وإن أباكم حيدر بعده الذي.... حماه وقد قامت إلى هدمه العدا
فلا تهدموا بنيان جدكم وقد.... تحسى أبوكم دونه جرع الردا
فشر فتى في العالمين فتى أتى.... وقد أصلحت كفا أبيه فأفسدا
ومن ذلك أبياتاً قالها جواباً على حي الفقيه أحمد الشامي، وقد عوَّل على الإمام في عارية كتاب (البحر الزخَّار)، وابتدأه الشامي بهذه الأبيات:
يا من غدا للهدى كالروح في البدن.... لا تسترد كتاباً أنت عنه غني
فإن في بحرك الزخَّار ما جمعوا.... في الشرق والغرب والشامات واليمنِ
زدني كميعاد موسى أستفيد به.... بحق سبطيك شمس الدين والحسنِ
فأجابه الإمام المهدي -قدَّس الله روحه في الجنة-، بقوله -عليه السلام-:
نفيس در غلا عن أنفس الثمن.... لو أنه ملك داود وذي يزنِ
أفاضه بحر من حجر المعارف ربـ.... ـاه بأغذية القرآن والسننِ
محيي إياس وسحبان وأحنف والنعـ.... ـمان والفضل والبصري والقرني
واهاً لمن كان هذا حاله ويرى.... أن يستعير كتاباً وهو عنه غني
لكن أهلاً وسهلاً أنت في سعة.... خذ ما التمست من الإمهال في زمنِ
لولاه وقف لمحصور سمحت به.... عطية وهي عندي أيسر المننِ
ولحي السيد العلامة الهادي بن إبراهيم شعر قاله أيام حبس الإمام المهدي [-عليه السلام-] يستعطف فيه [له] علي بن صلاح، ويحثه [فيه] على إطلاقه من القيد، فمنه:
فقلت له: فداك أبي وأمي.... تلطف بالقرابة والرحامة
فإن السيد المهدي منكم.... بمنزلة تحق له الفخامة
ألم يكُ جدك المهدي خالاً.... له وكفى بذلك في الرحامة
فخذ من قومه الطرفين تحكي.... إذا جئت الغضا ولك السلامة
نصيحة وامق خدن شفيق.... محب ليس يحتاج القسامة(2/366)
فإني والحديث له شجون.... وليس يليق في الدين الحشامة
أخاف إذا استمر القيد فيه.... تجيء مقيداً يوم القيامة
فيسألك الإله بأي جرم.... تقيده وتحبسه ظلامة
ففك القيد عنه كي قر قر يصلي.... بأركان يريد بها الإقامة
وأغلق دونه باباً عظيماً.... وكله إلى الحفاظة والرسامة
ولا تسمع إلى من قال فيه.... بترك القيد واطَّرح الملامة
انتهى الموجود من هذه القصيدة، ثم يقع العود إلى ذكر موته-عليه السلام-: وموضع قبره: أما موته فإنه توفي بالطاعون الكبير الذي مات منه أكثر الأعيان في شهر صفر من سنة أربعين وثمانمائة سنة، عقيب موت علي بن صلاح بدون شهر، كان ذلك في حجة من مغارب صنعاء، ومشهده في حجة مشهور مزور، معروف بالفضل الكثير والصيت الشهير، ويوم توفي -عليه السلام-، وله ولدان، أحدهما: الحسن وهو مصنِّف سيرته -عليه السلام- فمات ولا عقب له، وكان من الفضلاء الأعيان، أهل العلم الكثير والإتقان.
والثاني من أولاد المهدي اسمه: شمس الدين، وهو من عباد الله الصالحين والأخيار المفلحين، جُمعَ هذا الشرح وهو باقٍ، وله أولاد فضلاء، وسكناهم في حجة حول مشهد الإمام المهدي -عليه السلام-، فكان ولايته من يوم دعا إلى أن مات فوق أربعين سنة؛ لأن دعوته عقيب موت الناصر، وقد ذكرت وقت ووقت موت المهدي، فاحسبه(2/367)
[أخبار الإمام الهادي علي بن المؤيد(ع) ](2/368)
[ذكر طرف من أحوال السيد الحسن بن الإمام علي بن المؤيد]
فائدة: وإذ قد انتهى [بنا] الكلام إلى ذكر [السيد ] الحسن بن الإمام، ووالد الإمام فلنذكر طرفاً من أحواله؛ لأنه من أعيان العترة الكرام، وخليق بأن يذكر في هذا المقام.
فأقول: اعلم أن هذا السيد -رحمه الله تعالى - كان في عصره من أعيان السادة، والواسطة من القلادة، والمقصودين بالوفادة، والمعروفين من مكارم الأخلاق بالحسنى وزيادة، كان من البقية المنظور إليهم بعد وفاة أبيه، وحائز قصب الرئاسة فيهم، وهو الذي أتمَّ أساس أبيه للمشهد المقدس.
ولد في شهر صفر من سنة أربع وثمانين فيكون ولد، وأبوه حي خليفة في مدته نيفاً وثلاثين سنة، ومات بين الصلاتين من يوم الخميس رابع وعشرين من شهر محرم سنة إحدى وتسعين وثمانمائة سنة، ويكون قد عاش في مدة خلافة ابنه قريباً من اثنتي عشرة سنة، وكان في مدة حياته متأهلاً في مكانهم لنفع العام والخاص، والداني والقاص، وأقام مدرسة القرآن الكريم، ومدرسة لطالب العلم الشريف والتعليم، وكانت تجبى إليه زكوات كثيرة من الجهات في زمانه، فيصرفها في مستحقها إلى أن دعا ولده، وألقى الأمر إليه في ذلك برمته، وكفاه وشفاه، وقرر بناه، وأحمد مسعاه، وأنشد لسان حاله:
رقدتُ وطاب النوم لي وكفيتني.... وكل فتى يُكْفَى الأمور ينامُ
و[قد] كان السيد -رحمه الله - قد اشتهر بالكرم المفرط، حتى كان يفد عليه كثير من البلغاء، والشعراء، والأدباء، من النواحي والأقطار، وقيلت فيه الأشعار، وكانت فيه مكارم أخلاق جمة.(2/369)
قال الإمام عز الدين فيما نقلته من خطه: ما رأيت في زماني [من هو] أصدق لهجة منه، وأكثر مجانبة للكذب، حتى في مخاطبات زوجاته، وصغار أولاده، قال: ولا رأيت أقل فحشاً وتفاحشاً، ولا أحلم وأصبر وأوقر، ولا أبر منه بأهله، ولا أشفق وأرفق، وأكثر تغاضياً واحتمالاً، ولا رأيت أحسن منه طهارة وصلاة، وأعدل في ذلك، وله تهجد، وذكر، واستكثار من الصلاة، وحرص على تعهد المسجد والعبادة فيه مع كبر سنه وضعف بدنه وذهاب بصره.(2/370)