ومات وله أولاد، وأولاد أولاد من مشاهيرهم شجاعة، وفصاحة، وصيتاً: السيد الأفضل عبد الله بن المطهر، وقد ذكرت فيما تقدم أنه خلفه على ولاية ذمار، فانتهت به الحال إلى أن احترب هو وبنو طاهر، وجرت قصص يطول شرحها، فأخرجوه منها، وحلَّ صنعاء حتى ملكها عامر بن عبد الوهاب، فلما سير من بصنعاء من [وجوه] الأشراف، وعيال الأسد، سير عبد الله معهم هو وأولاده، وحللهم الجميع بتعز، وخلت صنعاء من ذرية الناصر بن محمد، ومن ذرية مطهر بن محمد بن سليمان، فسبحان من لا يزول سلطانه، فهذا طرف من ذكر قريس، وما اتفق فيه، أشرت إلى تفسيره على سبيل الاختصار تبعاً لاختصار السيد صارم الدين.(3/1)
[ذكر الإمام المهدي صلاح بن علي بن محمد بن أبي القاسم ]
وأما قوله: ويقفوا أثرها علب وعرقب
فهما أيضاً: موضعان نشير إلى:
الأول منهما: وهو علب، فنقول: أشار السيد صارم الدين إلى ما وقع بعلب، وهو قرب صنعاء، وذلك أن حي الإمام صلاح بن علي بن محمد بن أبي القاسم بن محمد بن جعفر بن محمد بن الحسين بن جعفر بن الحسين بن أحمد بن يحيى بن عبد الله بن يحيى، وعبد الله هذا هو: أخو الإمام الداعي يوسف بن يحيى بن أحمد بن الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين –عليهم السلام-.
قال السيد العلامة الهادي بن إبراهيم صاحب كتاب (كاشفة الغمة)، -وهو أعني السيد الهادي من مشاهير السادة اليوسفيين-: إنهم أقرب بيتاً إليهم، قال: ولا شك عند أهل المعرفة بأنساب أهل البيت أنهم من أولاد الهادي، قال: وهي نسبة ظاهرة، بل متواترة لمن معرفته بعلم النسب غير قاصرة.
قال: فهم أهل بيت في الشرف كبير، وبالعلم الغزير شهير.(3/2)
قلت: وكنية هذا الإمام المهدي لدين الله، وهو [كان] من أهل المعارف، وله كتاب في العربية شرح على الحاجبية اسمه (النجم الثاقب) انتزعه من شرح [كبير] لوالده عليها، فجاء هذا المنتزع معتمداً في صنعاء ونواحيها، حصَّله عدة من الطلبة لسلاسة ألفاظه، وتقريبه المقاصد من فهم المبتدئين، فلما دعا هذا الإمام كما تقدم، ورأى أن سنقراً واسمه: قاسم بن عبد الله، وهو الذي خلف سيده علي بن صلاح على مملكته بعد وفاته، ووفاة [ولده] محمد بن علي، فإنه توفي بعد والده بأربعين يوماً، فتصدر المملوك هذا على ما يعتاد من الرئاسة في مدة مولاه، فإنه كان من أهل الكمال والهيبة، فرأى الإمام صلاح حال هذا المملوك، وأن الكلام كلامه، أضمر في نفسه أن يلزمه إذا خلا به، فقد كان يواجهه أعني المملوك حيناً ومعه خدمه وحاشيته، وحيناً وهو وحده، فتواطأ صلاح هو وعدة من وجوه من معه بأنهم إذا دخل سنقر هذا، ترسَّم عليه جماعة عيَّنهم في منظرة قد عيَّنها لهم، ففشا سرهم، وعلم سنقر بذلك، فطلع كعادته مصبحاً للإمام عليه السلام، فكان أول كلمة قالها: أنت أيها الخادم الفلاني، أنت وفلان وفلان ناوون تمسكوني، وتترسمون عليّ هذا جزائي لفعلي إليكم المعروف أنتم ومولانا يعني الإمام! ثم أشار إلى خدمه أن اقتلوهم قبل [أن] يقتلوكم، فقتلوا أولئك الثلاثة الذين أوصاهم الإمام بالترسم على سنقر، فلما قتلوا رموا برؤوسهم إلى الميدان، ونصَّروا لسنقر، وأسروا الإمام، بقي ملزوماً مدة حتى احتالت الشريفة فاطمة بنت حسن، وهي زوجته في فكاكه من اللزم، ثم انتقلت هي وهو إلى صعدة، وبعد ذلك(3/3)
قرب سنقر الإمام مطهر من المغارب، وفي عرض ذلك همَّ سنقر [أيضاً بلزم الناصر]، فخرج [من صنعاء] مختفياً بين سبع نسوة حرائر وإماء، حتى دخل هران فانضاف إليه بقية عبيد علي بن صلاح أنفوا من خدمة سنقر وهو مملوك مثلهم، فاستقوى الناصر بهم، فهم سنقر الأمر واجتمع هو والمطهر وبنيا على نزول اليمن، فظفر بهم الناصر في قريس، فلزم مطهراً كما تقدم، وسنقر قيل: إنه خنق وانقطعت دولته ودولة أولاده، وكان له ولد اسمه زيد، وولد اسمه إبراهيم بن قاسم سنقر.(3/4)
وأما الإمام صلاح فلما وصل صعدة واختلف إليها مراراً معارضاً للمطهر، وفي بعض تلك المرات تقدم قبله المطهر إلى صعدة فحطَّ عند بير حوجل ومعه [عشرة] أشراف من بني حمزة مشاهير، وقع مع الشريفة وأهل [صعدة] الشجن منهم على صعدة، فسار صلاح بجيشه من صنعاء ليلاً ونهاراً [مغيراً على صعدة]، وبلغ ذلك الإمام المطهر ومن معه فتلقوا لصلاح من حوالي درب الحناجر يريدون مصادمته، واثقين بقدرتهم عليه وأن عسكره لا يطيقون مقاومتهم، فجاء الإمام صلاح وعسكره من طريق جبل بني عوير وبلاد المهاذر، لأنه بلغهم أن بلاد العبديين مملؤة سيلاً لا يحسنون المرور بخيلهم وجمالهم فيها، وفي الباطن أنهم أحبوا عدم المصادمة لخصومهم، فلما دخلوا صعدة علم الإمام المطهر أن قد رتَّبوها، فعطف هو ومن معه راجعين اليمن، فتقرر صلاح في المدينة، وجمع منها أموالاً جمة، وعاقب جماعة من أهل صعدة، وأخذ أموالاً قد كان أوصى بها [بعض] آل زيدان لمسجد الذهب، ومسجد زيدان، يقال: إن فيها من الحرير والحاصل جملة مال، وكان يأمر بحبس من امتنع من العقوبة، حتى قيل له: إن المنصورة قد امتلأت بالمحبّسين.
فقال: احبسوهم في الحصون.
فقيل له: والحصون قد امتلأت.(3/5)