وأما بنات الناصر: فأكبرهنَّ، وأشهرهنَّ، وأكثرهنَّ بركة، الشريفة: آمنة بنت الناصر، نقلها عامر مع أخيها أحمد إلى مدينة تعز، ونقل السيد صارم الدين إبراهيم بن يحيى بن صلاح وكان ذا منزلة رفيعة عند خاله، صدَّره في أكثر أموره، وأنزله منزلة الولد السار البار؛ لكونه لم يعش له ولد ذكر ولا أنثى، وقد كان تزوَّج آمنة هذه قبل السيد يحيى بن صلاح أب إبراهيم المذكور، السيد العلامة: محمد بن يوسف الآتي ذكره، فلما خرج من صنعاء إلى ثلا، ودعا بها إلى نفسه، وتعذر دخوله إلى صنعاء أمر بطلاقها، فخلفه السيد يحيى بن صلاح، وتربىَّ إبراهيم في حجره مع خالته آمنة المذكورة، فكانت شديدة الحنو عليه؛ لأنها أيضاً لم ترزق ولداً. انتهى. الكلام هنا في ذكر ما تضمنه قول السيد صارم الدين:
منها قريس وتقفو إثرها علب.... وعرقب وهي إحدى الصُّم والعبر
فهذا ما اقتضاه النظر في تفسير هذا البيت على سبيل الاختصار، فلنتبع تفسير بقية أبيات المنظومة، فلنشرع بما تعقَّب موت الإمام المطهر من الحوادث، فنبدأ بذكر من دعا بعد موته، أو في حال حياته، ومن عارضهم من ملوك صنعاء وصعدة.(3/31)
[الكلام فيمن دعا وقت الإمام المطهر وبعد موته وذكر دعوة الإمام عز الدين بن الحسن]
فاعلم: أن الإمام مطهر لما ملك ذمار وقف بها مدة، ثم عرضت له بها مرضة ممتدة حتى مات في شهر صفر من سنة تسع وسبعين، وقد كان في عرض مرضه ترجح للسيد أحسن بن وهَّاس أن يدعو إلى نفسه في حصنه في الظاهر، وما أجابه أحد مِمَّن يعوّل عليه، بقي على ذلك مدة، فلما مات المطهر.(3/32)
[دعوة السيد العلامة محمد بن يوسف بن صلاح]
وكان السيد العلامة محمد بن يوسف بن صلاح بن المرتضى بن حسن بن علي بن يحيى بن منصور من آل المفضل الكبير، كان يوم [مات] المطهر بصنعاء مصاهراً لابن الناصر كما تقدم، فلما علم بوفاة المطهر خرج سراً إلى ثلا في ثلاثة جماعة أو أربعة منهم: أخوه صلاح بن يوسف والفقيه محمد بن علي بن حنش، وأظهروا في ثلا أن هذا الرجل قد دعا إلى نفسه بصنعاء في شهر ربيع الأول، الثاني من شهر وفاة الإمام المطهر، وأشهد على ذلك جماعة هناك، فكاد الناس يجيبونه، وبثَّ دعوته إلى صعدة و فللة، وأكثر بلاد الزيدية في اليمن، وفي خلال ذلك أعني قبل ظهور دعوته في صعدة ونواحيهاَ ا هتم الإمام عز الدين بن الحسن بالدعوة في فللة، واجتمع عنده جماعة أعيان مثل أبيه الحسن، وإخوته وجماعة من الشيعة، فخرج إليهم، وقال: إني استخرت الله من الدعوة في هذه المدة، واعتذر بوجوه، فضاق الحاضرون من فعاله وإحجامه، فكان بعد شهر ووردت دعوة ابن يوسف ينكر فيها بيعته، وأنه متقدم وحذَّر من المعارضة لما فيها من تغيير قواعد الدين، وقال: قد أعذرنا إليكم- أيها الأصحاب- قبل أن تصدر من السيد عز الدين معارضة، فمن أعذر قبل الفعل فقد أنذر، وكان ورود دعوته سبباً في تصميم الإمام عز الدين على الدعوة، وشجَّعه على ذلك أن أكثر الناس لازمه، وقالوا له: إن ابن يوسف هذا، وإن كان عالماً كبيراً، ونسبه في أهل البيت شهيراً، فأنت تعرف منه، ومن أخيه ما تعرف من مخالطتهما للملوك ووقوفهما بين أظهرهم، وقبضهما لجوائزهم، ونحو هذه الأمور، فصمم على(3/33)
الدعوة، وأجابه أكثر الناس إلا الأمراء بني حمزة بصعدة، فإنهم رجَّحوا لابن يوسف البقاء على دعوته، وخطبوا له بصعدة، فاستمرت خطبته بها من يوم الجمعة رابع وعشرين من ذي الحجة سنة ثمانين إلى آخر جمعة في شهر ذي القعدة سنة اثنتين وتسعين، فيكون قد خطب له قدر اثنتي عشرة سنة، ولم يملك شيئاً من البلاد، بل وقف في ثلا كالجار، ومالت عنه الشيعة قاطبة مع علمه الغزير، ومنصبه الشهير، والله تعالى يخير، وهو من مشائخي في (البحر الزخَّار)، وكان متبحراً في العلوم، ذا مراجعة حسنة لطالب العلم وإنصاف في حالة الإلقاء، ولا تضجره كثرة المراجعة، كما [كان] يعرض لكثير من شيوخ التدريس، ومات ولا عقب له، ودفن في ثلا، وورثه أخوه صلاح، فعاش بعده مُدَيْدة ثم مات، وورثه ولده أعني ولد أخيه صلاح.(3/34)
[دعوة الإمام عز الدين بن الحسن]
فلما مات ابن يوسف اجتمعت الكلمة من أكثر الناس لمولانا الإمام الهادي عز الدين بن الحسن بن علي بن المؤيد، فإنه دعا [في يوم] تاسع عشر شهر شوال من السنة المذكورة، فتسلم السودة، وكحلان الشرف، واستولى على الشرفين، وكذلك البلاد الشامية كيسنم، والمثة، وساقين، وما وقع له قدرة على أخذ صعدة، وإن كان الشيعة الذين بها قد أطاعته، وكذلك أكثر شيعة اليمن من الظواهر، والمغارب، وصنعاء، وذمار إلى بلاد خبان ما تخلَّف عن مبايعته ومشايعته أحد إلا من لا ينظر إليه، ولا يعول عليه، وكان صاحب صنعاء وهو محمد بن الناصر يعلم بدخول ولاته إلى صنعاء لقبض واجب من أحب الخلاص من رعية صنعاء إلى ولاته، فلا ينكر على أحد شيئاً من ذلك، فتوفر له من صنعاء وبلادها مصالح كثيرة، وعلى الجملة فكانت واجبات بلاد الزيدية من حد ينبع، والصفراء، وتلك البلاد، وكذلك أشراف مكة فإن محمد بن بركات، ثم ولده بعده، ومن قال بقولهما من بني الحسن كانت واجباتهم تصير إلى يده، ويشتهروا بموالاته، وأحبوا من أحبه، ومن قدم من الشيعة إليهم بكتاب بخطه أحبوه وآنسوه، وكان قد اشتهرت عندهم بركته في أموالهم وأولادهم ومملكتهم.(3/35)