[الكلام في قريس وهو موضع بجهران وذكر المتوكل على الله المطهر بن محمد بن سليمان ]
فصل: أما قريس فهو موضع بجهران، ينبغي أن نذكر جملة مما اتفق فيه؛ وذلك أن حي الإمام المتوكل [على الله] المطهر بن محمد بن سليمان بن محمد بن سليمان بن يحيى بن الحسين بن حمزة بن علي بن محمد بن حمزة، وحمزة هذا [هو] جد بني حمزة كافة ابن الحسن وهو: النفس الزكية [بن] عبد الرحمن بن يحيى بن عبد الله أخي الهادي يحيى بن الحسين بن القاسم، لما دعا المتوكل عقيب موت علي بن صلاح، وتعارض هو وصلاح بن علي بن محمد بن أبي القاسم، وعارضهما الناصر، وهو أصغر منهما سناً، وأقل علماً، لكنه أقبلت له الأيام فلزم المطهر في قريس وقد كان نازلاً إلى سلطان اليمن هو وقاسم الملقب سنقر وهو عبد لحي علي بن صلاح، تملك صنعاء بعد سيده، فكان يُدخل صلاحاً مرة، ومطهراً مرة، والناصر مرة حتى آل [به] الأمر [إلى] أن أسره الناصر، ثم مكَّنه من خنقه، وأما الإمام المطهر فأمر به [الناصر] إلى حصن يسمى الربعة، فأنشأ هناك وسيلة أولها:
ماذا أقول وما آتي وما أذرُ.... في مدح من ضمنت مدحاً له السورُ(2/381)


وستأتي، فلما أتمها، وبلغت إلى صنعاء، قال رجل وزير للناصر، واسمه محمد بن إبراهيم الساودي : انظروا فإنكم تجدون الرجل قد خرج من الحصن ببركة هذا الشعر، فوجدوا الكلام كما قاله، وما زالت الأحوال تتقلب به منذ خرج من الربعة مرة يتقوى، وأخرى يضعف، وحيناً وجيَّش على صنعاء، وحيناً وفتر، ودخل صعدة مراراً على صفة التبع لفاطمة بنت الحسن، ومرة مع الأشراف بني حمزة لما ملكوها كما سيأتي، وفي خلال ذلك تزوج الشريفة بدرة بنت محمد بن علي بن صلاح، وقد كان تزوجها الناصر، وجاءت له ببنت، فلما غاب الناصر بصنعاء ونواحيها لاتساع ملكه هناك، وصعدة ونواحيها بيد الشريفة فاطمة، وابنتها معها، وقع النظر من بعض أعيان من حضر من الشيعة بصعدة في فسخ نكاح الناصر، وتخلية سبيل زوجته المذكورة؛ تتزوج من شاءت، وأكَّد ذلك بقول بعض الحاضرين: إن الهادي يحيى بن الحسين وغيره من العلماء يشترطون عدالة شهود النكاح، وإن شاهدي نكاح هذه الشريفة كانا فلاناً وفلاناً، وهما مجروحا العدالة، فتلفق من هذه الأمور أن أقدم المطهر على فسخ ذلك النكاح، ثم لما انقضت عدتها عقد بها وتزوجها، فجاءت له بولده عبد الله، وجاء لعبد الله أولاد ذكور وإناث، وللإمام هذا أولاد على غير هذه الشريفة بدرة، ولهم أولاد، وملك كوكبان والعروش وغيرهما، وكان للأشراف بني حمزة إليه ميل، وسلموا له المنصورة؛ لأنه أعانهم على نقم الثأر من أهل سفل الجوف الذين قتلوا الهادي بن الحسين، وقد كان متولياً لصعدة، فسلمها الأمير محمد بن الحسين للإمام، هي وحصن الفائق بالعشة، ثم استردهما الأمير في تلك(2/382)


السنة بعد أن عاد الإمام إلى كوكبان، وكان الفقيه المعافى بن عمرو والياً في السودة، وكان من جملة أعوان الإمام، ولهما سيرة كبيرة، ومغازي إلى تهامة وغيرها، وملك الإمام كحلان الشرف، وغيره من حصون المغارب، ثم ملك مدينة ذمار من جهة بني طاهر أعطوه إياها، وقد [كان] أخذوها على الناصر بعد أن لزم الناصر في عرقب كما سيأتي، وسلمه أهل عرقب إلى يد الإمام المطهر، فحبسه [الإمام] معه في كوكبان، وضيَّق عليه، وعلى مقدمه، وعبده المسمى عبية، فماتا محبوسين، وكان ثالثهما عبد الله بن محمد بن مداعس من أهل صعدة، فأما هو فخلص من الحبس بفداء جليل صار من أهله إلى الإمام، وعلى أن الأشراف يخرجون السيد يحيى بن صلاح من اللزم، وكانوا قد لزموه في حال وصوله بهم إلى صعدة، وأمه الشريفة بدرة زوجة الإمام المطهر، فضمن بنو مداعس على الأشراف بخروجه، فدفعوا للأشراف أيضاً أموالاً [جليلة] وأخرجوه، وبقيت ذمار بيد الإمام وولده عبد الله من سنة خمس وسبعين، ومات في صفر من سنة تسع وسبعين، فخلفه ولده المذكور بها، ثم تغيَّر ما بينه - أعني عبد الله - وما بين أهل ذمار لأمور كانت تنسب إليه، ثم تغيَّر ما بينه وبين بني طاهر أيضاً، فأخرجه بنو طاهر منها بعد محاط كثيرة في كرار متعددة، ووقع في خلالها إخراب دائر ذمار، وعمارته غير مرة، فلما أزالوه منها، وأخذوا عليه من دروعه وآلة مملكته أشياء كثيرة، فخرج بأهله إلى صنعاء، فلم يمنعه صاحب صنعاء، وهو: محمد بن الناصر الحلال بها، ولا واخذه بما فعله [أبوه مع أبيه]، فعجب الناس من صفح صاحب صنعاء عنه، وعدَّوا ذلك من(2/383)


