[بيت]
حط حوله على باب صنعاء بغتة
بالمدافع فكل يدكدك ثبته
قدر خمسة شهور أو هي ستة
والمؤيد يعد بالفكاك أنصاره
[بيت]
فأغاثه إلهه بغارة شعوى
وابن أبي واصل هو أمير الشجوى
بالسراجي كفاه الإله البلوى
ذاك ابن الحسين ناقمٌ بالثارة
[بيت]
حيزوا عامراً وفلوا حده
ثم دبَّر كسيراً وسيَّب جنده
وانحصر في نقم ليالي عدة
مزَّقتهم سيوفٌ بها بتارة
[بيت]
كل هذا ومولى آزال معتل
وتولى وحرق خيامه والحل
فأراه إلهي خصيمه قد ذل
والمرض بالمؤيد يزن أظفاره
[بيت]
فقضى الله عليه الحمام المحتوم
وهو ظالم لنفسه بصورة مظلوم
وقد ابصر مناويه ولىّ مهزوم
حاملاً من خداعه معه أوزاره
[بيت]
بعد عامين عاد ابن [عبد] الوهاب
وافتتحها وكان في الحساب الغلاب
لحصاره لصنعاء وشد الأطناب
مارقد قط حتى تناول ثاره
[بيت]
أسر أحمد سليل المليك الناصر
وحريمه من كان عنده سامر
وعياله وماله وما كان ذاخر
مثل شارب ورهطه وأهل الداره
[بيت]
بعد أن قد هزم أمير الجوفين
مات في سجنه فأطفى النورين
وفعل بالسراجي ما أبكى العين
وأسر ثم شله وأضرم ناره
[بيت]
ليت عين المؤيد ترى ما صالت
ليت نفسي قبيل المؤيد سالت
آمنه بعده وقد كان قالت
لا أرى دى الحرق لنا مطاره
[بيت]
ففراقي لقصري مصيبة صيبا
ما لهذي الليالي خسيسة عيبا
وهوان العزيز كلمة شيبا
صيرتني وكنت المجيرة جارة
[بيت]
ثم لما تخلت لعامر صنعا
وغدا الذئب مع الشاة فيها يرعى(3/16)
بسط العدل فيها و سد الصدعا
والرعايا لأملاكها عمَّاره
[بيت]
وتقضت ليالي عيال الناصر
بليال المليك المتوج عامر
وليالي ابن عيسى الشجاع الباهر
جل من هو لمن شاء يملك داره
[بيت]
لا اعتراض على مالك من مملوك
فإذا عمرها انتهى رأيته مفكوك
للولايات عمر بعينه مسلوك
لا ترده عماره ولا أقطاره
[بيت]
ذا نظام لشاعر قديم أنشَاهْ
وعلى قدر لفظه بجهده حشاه
وتلاه أخيرٌ بنحوه وشَّاه
وهو من فك من[ذا] الكتاب إزراه
[بيت]
الفقيه النبيه الزحيفي الفندي
ونطاسيها ووارى الزند
الذي هو لسر الفوائد يبدي
قطبَ له في علوم السير مدراره(3/17)
وأما ما ملك من النواحي فاعلم أنه ملك ذمار، وأكثر بلاد خبان، وهيوة وصباح، ورداع، وجل بلاد الزيدية يمناً، وما بين ذمار وصنعاء، وما بين صنعاء إلى ظفار الظاهر، ثم من ظفار إلى صعدة، أخذها على فاطمة بنت الحسن واستولى على جميع حصون صعدة، وملك نجران، وجباناً وعذر، وملك ذي مرمر، والفصين، وأطاعه أكثر أهل الجوفين، والبونين، وأسر الأئمة والملوك، والفقيه المعافى بن عمر، والمهدي بن عز الدين، وما بقي عليه من بلاد علي بن صلاح لم يملكه إلا اليسير، وكانت صعدة للشريفة فاطمة بنت الحسن، فأخذها عليها في سنة خمس وأربعين، وبقيت الحصون بيدها، ووقف بصعدة قدر شهرين، وعاد إلى صنعاء في سنة ست وأربعين، ووصل صعدة كرة ثانية في رمضان من سنة ثمان وأربعين، فوقف بها رمضان، وشوال، وذا القعدة، وتزَّوج الشريفة بدرة بنت محمد بن علي بن صلاح، واصطلح هو وأمها فاطمة بنت الحسن، ثم خرج إلى صنعاء، وفي هذه السنة مات الإمام صلاح في حبس الناصر كما تقدم، وفي سنة سبع وخمسين أمرت الشريفة فاطمة خدمها قتلوا حسن بن محمد بن علي بن مداعس خلف باب سويدان، وكان يريد الخروج إلى صنعاء، فبعد ذلك قام أخوه عبد الله بثأره، وجاء بالناصر على صعدة، فأخذها في شوال من سنة ستين، واستولى على الشريفة ووزرائها، وقيدّهم الناصر، ثم أخرجهم الناصر إلى صنعاء، وخرجت ابنتها بدرة بنت محمد، وولدها يحيى بن صلاح إلى الحظائر من بلاد الربيعة، ثم وصل الناصر إلى صعدة مرة أخرى، وخرج على فللة، فأخرب الحرة التي على فللة، وفي هذه السنتين لم يزل الحرب بينه، وبين بني طاهر سجالاً حيناً لهم(3/18)
