقت ولم تبرح مدى الدهر صادقاً.... وما زلت عن أمثال لقمان ناطقا
وسابقت أرباب المقال إلى العلا.... فقاموا وجاوزت النهاية سابقا
فمن رام إدراكاً لشوطك لم يكن.... لشقّ غبار من مساعيك لاحقا
بآية ما أبدعت فيما افتتاحه.... أفق أينما وجهت صرت مفارقا
فإنك ألبست الفصاحة حلة.... [تفوق على مغسول في الحسن فائقا]
وأنسيت نظماً للكميت وجرول.... وصيَّرت أرخاخ القريض بياذقا
ا غرو والأشعار أصغر مفخر.... غدوت به جل الأئمة فائقا(3/62)


وأما فنون العلم فالكل مذعن.... بأنك قد أوضحت منها الدقائقا
كبحر غدا باللؤلؤ الرطب قاذفاً.... وبالعنبر الشحري في البر دافقا
أو الغيث يهدي للسعيد منافعاً.... ويبعث حيناً للشقي الصواعقا
كما حزت أسباب الكمال فلن ترى.... أخا رتبة إلا لحقك سارقا
كأنك ذو القرنين طوفت تبتغي.... مغارب في جمع النُّهى ومشارقا
ليعتبر النظَّار فيما أقوله.... ولا قدَّس الله الكذوب المنافقا
أمثل أمير المؤمينن ورهطه.... يرى الناس أفعالاً زكت ومعارقا
وأربعة هل عُدَّ في أي معشر.... نظير لهم سَرداً كذا متطابقا
توسَّط عز الدين مابين نجله.... وناجله كالورد زان الشقائقا
وبالحسن استكني وبالحسن اعتزى.... وفي المكرمات السيدان توافقا
وإن سبق الهادي القديم حفيده.... فقد لحق الهادي الأخير ووافقا
وإن قلت قد أربى ونيّف لم يكن.... مديحي لبدر التمِّ إذ تمّ ماحقا
ألم يك يحيى من حسين وقاسم.... فهل حطَّ قدراً منهما كان باسقا
لقد فخرت عبس بأن كان منهم.... ثلاثة أنفار سراة بطارقا
وثنوا لأم أنجبتهم بأنها.... سمت كل من زمت عليها المناطقا
ولو عاش منهم من يرى لإمامنا.... بنيناً وإخواناً بدوراً شوارقا
ويكفي من الأسباط سبطان أعجبا.... وفي الرأي والإقدام صنوان طابقا
إذاً لرأى سادات عبس زعانفاً.... وعدَّ بها همَّام مُرَّة لاصقا
فيا أيها الغادي على أرحبيّة.... يباري ذواري الريح بله الأيانقا
تعد بها ماءً بيرسم مصبحاً.... ويمم بها ماء بحيدان غابقا
وطيش عليها في السواد مفاوزاً.... يظل بها الخريت حيران باخقا
نجوداً وأغواراً وحيناً عقنقلا.... ومتسعاً في طرقه ومضايقا(3/63)


كأن يرابيعاً جعلن ببطنه.... مساكنها من قاصعيها ونافقا
فحين ترى الأهنوم عرِّج تعمَّدا.... على أرض قحطان كفيت العوائقا
إلى الشرف الأعلى وفي ذا إشارة.... إذا كنت للتشريك في اللفظ رامقا
ومن حيد كحلان تكحَّل فإنه.... يزيد الضياء نوراً ويجلو الحمالقا
وإن كنت مكروباً فعفِّر بتربه.... جبينك تستفتح بذاك المغالقا
فإن مكاناً حلّ فيه إمامنا.... جدير بأن يحيي ثراه الخلائقا
وما لكرامات الأئمة منكر.... ومن قدرة الرحمن ينشي الخوارقا
كما خُصَّ مركوب لجبريل إنه.... يؤثر في الأشخاص حساً ملاصقا
ومن بعد ذا سلم عليه وقل له.... فديتك موموقاً فديتك وامقا
أتانا نظام منك يفضح عرفه.... رياض الربيع الزاهرات العوابقا
وفيه من البين المشتِّ شكاية.... وما كان من جمع الأحبة عائقا
وكون التلاقي للتنائي مظنة.... وقربك للمحبوب يدني التفارقا
وعددت من صار الفؤاد مولعاً.... بهم ومشوقاً غاية الشوق تائقا
فقلت وما تنسى التي صار ذكرها.... له عبرات قد أخذن المخانقا
وهل كبد تمشي على الأرض مثلها.... يعز على أحشائها أن يفارقا
فواهاً لها من نفثة وشكاية.... وشقشقة فاحت فهاجت شقاشقا
ويا حسن ما عبرت عن سر خاطري.... وذكرتني رهناً لذي العول عالقا
وهذا الذي أدنى محلي بصعدة.... وصيرني في أبحر الهون غارقا
حرمت ازدياد النيل من شغفي بهم.... فبت وما فضل لذي الجيل نافقا
إذا الحر أضحى والخمول نزيله.... بمنزلة فاهتف به أن يفارقا
وقل: يا أخي فارق ترق كل صاحب.... فلن يقطع الصمصام إلا مفارقا(3/64)


فلولا أطيفال كزغب من القطا.... لمشهدها تبقى النفوس خوافقا
لما كان ظلي للديار ملازماً.... ولا كان قلبي للمواطن عاشقا
ولا كنت إلا في العراق مزاحماً.... نحاريرها للمنتهين مرافقا
وإلا بأرض القدس صاحب خلوة.... غدا لكؤوس الصحو والمحو ذائقا
ولولا ثلاث هنَّ من لذة الفتى.... وجدك لم أحفل بمن كان حانقا
فمنهنَّ إتحافي عيالي بطرفة.... لفرحتها تبقى الثغور بوارقا
ومنهنَّ خوفي أن يذلوا لقاهر.... يُرى ضارباً هذا وهاتيك دالقا
وتُستَخدمُ الكبرى في كل معنت.... ويقذف بالصغرى ورا الباب داهقا
ومنهنَّ رجواي لهم أن يشابهوا.... أصولهم مهما استقلوا طرائقا
فليس يضر القوم موت سراتهم.... ولكن إذا شبَّ الخلوفة مائقا
ولا الحسب المأروث لادر دره.... بمغنِ وإن أمسى به العز عالقا
ووالله يا مولاي إن بباطني.... بكور شكاً [و] ضعف ذا وعوائقا
وإنك قد حركت داءً مخامراً.... له زمن لم يلق في الطب حاذقا
وإن قد رمى عن قوس فحوي نظمكم.... وقرطس حتى مرَّ في القلب مارقا
فمنّوا على المملوك منكم بدعوة.... فما جاهكم عند المهيمن زاهقا
بتثبيته في قوله وفعاله.... وتبليغه فيما يروم الحقائقا
فأنتم لنا يا أهل بيت محمد.... ملاذاً إذا خفتم علينا البوائقا
عليكم سلام الله ما هبت الصبا.... وما دام مخلوق يسبِّح خالقا(3/65)

173 / 205
ع
En
A+
A-