والأمهات، فقد ثبت الظلم، ولا تعريج على العبارات، وكيف يعاقب الطفل بمعاصي أبيه، ولا يثيب الأب بطاعات بنيه؟ وإذا كانت الشفاعة للفجرة والفساق فما معنى: {أَفَأَنْتَ تُنقِذُ مَنْ فِي النَّارِ }[الزمر: 19] وإذا لم يكن بين الطائع والعاصي فرقا، فما معنى آخر سورة الفرقان؟ وإذا كان الفاسق بالمؤمنين لاحقاً، فما معنى: {أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كَانَ فَاسِقاً }[السجدة: 18]؟ وإذا جاز أن يخلف الله في الوعيد، ففسروا : {مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ}[ق: 29] وإذا لم يكن هذا القرآن هو كلام الله، وجب أن يكون كلام منكم سواه، ولو كان موجوداً في الأزل كما زعمتم، لما كان مرتباً في الوجود كما علمتم، ولو ثبت معنى لقولهم في نفسي كلام، لثبت أيضاً لقولهم في نفسي القيام، فإذا ثبت أنه فيما لم يزل كلاماً، فما الذي يوجه به {وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَاماً } [هود: 17]؟ وما معنى [قوله] {فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللَّهِ }[التوبة: 6]؟ ما الذي كان يسمعه المطيعون والعاصون؟ وأخبرونا [يا ذوي البصائر والفكر] ما معنى ((كان الله ولاشيء ثم خلق الذكر))؟ وما معنى آيتي الشعراء والأنبياء ؟ فأنتم تزعمون أنكم في علم التفسير أمراء إكشفوا عن معنى ذلك وحقائقه، وإلا فكلوه إلى خالقه،إذا كانت الإمامة بالعقد والاختيار، فكيف أوقعتم الاختيار على غير المختار؟ أوكانت عندكم بالإجماع، فأي أئمتكم لم يقع فيه نزاع؟ أو كانت بالسابقة في الإسلام والفضل، فنحن في ذلك أهل العقد والحل،(2/331)
وإذا كانت بالنص من الله والنبي فإلينا يتوجه جليه والخفي، ثم إن من عجائبكم المضحكة النادرة وفضائحكم السيئة الظاهرة، أنكم تنفون ما عدا البرهان والخطاب، ومشائخكم ضعفوا عن البيان، وتسقطون الاستدلال بالاستقراء، [وكل دليل لكم بالعموم معرّى] وتعيبون علينا قياس التمثيل، وتعتمدون على السفسطة والتخييل، تتبعون الموجودات والوهميات، وتسمونها مسلمات أوليات، وتقسمون علم العقل إلى أولي، ومشهور زعمتم ليس بالجلي، مقالات أخذتموها عن أرسطاطاليس، وعقائد شيخكم فيها إبليس، [لتهجمنَّ] بكم طرق الغواية على النار، وسيعلم الكافر لمن عقبى الدار.
وقال الفقيه يحيى بن حسن المذكور [-رحمه الله تعالى-] يهنئ الإمام صلاح بقدومه إلى صعدة [ويمدحه]، ويهنئ أهل صعدة بذلك :
بقطعه يعرف الصمصامة الذكر.... وبالضيا والتسامي فُضِّل القمرُ
وبالبسالة حاز الليث مرتبة.... على النعاج وفاق الثعلبَ النمرُ
والناس يفرق عند الخطب بينهم.... وإن تشابهت الأشكال والصورُ
تراهم العين طف الصاع كلهم.... وإنما يعرف العالي إذا اختبروا
كالألف واحدهم إن نابه خطر.... ودونه الفهم إن ما نابه خطرُ
بالعزم يستوفي الأوتار طالبها.... وباطراح الهوينا يدرك الوطرُ
لا ينثني العز إلا بالسيوف كما.... لا يستقيم بغير الأرجل السررُ
لولا حسامك يا ابن الشم من مضر.... ما كان في عين دين المصطفى نظرُ
بيَّنت منهاجه للسالكين به.... من بعد ما كان لا عين ولا أثرُ
