أينكر ضوء الشمس من هو مبصر.... وقد لا ترى أنوارها الأعين الرمدُ
ووبخت إدريس المتوَّج ذا العلا.... بقولك: قوم لا يذَّم لهم عهدُ
كأنك قلت العهد منكم مضيع.... بإهمالكم لكن سرك لا يبدو
وقلت أمير المؤمنين له اغتدت.... فضائل لا تحصى ولا هي تعتَّدُ
وذا منك إقرار وعلم بأنه.... إمام فَلِمْ عن دينه الحق ترتدُّ
أتزعم أن السر في قائم لكم.... هو الغاية القصوى التي ما لها حدُ
يجيء على ظهر البراق وكفه.... به ذو الفقارالعضب فارقه الغمدُ
ممداً إلى داعيه مستدركاً له.... فيهزم هذا الجيش والنقع مسوُّد
فأنتم إليه أعظم الناس حاجة.... وإن لم يَجِ قلتم لنا: حازه البعدُ
وأخبرتنا عن شامخ متمنعِ.... صدقت ولكن خصمكم أسدجلدُ
أتسمونه حصن السمؤل قبل أن.... يحيط به من كل ناحية جند
تخال بحاراً من حديد وإنما.... مراكبها الخيل المسومة الجردُ
وتنسون هذا الاسم من هولٍ عسكر.... حمته خيول فوق أظهرها الأسدُ
وهب أنه كالأبلق الفرد منعة.... وفيه كنوز ليس يحصى لها عدُّ
وزيدت لكم من ملك مصر وبابل.... جواهر أهدتها إليكم سمرقندُ
وألقت إليكم كورة الصين ماحوت.... من الجوهر الشفاف والهند والسندُ
أترجون إن طال الحصار وعطلت.... مخازينكم تغنيكم الحجر الصلدُ
كلوا ذهباً مما جمعتم وفضة.... وإلا حجاراً حينما الجوع يشتدُّ
فما عسكر المنصور عنكم بزايل.... بقدرة معبود يحق له الحمدُ
ولو وقفوا حوليه عشرين حجة.... وكادت بهم تلك المواقف تنهدُ(2/351)
ألم ترهم يبنون دوراً كما بنوا.... فخاراً ولكن كل أفعالهم مجدُ
فقد صار هذا الحصن قبضا بكفه.... لسرٍ به قد خصه الملك الفردُ
وفي زحل والمشتري آية له.... على النصر حيث النحس قارنه السعدُ
فأنتم وإن أعطيتموه حصونكم.... فليس له من قبض (ذي مرمر) بدُ
ففي رأسه كل الحصون وما حوت.... من الملك فافهمه فقد نجز الوعدُ
فموتوا لهذا الأمر غيظاً وحسرةً.... على أن أمر الله ليس له ردَُّ
ولما ملك عامر بن عبد الوهاب حصن ذي مرمر في شهر رمضان من سنة اثنتي عشرة وتسعمائة سنة، تدبرت هذا الشعر بعد مضي قدر ثلاث سنين، فخطر ببالي أن أنشئ على وزنه أبياتاً، أومي فيها إلى نوع من موجبات الاعتبار، وعدم الاغترار بهذه الدار، فقلت:
يقول الزحيفي الذي جده الفند.... وأشعاره من دونها الشهد والقند
مؤلف هذا الشرح رجوى دخوله.... بزمرة أهل البيت هذا هو القصدُ
ليفتكر الإنسان في الدول التي.... تأتت لها الدنيا وساعدها السعدُ
وقيلت بها الأشعارفخراً فمثبت.... ونافٍ فكل عند مذهبه يحدو
كفى واعظاً ما أنشدوا في (ذمرمر).... وما علموا من ذا سيملكه بعدُ
تسلطن فيه منذ تسعين حجة.... تزيد قليلاً إن تمادى بنا العدُ
بنو الأنف أجلاهم وشتت ملكهم.... من العترة المنصور من لا له ندُّ
فخلفه إرثاً لأبناء بنته.... كما لم يعش من بعض ذكرانه فردُ
فزحزحهم منه المسمى بعامر.... وقادهم أسراً وما مسهم حدُّ
ومزقهم في الأرض كل ممزق.... ذليلين مقهورين ما لهم جهدُ
وصارت به للشافعية صولة.... لهيبتها يستسلم البرق والرعدُ
فقد حازه إذ قد عرفت مذاهب.... ثلاثة أصناف أبانهم العدُّ(2/352)
وذا أصله صنعاء فمن حاز ملكها.... فليس له من ملك ما حولها بدُّ
فيا ليت شعري من سيخلف بعدهم.... تعالى الذي يدري بما يجهل العبدُ
