أن يجيء له من ينقله سراً يتصَّنع به عند بني طاهر فقبر بقبر ثانٍ بجنب الداير، و ما حرس عليه، فمكث أياماً، فجاء من نبش قبره وحمله في ثياب، وسار به بعض يوم، فشعر به من شعر، فلحقوه وردوه بعد تنكيل حامله، فقبر في قبر ثالث، [فسبحانك] من تعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير، ومما قيل في الناصر مدحاً: قول السيد الفصيح المقول إبراهيم بن يحيى، وكان من فصحاء صنعاء في وقته، قال :
أيدري ما الشجيُّ به الخليُّ.... أجدُّك يستوي ظمأً وريُّ
يقول العاذلون هواه غيُّ.... وقول العاذلين هو الغويُّ
وأولى من يرق له ويرثى.... إذا اعتلق الغرام به البريُّ
وأرعى النجم من كَلَفٍ بسعدى.... لأرقب طيفها وهو البطيُّ
وأنَّى زار طيف ذا سهادٍ.... له قلبٌ بحرقته صليُّ
يقلبه الهوى ظهراً لبطن.... ويلحق صبره نشر و طيُّ
لجاج اللائمين عليَّ جهل.... وداء الحبِّ لو علموا دويُّ
بسمعي عن سماع اللوم وقرٌ.... وقلبي لاتباعهم عصيُّ
دعاني العاذلون لترك وجدي.... لأحبابي فقلت الرشد غيُّ
أبى لي الحَّبَّ ميلاً عن هواهم.... فقلبي عن إراد تكم أبيُّ
أتدعوني إلى تركي هواهم.... وهل يسلو الهوى إلا دعيُّ
فلما استيأسوا خلصوا نجياً.... وقلبي بالغرام لهم نجيُّ
وماذاك الغرام أردت لكن.... جرى في كتبه القلم الوحيُّ
عزلت الإعتزال إلى ذويه.... فهل شعروا بأني أشعريُّ
أما لو أبصروا قسمات حبي.... لضلوا رشدهم وعموا وغيُّوا(3/21)


وقالوا عند ذاك بلا مراء.... وقد وضح الجمال اليوسفيُّ
أصاب الشيخ أن لا فعل إلا.... بتقدير وأخطاه الجنيُّ
لعل الله يدركني بلطف.... فمن عاداته اللطف الخفيُّ
أجب داعي الصبابة غير وانٍ.... فذا الوسمي يعقبه الوليُّ
وذر ثوب الحياء خَلقاً سميلاً.... وذا ثوب الربيع العبقريُّ
رباب المزن هامية حمانا.... وخدُّ الأرض من طرب نديُّ
تضاحكت الرياض فثغر هذا.... لجينيُ وهذا عسجديُّ
وشَّق شقيقها الأكمام تيهاً.... وماد الغصن واهتز النديُّ
وغرَّد طيرها شربوا كؤوساً.... فخير العيش صرف صرخديُّ
إذا ما استفَّها هرم أعادت.... له ما يفعل الناشي الصبيُّ
لعمرك ما ارتوى منها بلالاً.... فلم يرجع له خلق وريُّ
وكم محدودب كِبراً حشاها.... فجاءك وهو معتدل سويُّ
وكم من مصمت شرب الحميا.... فأصبح وهو منطيق بذيُّ
أدرها عانساً بكراً عجوزاً.... حصاناً لا يقاربها الغبيُّ
تمشي في المفاصل مشي بُرءٍ.... إلى سقم فتاركها غبيُّ
إذا حُسِيت من الأبريق ليلاً.... أتى الإصباح وانجاب العشيُّ
لها روح سماويُّ بسيطُ.... له جسم زجاجي كريُّ
وريح لو أتى الموتى لحيوا.... بنكهته ولون عندميُّ
عقيق ذائب يطفو عليه.... جمان لؤلؤي جوهريُّ
فلو نظر ابن سَّيار إليها.... لصحَّ الجوهر الفرد الخفيُّ
تعرت عن شوائب كل ذات.... فشاربها عن البأسا عريُّ(3/22)


أما هي تكسب البخلاء جوداً.... أما الغدَّار يشربها وفيُّ
أما الهيَّاب يأخذها فيسطو.... أما الحاقي بصبغتها حفيُّ
محرمة ولكن عن أناس.... وما يصفونه شيء فريُّ
فلم يسعد بها إلا سعيد.... ولم يشقى بها إلا شقيُّ
فخذها من يدي رشا أغنٍ.... كأنَّ جبينه قمر مضيُّ
وطلعة وجهه صبح ولكن.... أثيث جعيده ليل دجيُّ
تبارك من برى هذا وهذا.... يقلُّهما القوام السمهريُّ
تناول جمرة من وجنتيه.... ومن فيه فطعمهما شهيُّ
ثلاث كلها نشوات خمر.... هنيء شربها أبداً مريُّ
وأفضل شربها من فيه يسبي.... وأفضل ما اغتبطت به السبيُّ
لقد بتنا وقصَّر طول ليلي.... منادمي الغزال العوهجيُّ
له طرف يميت به ويحيي.... وعنق في الرشاقة عيطليُّ
أعاتبه على مطلي فيغظي.... حياءً وهو عن ديني مليُّ
ويعلم كنه فقري واحتياجي.... لما يحويه وهو به غنيُّ
فقال: دع العتاب وغن صوتاً.... أعارضك العريف الجعفريُّ
وجس العود رفقاً بعد ستر.... وأنطقه فناطقه الرويُّ
تعالى الله ذا عربي لفظ.... يخاطب ذا وهذا أعجميُّ
وحرَّك رأسه طرباً وغنَّى.... ألا يا دار مية أين ميُّ
وقلب طرفه بفتور لحظ.... له فتك بعاشقه أريُّ
كأن على نواظره السواجي.... حساماً سله البطل الكميُّ
أمير المؤمنين وخير ملك.... له في الدولة الحظُّ السنيُّ(3/23)