وحيناً له، وفي آخرها استقووا عليه ففر منهم [خوفاً من ذمار إلى هران، فغدر به بعض خواصه، فراسلوا بني طاهر، فخرج من هران عامداً] إلى صنعاَء من طريق عرقب، والجربتين، وهداد فقبض [عليه] أهل تلك البلاد، ورجَّح لهم ذلك فقيه مشهور عندهم بالبركة، وهو من شيعة مطهر، وحَسّنَ لهم تسليمه إلى المطهر في آخر رجب من سنة ست وستين، ووقف ملزوماً إلى أول سنة سبع وستين، ومات بكوكبان، ونقل إلى صنعاء، فقبره بمسجد القبة من صنعاء، وفي خلال لزومه استمر عامر بن طاهر يغادي صنعاء بالغوائر ويراوحها حتى أضعفها، فاسترجح ولد الناصر بيعها من عامر في شهر شوال من سنة ست وستين، فملكها قدر سنتين ونصف، فظهر لابن الناصر من المتولي على صنعاء لعامر أنه يريد لزمه بصنعاء، وإنزاله إلى عامر إلى اليمن، فتشجن من ذلك، فأرسل إلى محمد بن عيسى، وهو والٍ على ذي مرمر والفصين أنه يغير عليه خفية، ويخرجه إليه قبل أن يقبض، فتجرد له في بعض الليالي، وذلك الوالي قد خرج ثبت بلاد سنحان، فدخل صنعاء سراً، فلما اتفقا [على الخروج] قال لهما من قال: إن المدينة بأيديكم في هذه الساعة، فانتهزوا الفرصة، ودخلوا على الكراز بيته، وقد كان وزيراً للناصر، ولكنه مال ميلة ابن طاهر، فنهبوا بيت الكراز، والتف أهل صنعاء جماعة عامتهم وعالمهم، وعمدوا قصر غمدان، وبه والٍ لعامر من همدان، فدعا بالرفاقة، فرفقوه ومن معه، وقبضوا صنعاء من تلك الساعة، وبلغ ذلك عامراً، فأصابه من الغم ما قدم وما حدث، وعاود الغارات يشنُّها على صنعاء، كان آخر غزوة غزاها من عدن، فوصل صنعاء على غفلة يوم سادس(3/19)
خروجه من عدن، وجاء وشارب غائب في بلاد حضور في عدة من الخيل لا تبلغ عشرين فارساً، فأرسل إليه ابن الناصر: يا غارة، يا غارة، فأغار [في] تلك الساعة بمن معه، وهم لا يعلمون أعني من مع شارب بكون ابن طاهر قد حطَّ على صنعاء، وأقبلوا من حضور حتى أشرفوا على قاع صنعاء من عصر، فرأوا من الجيش الكثير ما يشبه الجراد المنتشر، فأحجم بعض من مع شارب، وهو تقدم في قدر سبعة عشر فارساً، غدا في عسكر ابن طاهر وراح مراراً، وسلَّمه الله [سبحانه] من القتل، وفي خلال ذلك، وباب صنعاء مغلوق في وجهه والمفاتيح بيد ابن الناصر، فجاءوا إليه، وقالوا: افتح لنا نغير على شارب وأصحابه، فأرواحنا على روحه صدقة، ولا ننسى صنيعته معنا في استرجاع صنعاء لنا ولك، وكادوا يسطون بابن الناصر، فأعطاهم المفاتيح، وخرجوا منبثين على محطة عامر، فأخذوا أكثر جمالها أدخلوها صنعاء، وجاء من أخبر عامراً أن الجمال قد دخلت صنعاء، ففرح ظناً منه أنها دخلت بقوتها، فقيل له: إنها منهوبة مطموعة، فما زال يقول: من إيش؟ من إيش؟ [من إيش؟ ]،حتى سقط من فوق مركوبه، فقيل: مات غيظاً، وقيل: بل أصابه سهم غرب، وعلى الجملة فما دري ما كان سببه، واستوت الهزيمة في عسكره والقتل الذريع، والسلب لأمواله الجميع، وما سلم إلا من حماه أجله، واستغنى الفليس، وصارت جميلة شارب يضرب بها المثل في المشارق والمغارب، وما زال هو وابن الناصر تقبل لهم البلاد، وتدين لهم العباد، وسيأتي لهذا مزيد إيضاح في ذكر محمد بن الناصر –إن شاء الله تعالى-، ولما قتل عامر قبر بقبة خواجة على باب اليمن، فخشي أهل صنعاء(3/20)