وسبحانه من مالك متصرف.... فليس لما يقضي بسلطانه ردُّ
يُولّي ويُنفي من يشاء بحكمه.... ويقصي ويدني من يشاء فله الحمدُ
وما ارتاح في الدنيا قلباً وقالباً.... سوى من تغشته القناعة والزهدُ
وما اغتم في الدارين إلا متوج.... تطيف حواليه العساكر والجندُ
فذلك أغنى الناس في الناس دائماً.... وهذا فقير لا يقرُّ ولا يهدُ
فيا رب وفقنا لإصلاح شأننا.... وجَّمل علينا يا مهيمن يا فردُ
فما هذه الدنيا بدار إقامةٍ.... وما الشأن إلا جنة الخلد والخلدُ
وكيف لنا بالخلد إن لم يكن لنا.... سوابق عند الله عرض ولا نقدُ
أندان أم نعتان أم ينبري لنا.... شفيع كنصل السيف أبرزه الغمدُ
محمد المأمول فيه رجاؤنا.... ومن جاهه يُسْتوهْبُ العفوُ والرفدُ
وسيلتي التوحيد والعدل عنده.... وإني لأهل البيت كلهم عبدُّ
فكيف تذوق النار جسماً غذاؤه.... لعترته الإنصاف والحب والودُّ
عليهم سلام الله ما كتبت يدي.... مناقبهم أو بان لي فيهم الرشدُّ(2/353)
[أخبار الإمام المهدي أحمد بن يحيى المرتضى -عليه السلام-]
فصل: وأما أحمد المذكور فهو: الإمام المهدي [لدين الله] أحمد بن يحيى بن المرتضى بن مفضل بن منصور بن المفضل الكبير بن الحجاج بن علي بن يحيى بن القاسم بن يوسف الداعي بن يحيى [المنصور] بن أحمد بن يحيى الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين، نسب يحكي النجوم المشرقة، والرياض العبقة، ولله القائل:
نسبة لم تزدك معرفة.... وإنما لذة ذكرناها
لله منها أسامياً عظمت.... وطاب للذاكرين معناها(2/354)
ذكر مولده ونشؤه، وطرف من أحواله وسيرته، وتصانيفه، وبيعته، [ومدته]، ووفاته، وموضع قبره على وجه الاختصار.
أما مولده -عليه السلام-: فكان في سنة أربع وستين وسبعمائة، وأما نشؤه فذكر مصنف سيرته وهو ولده، فقال: إنه لما ختم القرآن العظيم أدخله أبوه هو وصنوه الهادي في علم العربية، فلبث في قراءة النحو والتصريف والمعاني والبيان قدر سبع سنين، وانتهى في هذه العلوم الثلاثة إلى غاية بالغة لم ينته إليها غيره من أبناء زمانه، [و] عرف فيها بالتحقيق، والتدقيق، والتدريس، وابتدأ يصنف كتاب (الكوكب الزاهر في شرح مقدمة طاهر) قبل أن ينتهي سنه إلى عشرين سنة، فجمع فيه نحواً كثيراً، وعلماً غزيراً، ثم أخذ في علم الكلام ابتدأه على حي أخيه الهادي، وأتمه على حي القاضي العلامة أبي محمد يحيى بن محمد المذحجي وكان من البارعين في هذا الفن، فسمع عليه (الخلاصة)، ونقل (الغياصة) غيباً، ثم (شرح الأصول)، وألقى عليه (الغرر والحجول) الذي صنفه الفقيه قاسم بن حميد، فأتقن حفظهما حتى انتهى إلى أن اختصرهما وجمع معانيهما في كراسين ونصف بالقطع الصغير ليسهل عليه نقله، ثم انتقل إلى علم اللطيف، فقرأ (تذكرة ابن متويه) على القاضي المذكور شرفاً، وما خرج حتى أتقن ذلك إتقاناً عجيباً، وشرع في اختصار التذكرة، فعاقه عن التمام عائق، ثم قرأ (المحيط) على الفقيه المذكور، فلما تم ذلك انتقل إلى أصول الفقه، فسمع (الجوهرة) على الفقيه المذكور، وحققها تحقيقاً عجيباً، ثم اختصرها في منظومة سماها (فائقة الفصول)، وذلك بعد أن أخذ في قراءة (المعتمد في أصول الفقه) لأبي الحسين البصري، فتمت جامعة لأصول الفقه والخلاف فيه مع صغر حجمها وبلاغة نظمها، ثم انتقل إلى كتاب(2/355)