مليك هاشمُّي طالبيُّ.... إمامٌ فاطميُّ حيدريُّ
هزبر هبزريُّ أصيديُّ.... خُضَمُّ أو حديُّ أمجديُّ
لبيٌُ نابهٌ يقظٌ أريبٌ.... أديبُّ سيدُّ ملكُّ سريُّ
وقورٌ ناهضٌ يمٌّ لهامٌ.... زكيُّ ما جدٌ ندسٌ ذكيُّ
بليغٌ مصقعٌ خرقٌ هضومٌ.... أبيُّ طائعٌ عفُّ جريُّ
له خلقٌ وخلقٌ ذا وضيُّ.... يلين له الجماد وذا رضيُّ
له أيدٍ وأيد في المعالي.... وناهيك الحليم الأخوذيُّ
نقي لا يعاب ولا يعيب الأ.... نام سميدعٌ شهمٌ نقيُّ
يطول وجدَّه المختار فخراً.... و لا يُعْلَى ووالده عليُّ
حكى جديه منذ كنَي وُسمِّي.... وزينٌ ملكه ريَّ وزيُّ
فذا المنصور بالمنصور سمَّي.... لوالده بكنيته سميُّ
هم الشمَّ الأولى سادوا وشادوا.... فنشر فخارهم عبق ذكيُّ
هم خير الأنام بلا مراء.... وأفضل من بهم تُحدَى المطيُّ
تعنعن مجده شأواً بشأوٍ.... وليُّ أو وصيُّ أو نبيُّ
فسلني عن مناقبه بياناً.... فعند جهينة الخبر الجليُّ
له فضلٌ تُقِرُّ به الأعادي.... وكفُّ بالندى سَمِحُّ سخيُّ
وعلمٌ لو تقَّسمه البرايا.... لأصبح كلُّ ميت وهو حيُّ
وبأس ضمَّه كرمٌ تليدٌ.... تُقِرُّ له به عبسٌ وطيُّ
وحلمٌ لو تعلَّمه ابن قيسٍ.... لما قاسته تيمٌ أو عديُّ
وفهم لو تأمله إياسٌ.... لآيس أن يقال له: ذكيُّ
وحَّزٌم خصَّه العبَّاس منه.... بأوفره وعزمٌ موسويُّ(3/24)


وتدبيرٌ أناف على ابن حرب.... حنيفيُّ حفيُّ أحنفيُّ
وخلقٌ من رسول الله سبطٌ.... وخلقٌ منه معروفٌ بهيُّ
أمير المؤمنين فدتك نفسي.... لما هذا النوال البرمكيُّ
وكم هذا العزائم والسيوف الصـ.... ـوارم والعواسل والقسييُّ
وكم هذا الذوابل والدروع السـ.... ـوايل والخميس اليحصبيُّ
وكم هذا الجواشن والخيول الصـ.... ـوافن منتماها أعوجيُّ
وكم هذا الترائك قد تلتها العـ.... ـواتك والمشاقص والنضيُّ
وكم هذا المغافر والمواضي البـ.... ـواتر والخناجر والمديُّ
وكم هذا البوارق أعقبتها الصـ.... ـواعق ما مقاومها حجيُّ
وكم هذا الصواهل جللَّتها القـ.... ساطل إن ذا أمر بهيُّ
وذي السِيدان بالآساد تسعى.... وهذي العيس رقَّصها الحديُّ
وكيف ترى بغاث الطير مهما.... دنا منها العداة المصرخيُّ
فصعدة تسعى فيرون وهذا.... ضعيف الحال يغلبه القويُّ
فإن يكٌ رأي من فيها عناداً.... فذاك الرأي مسفوه رديُّ
وإن العدل مشرعه زلالٌ.... وإن البغيَّ مرتعه وبيُّ
أجدُّك كل ذا من أجل هذا.... فلا وانٍ يراك ولا ونيُّ
وربتما رغبت لذاك لكن.... ليحمدك المقام الهادويُّ
أزرها مكة فلقد تسامت.... إلى مرآك واشتاقت حليُّ
وجدَّ بجدِّة للقاك وجدُّ.... وهام لك المقام الأ بطحيُّ
وطاب لطيبة منك اقترابُّ.... و أسعفك الجناب اليحيويُّ
ولجت في مجيء منك لَنجَا.... ورجَّى ذاك آمل والغريُّ(3/25)

165 / 205
ع
En
A+
A-