أفي المحرم أمر الله صادفه.... ليت المحرم يمحو رسمه صفرُ
لا أشرقت شمس مجد بعد غرته.... ولا استلذ به قلب ولا نظرُ(3/11)
[ذكر عرقب]
وعرقب اسم موضع بين ذمار وصنعاء من شرقيها، وصله الناصر فاراً من هران، وقد رصد له عدوه في جهران والنقيل رجوى أن يجيها، وهي طريق معتادة، فجاء من طريق عرقب والجربتين، فمن حذره لم ينجُ، وأتيح له أهل عرقب [والجربتين] واسمه هداد المشرق، ويقابله هداد المغرب والجربتين، فرفقوه وعابوا فيه وسلموه إلى يد الإمام المطهر، فحبسه عنده بكوكبان حتى مات هو وعبده المسمى: عبية الطاهري.(3/12)
[ذكر الإمام المنصور محمد بن الناصر ]
فصل في ذكر نسبه ومدة ملكه وإقبال الدنيا له ثم إقفائها عنه وذكر موته وموضع قبره.
أما اسمه: فهو الناصر، وكنيته المنصور، واسم أبيه محمد بن الناصر بن أحمد بن الإمام المطهر بن يحيى بن المرتضى بن المطهر بن القاسم بن المطهر بن محمد بن المطهر بن علي بن الناصر بن أحمد بن الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين [عليهم السلام].
وأم الناصر بن محمد الشريفة مريم بنت علي بن صلاح المقدم ذكرهما، لما تربَّى في قصر غمدان في حجر الخلافة دعته همته العالية إلى أن عارض صلاحاً ومطهراً على صغر سنه من سنهما وقلة علمه، فجاء نادرة عصره.
قاد الجنود، وخفقت فوق رأسه البنود، وأسر معارضَيهِ المذكورين وغيرهما من ملوك زمانه، وملك ذمار وصنعاء وصعدة، وما حول ذلك من بلاد الزيدية، وغزى بلاد بني طاهر مراراً، واستولى على حصون شوامخ، وما كان أحد من الملوك يقوم له إلا وظفر به، وانتشر صيته في جميع النواحي.
ومن إقبال الدنيا له أن ذمياًجاء إليه إلى حصن هران، وما قد ملك من البلاد غيره.
فقال له: قم اقبض صنعاء فهي في يدك، فقد اقتضى الحساب أنك تصلي الفجر بمسجد وهب، والظهر والعصر بجامع صنعاء، والمغرب بقصر غمدان من غير ضربة ولا طعنة.
فقال له: كيف هذا والمدينة وقصورها وحصونها في يد زيد بن قاسم ولد سنقر، وأهل المدينة على رأيه؟
فقال الذمي: أنا هذا في يدك وبين يديك وأسير معك، فإن اختلف من قولي هذا [شيء أقل قليل] فروحي هدر.(3/13)
قالوا: فسار من ساعته، فلما وصل مسجد وهب آخر الليل صلى به، وارتاع أهل المدينة وداخلهم الفشل ففتحوا له الباب، فجاء وقت صلاة الظهر والعصر وهو وقت المشاركة جمع الصلاتين مشاركة، وخرج متوجهاً نحو القصر وفيه زيد بن قاسم وغيره في عسكر فوق عسكر الناصر، ففشل العبد وارتاع، وراسل الناصر أن يؤمنه هو وحاشيته ففعل ونصَّروا له، فما صلى المغرب إلا بقصر غمدان، فاستولى من تلك الساعة على أكثر بلاد علي بن صلاح جده أبي أمه، وانفتحت له البلاد على هذه الصفة، ثم انعكست عليه أموره آخر مدته، وقد أشار إلى طرف من أمره حي السيد الفصيح المصقع إبراهيم بن يحيى الشاعر المشهور من بني الهادي، وكان من أعيان من يحضر عند الناصر.
فقال: شعراً حمينياً، أوردته هنا وإن كان ملحوناً لما كان فيه شرح بعض أحوال الناصر، فالحكمة ضالة المؤمن، وقد ذيَّلته بأبيات ذكرتها في آخره.
قال مبتدأً:
إن تكن مهجتك والهة محتارة
خذ دوائين من أدوية مختارة
وهمومك على خاطرك كالدارة
ياقريب الفرج يا سريع الغارة
[بيت]
يا إله السما يا مليك الأملاك
جل ملكك فما أقدرك ما أعلاك
يا مدبر بحكمك جواري الأفلاك
تنصب الخلق تارة وتخفض تارة
[بيت]
تحتسب ما ترى من صلاح الأحوال
يكسب الآخرة أهلها بالأعمال
وتحوِّل بحولك جميع الأحوال
وإنما العاجلة مسترده عاره
[بيت]
قد مضى في القصص والسير والأخبار
خدعتهم بآمالها هذي الدار
من ملوك الأعاجم وأهل الأمصار
خادعة فاجعة ماكرة غرارة
[بيت]
في ذمار العبر للذي له معقول
بعد ما كان معلوم عاود مجهول(3/14)
أوحش القصر وهو الأنيس المأهول
ليس بيت الأسد مثل بيت الفارة
[بيت]
والجراحيش في فرد ساعة طاحت
هجرتها الغواني وعنها راحت
والبواكي عليها وفيها ناحت
لو ترى الرابضة أو ترى المفخارة
[بيت]
وتحرَّى السلامة بقلعة هران
فرأوا كل ما يكرهون بالأعيان
واجتمع به معه رفقته والأعوان
ذا يطُرَّد وذا تخرب داره
[بيت]
هد ركنه هداد الذي به أمسى
وابن آدم لما يعلمه قد ينسى
مركبه على شاطئه قد أرسى
ما خطر في ضميره عطل والقارة
[بيت]
ومضوا به على باب صنعاء مأسور
عز والله علينا المليك المنصور
وهو ينظر إلى قصر صنعاء والسور
واقيوده إذا ما احترك صرارة
[بيت]
طلعوا به إلى كوكبان الشاهق
والقضا والقدر قائده والسائق
ضيقوا محبسه فيه وما كان لائق
أبخل الناس من ليس يكرم جاره
[بيت]
ثم فاجاه فيه الحمام المحتوم
وعبية حواليه مكبل ملزوم
والمداعس تفادى بمال معلوم
وتخلاص سيد نشب في الغارة
[بيت]
بعد هذاك بيعت مدينة صنعاء
قرّ فيها قليلاً وبيَّن الرجعى
فأتى مشتريها مغيراً يسعى
نحو أرضه وعين الفرج نظارة
[بيت]
قفَّلوا أهل صنعاء عليها الأقفال
فأتى الشيخ عامر بشير الأهوال
وحووها بخيلاتها والأموال
قال له يا مضيع رددت العارة
[بيت]
فاستمر ابن طاهر يشن الغارات
وهو يقسم لا ترك رباها حارات
نحو صنعاء ينادي بيا للثارات
ما درى أن قتله بها كفارة
[بيت]
فاجتمع ملك صنعاء لابن الناصر
وخدع به أخيراً خليله عامر
قدر خمسين عاماً بعدل طاهر
خدعة يالها مهلكة ضرارة(3/15)