مناقبه، فتكون دولة المطهر وولده على ذمار قدر سبع عشرة سنة، وقد كان المطهر من أعيان أئمة الزيدية علماً، وفصاحةً، وكثرة أتباع، شيعة نحارير، وسادة أكابر، من وجوههم [السيد] الصدر، العلامة: الهادي بن المؤيد بن علي بن المؤيد، فإنه تابعه، وشايعه، وجاهد معه وتوجه على راية في عسكر جرَّار غازياً لطرف تهامة، وهناك قبائل طغام، واستولى هو وعسكره على جل مواشيهم إبلاً وبقراً وشاءً، فلما تحققوا ذلك تقدموا قبلهم، فأمسكوا لهم مضيقاً استردوا مالهم، وقتلوا السيد الهادي المذكور في عصابة معه من أعيان المجاهدين، فضاق المسلمون لهذه الكائنة فأنشأ الإمام عليه السلام هذه الترثية، وفيها مضمون ما جرى من بني عبس من استشهاد من ذكر فيها، وهي:
على الأحبة إن لم تبك أجفاني.... فما أقل الوفا مني وأجفاني
وكيف لا وفؤادي بعد فرقتهم.... قد صار خلف صبابات وأحزانِ
فقدت إذ فقد الإسلام بهجته.... لفقدهم طيب لذاتي وسلواني
من هم وقد عرفوا منهم وما جهلوا.... هم الورى فالورى لما فنوا فاني
والدين منهم والدنيا لقد نقصا.... كما بهم قد نقصنا أي نقصانِ
فيا عيوني بأعيان الدموع سخي.... ولاتشحي بها من بعد أعياني
بعد الذي عرفت في الدهر نشأته.... وفي التقى فهما للمرء صنوانِ
رضيع أخلاف أنواع العلوم ومحـ.... ـييها وناشرها حقاً بإتقانِ
الهادي الهادي وابن الإمام ومن.... كان المرام إذا يوماً عنى عاني
مدارس العلم أما بعده درست.... وساب كم دفتر فيها وديوانِ
وقال: أين الذي قد كنت آلفه.... أين الذي كان هجيراه بنيانِ
ومؤمل المعتفي والمكتفي وكفى.... عنا كأن لم يكن بالأمس يلقاني(2/384)


وطالبون الهدى أكدت مطالبهم.... من بعد هاديهم من ذا له ثاني
كذا سميا رسول الله قد ثويا.... أبنا سمي علي والأميرانِ
كذا صلاح الذي ما زال مبتدراً.... في الصالحات مضى مصحوب عفرانِ
والحيدريان كسَّابا جميل ثناء.... والقاسميون كسَّاع لأقرانِ
تخرمتهم سيوف المبطلين كما.... تخرمت قبلهم سادات عدنانِ
المصطفى سُمَّ والطيار سيط دماً.... وحمزة بقرته أم سفيانِ
كذا علي وسبطاه اللذان هما.... لأحمد المصطفى المختار سبطانِ
وكربلاء كم دم قد طُلَّ فيه من.... الآل الكرام بصبيان وفتيانِ
كجعفر وكعباس ومثلهم.... محمد في أبي بكر وعثمانِ
وابناء علي وعبد الله ثم مساميه.... الذي وضعه والقتل في آنِ
سبط الحسين الذي رقى السما دمه.... والندب ممن هما نعم الصليانِ
ومن بني حسن كم من فتى حسن الأ.... فعال وارٍ زناد هادم باني
كقاسم ثم عبد الله ثم أبي.... بكر الذي فتك الأعداء بعدوانِ
ومن بني جعفر منهم محمدهم.... وعون أبنا جواد خير معوانِ
وجعفر بن عقيل ثم نافلة.... له ومسلمهم وأبناء عيدانِ
كذا بصنعاء استحلوا ذبحهم قثماً.... وصنوه فهما نعم الشهيدانِ
كذا الإمامان زيد وابنه صلبا.... من بعد قتل بأيدي آل مروانِ
والكامل انتابه وانتاب عترته.... يومان من آل عباس عبوسانِ
يوماً بيثرب والثاني بساحة بـ.... ـاخمرى ثوى فيهما ابناه الإمامانِ
محمد ثم إبراهيم بعد جيوش.... كم بها من بني المختار من عاني
ثم الحسين وعبد الله مع حسن.... أودُوا بفخَّ جميعاً مع سليمانِ
كذاك يحيى بن عبد الله أخرجه.... شهادة زورت من أرض جستانِ
فسمه وكذا في الغرب سُمَّ أخاه.... إدريس هارون ذو البغي الغوي الجاني(2/385)

157 / 205
ع
En
A+
A-