مؤيداً من كبار المعجزات بما.... له الأكابر ممن كابروا صغروا
نبي مرحمة أقنت وملحمة.... أفنت ومعجزة لم تفنها العصرُ
ذكر لو الثقلان إظاهرا ليقو.... لا مثله ما على مثل له قدروا
إمام كتب إمام في الكتائب أمـ.... ـي الكتابة فيه حارت الفكرُ
أحيا مواتاً وأحياء أمات له.... من سارعن أمره طوعاً له الشجرُ
والشمس إذ غربت عادت بدعوته.... وانشق لمَّا تحدّوه به القمرُ
وأشبع الجيش ما نالت أمينته.... يمناه منه أساروا وهو ما يسرُ
والماء من بين ميمون الأصابع إذ.... مس الضما حين شقَّ الماء ينفجرُ
والعين زيدت ضياء بعد أن برزت.... فردها فجلاها وحدها الحورُ
أعمى بنفثته في الحرب إذ بصروا.... كما بها عاد يوماً للعمى البصرُ
على البراق رقى السبع الطباق بليـ.... ـل ضم فيه له عير العدى السحرُ
وثمَّ وافى أخلاء الوفاء وأخـ.... ـوان الصفاء وبأن وافاهم حبُر
وكلم الله واستعفى لأمته.... من التكاليف ما كانوا به أصروا
بالذكر في كفه الحصباء قد نطقت.... وسبحت إن هذا فيه مدكرُ
والعجم قد ناطقته والفصيح له.... بفضله مسَّه في المنطق العكرُ
والجذع حن له والجن دان له.... منهم وكلمه مسترشداً نفرُ
والأرض ضمت له والماء سيق له.... واللحم نم بما فيه له يذرُ
والقطف زف له واللحم جاء له.... شيّاً وما مسه جمر ولا سعرُ(2/396)
ويوم هجرته ناموا وهم حرس.... له ومروا بباب الغار ما شعروا
وكان ما فيه يدعو وفق دعوته.... وصح ما عنه أنبا وهو مستترُ
وكان مولاه مما خاف يكلؤه.... فلم ينله من الأعداء ما مكروا
مثل الجهول أبي جهل غداة غدا.... عليه خامره في ليه الخورُ
وأنزل الملك الأعلى ملائكة.... مداً لهم فهم بالنصر قد ظفروا
وطاب في طيبة السكنى به ونفى.... عنها التخبث والأوبآ والقذرُ
وطاب ما بين جنبيها وأذهب عن.... صدور أوسهم والخزرج الوحرُ
وكم له من كرامات ومن كرم.... من رام حصر علاه ليس يقتدرُ
فضائل المصطفى قاست فواضله.... في أن هاتا وهاتا ليس تنحصرُ
فواضل إذ توالت لا ولي ولا.... وسمي فما أن أقاسها المطرُ
كم كفه وكفاً كفت وكم وكفت.... جوداً به قد أفاد الوجد مفتقرُ
بلا سؤال وإن تسأل أراك حياً.... للسائلين فيعطي وهو يعتذرُ
ماقال: لاقط إلا في مُقرَّته.... لولاه قيل على لا ليس يقتدرُ
عاد المريض وما قال القريض ومن.... فرط الحياء غضيض طرفه خفرُ
لم ينتصف من مسيء واستعد لانـ.... ـصاف وحاشاه لم يذهب به الشررُ
لم ينفرد عن أكيل حيث كان ولم.... يظلم أكيلاً ولا المأكول يحتقرُ
يجيب ولو لكراع من دعاه وما.... بالعرض عن أن يجيبوا إن دعا عذرُ
لخادم لم يقل لو كان يفعله.... ولم يكن كهر منه ولا نهرُ
ومان أهلاً ونعلاً كان يخصف والـ.... ـجليس ينصفه من خلقه زهرُ(2/397)
كم أطفأ الله من نار لغير هدى.... بنار حرب لظاها فيه تستعرُ
وكم ظلام ضلال كم جلا بسناء.... صوارم بشباها يقصر العمر
بيضاً بليل صدام ما دجاه سوى.... عجاج نقع على الأبطال ينعكرُ
بالله ملتزم في الله مغترم.... لله منتقم في الله مغتفرُ
أمضت مواضيه فيمن قد مضى وصبا.... معْ أنه بالصبا والرعب منتصرُ
