فصل فيه ذكر مولده ووفاته –عليه السلام- وموضع قبره
[مولده في شهر صفر سنة تسع وثلاثين وسبعمائة، ودعا في ظفار سنة ثلاث وسبعين وسبعمائة، وتوفي في القعدة سنة ثلاث وتسعين وسبعمائة] ودفن بمسجده [المسمى] القبة بصنعاء، وأمه الشريفة دهماء بنت إدريس من ذرية المختار، من أولاد الهادي [–عليه السلام-].
وأما ما ملك من البلاد فإنه ملك من المدن ذمار وصعدة، ثم افتتح صنعاء في سنة أربع وثمانين وسبعمائة، وكانت لبعض الأشراف آل يحيى بن حمزة، وقهر أهل بلاد اليمن الأقصى، وغاداهم وراوحهم بالمغازي، فوصل زبيد، وعدن، والمهجم وحرض.(2/336)
[ذكر بني رسول]
ولهذا قال السيد صارم الدين: عجَّ الرسولي منها في ممالكه.. البيت، والمراد بالرسولي هنا هو: إسماعيل الأشرف بن الأفضل العباس بن المجاهد بن الملك المؤيد داود بن المظفر يوسف بن الملك المنصور عمر بن علي بن رسول محمد بن هارون، يقال: إنهم من التركمان، وأما هم فيدعون أنهم من ذرية جبلة بن الأيهم، من ملوك حمير وغسان، ولم تزل دولتهم في اليمن حتى انقرضت بدولة بني عامر في سنة خمسين وثماني مائة [سنه] آخرهم الملك المسعود مات مشرَّداً في بلاد الحبشة أو غيرها، وكان ابتداء تملكهم لليمن في دولة الملك المسعود يوسف بن الملك الكامل من بني أيوب ملوك مصر، وقد ملك اليمن في صفر من سنة أربع وعشرين وسبعمائة، فعاد إلى مصر في ربيع الأول من هذه السنة، واستخلفهم (في اليمن، فملكوها) من ذلك الوقت، وسمي أبوهم رسولاً؛ لأنه كان أميناً في دولة بني أيوب في الديار المصرية، يختلف في حوائجهم في تلك البلاد، وكان الإمام صلاح، قد دوَّخ بلادهم وأخربها، وحمل من أبواب زبيد وغيرها إلى بلاد الزيدية أشياء كثيرة، حتى روى لي بعض الأصحاب: أن مقدمة من القرآن فاخرة غنمها فقيه من أهل يسنم، وأنها باقية بأيدي ورثته عندهم إلى تأريخ كتابة هذه الأسطر، وكذلك ذكر لي بعضهم: أن الشباك الحديد الذي فوق بيت من بيوت مسجد الهادي، وهو مركب فيه إلى جهة المطراق شامياً من بعض بيوت قرى زبيد، وذكر لي هذا الراوي: من شدة تقوي هذا الإمام وقهره للخاص من الجبرية والعام، ما لو وضع في كتاب كبير لجاء مصنَّفاً مستقلاً فضلاً عمَّا ملكه من بلاد الزيدية، وشاد معالمه(2/337)
من مذهب الفرقة العدلية، فجزاه الله عن حياطة مذهب آبائه الجزاء الأوفى، فلقد قام بما اشترطوه من صلاح البلاد والعباد ووفى، وما زال على ذلك في أكثر مدة والده وبعدها حتى اختار الله له قرب جواره، بعد أن بلغه من كل شيء خير أوطاره، فقبضه إلى رحمته فقيداً [فعاد] حميداً سعيداً شهيداً، شرع به المرض في بعض غزواته إلى بلاد حجة، فكاد أن يصح من ذلك، ثم عاوده، فتوفي في صنعاء، فكتم أهله موته، واتخذ له تابوت، وجصص عليه بقي فيه قدر شهرين، كما سيأتي في سيرة الإمام المهدي أحمد بن يحيى، وكتب خواصه إلى صعدة إلى القاضي عبد الله بن حسن الدواري كتاباً لطيفاً أبهموا فيه العبارة، بأن قالوا: وبعد.. فقد، وكيف، و ما، ويا، فلما وصله الكتاب خرج إلى صنعاء في جماعة من الأعيان شُرَفاً وعرَباً فكان ممن وصل من صعدة ترجيح نصب ولد الإمام، [وهو] علي بن صلاح كما سيأتي، والذي ظهر لي وبلغني أنه –عليه السلام- خلَّف من الذرية ذكرين:
أحدهما: علي بن صلاح، تولى بعده فلما مات علي سنة أربعين كما سيأتي، خلفه ولده محمد بن علي قدر أربعين يوماً، فتوفي.(2/338)
والولد الثاني للإمام صلاح اسمه: الحسن أظنه ما خلَّف ذكراً، لكنه خلَّف الشريفة فاطمة بنت الحسن، وكانت من الشرائف الكاملات، ملكت أولاً صنعاء و أعمالها، فما استقام لها أمر هناك، فنقلت إلى ظفار، فملكته مدة، وكذلك صعدة وحصونها، وقامت مقام أبلغ رجل من الملوك، نظمت أمر صعدة، ونجران، والظاهر، وتزَّوجها الإمام صلاح بن علي بن أبي القاسم، رزق منها ولداً ذكراً كما سيأتي، ثم أزالها من صعدة ونواحيها حي الناصر بن محمد، ونقلها إلى صنعاء، فماتت فيها، وقبرها هناك، وانقطع أولاد [الإمام] صلاح بن الإمام المهدي علي بن محمد من الذكور والإناث بموتها، ثم بموت ابنتها، وهي بدرة بنت محمد بن علي بن صلاح [كما سيأتي] فهما ماتا في مدة متقاربة، ولم يبق فيما اعلمه إلا من بقي من أولاد بنات البنات، مثل ورثة بعض أولاد الناصر، وورثة بعض أولاد الإمام المطهر بن محمد بن سليمان، وورثة السيد يحيى بن صلاح، {فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ }[يس: 83].(2/339)
[ذكر الأئمة الثلاثة الذين تعارضوا في عصر واحد]
وكان بعد صلاحٍ من حوادثها.... بحر اختلاف عظيم هائل خطرِ
قام الإمام علي بعد والده.... وأحمد بعدُ والهادي على الأثرِ
وذاد عن مذهب الهادي أبو حسن.... وسعي أحمد فيه سعي معتبرِ
هذا إمام جهاد لا امتراء به.... وذا إمام اجتهاد ثاقب النظرِ
[وابن المؤيد نور يستضاء به.... ومنهل للندى أندى من المطرِ]
وكلهم سادة غر غطارفة.... بيض بهاليل فرَّاجون للعكرِ
والله يصفح عن من قد أتى زللاً.... فلن ترَ في البرايا غير مفتقرِ
وكل عبد إلى مولاه مفتقر.... عند الفريقين أهل العدل والقدرِ(2/340)