في فتية لم تفتهم قط منقبة.... لهم بادراك أسنى المجد معتبرُ
إن طالبوا بلغوا أو طولبوا امتنعوا.... أو غالبوا غلبوا أو قوهروا قهروا
أوعوطفوا رحموا أوخوشنوا صدموا.... أو حوكموا حكموا أو كوسروا كسروا
هينون لينون ألاَّفون قد ألفوا.... لا يوصفون ببغي إن هم انتصروا
شوس عوابس عند البأس لا و.... بهم إذا مست البأساء بل صبرُ
أسد ولكن أسد الغاب ما أسرت.... أشباهها وهم كم بيهس أسروا
كالحاسرين بداراً إن هم ادرعوا.... كالدارعين اصطباراً إن هم احتسروا
كأن خيلهم إذ عودت ألفت.... ركض العداء فهي لا بالركض تبتدرُ
كأن أرماحهم إن ثقفت علمت.... لها الخواصر واللبات والثغرُ
كأن كل عذاري مرهف لهم.... مغرا تشق به الهامات والغررُ
من العرانين ممن هاجروا نفروا.... عن المنازل والأوطان قد نفروا
ثم الألى أحسنوا إيوائه وله.... عن المنازل والأوطان ما حجروا
نزيلهم أنزلوه في علا غرف.... لكن منازل من قد نازلوا حفرُ(2/398)
باعوا النفوس من الرحمن وهي له.... فأربح الله مسعاهم وما خسروا
يرون في طوع وضاح الجبين أجل.... المرسلين يسيراً ما هو العَسِرُ
هم خير أمة مبعوث بذا مدحوا.... من ذي الجلال فهم إذ ذاك قد فخروا
قل في نبيهم ما شئت غير مقا.... ل في ابن مريم فيه قومه كفروا
وكل ما قلت في مدح ابن آمنة.... فغير مين وفيه البسط مختصرُ
سمى عليه سلام الله أمته.... باسم آمنه فلها في ذاك مفتخرُ
فأمة المصطفى إذ ذاك آمنة.... أن ليس يشملها زيغ ولا ضررُ
فخص بالصلوات الطيبات من.... الباري وإخوانه والآل والأسُرُ
مكرر غير منفك تواصلهم.... مهما تكررت الأصال والبكرُ
يارب إني فيما قد أحطت به.... بهم توجهت إذ جاهي به قصرُ
حاشاك لا كان ذنبي كفؤ جاههم.... وفوق ذا عفوك المعروف ينتظرُ
[يارب لي ولكل المسلمين معاً.... فإن جودك جم ليس ينحصرُ]
ومن توسل فيما رام من وطر.... بهم إليك لك الحمد انقضى الوطرُ
هذه الوسيلة أنشأها وهو محبوس في حصن الربعة كما تقدم(2/399)
وقد كان في خلال حبسه أخذ يعلم ولداً لوالي الحصن القرآن العظيم، فعلمه إياه في مدة يسيرة، ففرح بذلك الولد، وقال له –عليه السلام-: ما جزاؤك يا مولانا مني إلا أن أخرجك، واحتال الولد في فكِّ حلقة من قيده وبقيت [الحلقة الأخرى] في رجله الأخرى، وعصبا بقية حلق القيد، بخرق لئلا يسمع لها وحي، وحمله على ظهره طول ليلته، فأصبحا وقد جاوزا بلاد الدولة، ودخلا طرف بلاد [بني] الجبر، فانتبه أهل الحصن، وتصايحوا، وخرجوا يقصون بالأثر إلى أن وافوهما أول النهار، وقد دخلا طرف بلاد الغز، فتصايح أهل تلك البلاد واجتمعوا ومنعوا الإمام وصاحبه الذي أخرجه، فرجع أهل الحصن، ومن غار معهم خائبين، ونجا الإمام عليه السلام لبركة هذه الوسيلة وهي مجربة الفضيلة، ولم يزل يجاهد من تلك المدة محتسباً صابراً إلى أن ملك ذمار كما تقدم، واستوطنها، وبنى بها مسجداً عظيماً مشهوراً بالبركة، فلما مات في شهر صفر من سنة تسع وسبعين إلى رحمة الله [تعالى]، قبر بجنب مسجده هذا، فعلى هذا تكون مدة خلافته قدر ثمان وثلاثين سنة.(2/400)