أطاعك الدهر في الأعداء فحل بهم.... من جندك القاطعان السيف والغيرُ(2/332)
وسقت من مال عمداً بالسيوف كما.... تساق بالسوط نحو الردهة الحمرُ
ودست هامات أهل البغي فانصرعوا.... قتلى ومأواهم من بعد ذا سقرُ
أنهلت حد السيوف المرهفات دماً.... من أنفس غرها من بأسك الغررُ
نعم كذا يدرك الأوتار طالبها.... ويدرك الثأر من فيه له وطرُ
لا عز إلا لمن كانت مضاربه.... لحادث الدهر لا تبقي ولا تذرُ
من جندك الرعب إن حاولت كائنة.... يا ابن الرسول ومن عليائك الظفرُ
قضى لك السعد والأيام شاهدة.... فصار يجري على ما تشتهي القدرُ
شققت بالعزم قلب الدهر من فزع.... فينتهي حين تنهاه ويأتمرُ
جاوزت شأو المعالي غير مكترث.... وأكثر الناس عن آياته قصروا
وقمت لله تبني الدين محتسباً.... حتى استقام ونار الحرب تستعرُ
سللت عزماً كسيف الهند منصلتاً.... لا يستقيم له عود ولاحجرُ
فانحطَّ للحق من في أنفه شمم.... وخَّر للوجه من في خده صعرُ
وانقاد خوفاً ملوك الأرض عن طرف.... ودان كرهاً لك البدوان والحضرُ
نشرت في الأرض ثوب العدل وابتهجت.... وزال بعد العنا عن جفنها السهرُ
فكل دار على الدنيا نزلت بها.... فللعلى حولها حجُّ ومعتمرُ
قد سالمت نوب الأيام جانبنا.... لما قدمت وجاء الدهر يعتذرُ
أهلاً إمام الهدى والعدل لا برحت.... لنا بمقدمك الخيرات تنتشرُ
أنارت الأرض واخضرت لو طأتكم.... كأنك الغيث فوق الأرض ينهمرُ(2/333)
يا أهل صعدة بشراكم بمنيتكم.... هذا الذي كان في الأزمان ينتظرُ
هذا ابن فاطمة هذا ابن حيدرة.... هذا الفؤاد وهذا السمع والبصرُ
هذا الإمام الذي فزتم بطاعته.... هذا الثمال وهذا الكهف والدررُ
قد جاء ممتطياً ظهر العلا سحراً.... في صورة البدر إلا أنه بشرُ
أغر أبلج مثل الشمس طلعته.... مقابل الأصل ما في عوده خورُ
إمام حق زكي من بنى حسن.... جاءت بمدحته الآيات والسورُ
بالله معتصم بالله منتقم.... لله مصطبر بالله منتصرُ
في تاجه قمر في لفظه درر.... في سيفه ظفر في كفه مطرُ
وشامخ من بني الزهراء ممتنع.... تأوي إليه المعالي وهي تفتخرُ
وبحر علم إذا ما الحجة انعقدت.... وليث صدم إذا ما ابتلت العذرُ
يجل أن تبلغ الأوصاف منه مدى.... وتحتوي شرح مأثوراته الزبرُ
يا حجة الله في الدنيا ونعمته.... ومن به وبحول الله ننتصرُ
جَّرد من الحق سيفاً يستضاء به.... واضرب به فرؤوس البغي قدكثروا
كدأب أهل اللجام إصنع بغيرهم.... منك الشفار ومن أعدائك البقرُ
أنزل بأهل الخنا ما كنت تنذرهم.... وقع السيوف فلم تنفعهم النذرُ
في هذه الأرض من خولان طائفة.... قد طال في الدين من تلقائها الضررُ
وقد جروا في طريق البغي جهدهم.... ولو نظرت إليهم نظرة عثروا
لا يستقم بغير السيف أمرهم.... كالعير ليس بغير العود يزدجرُ
هم خالفوك إلى غير الهدى بطراً.... فلقهم غب ما يأتي به البطرُ(2/334)
باعوا جميل الوفا بالغدر فاجزهم.... فالمكر بالمكر عند الله مغتفرُ
هم يحسبون بناء الخطم يمنعهم.... هيهات لا ينجين من بأسك الحذرُ
قد جاءهم خبر عن يوم إخوتهم.... لكنه ليس مثل المخبر الخبرُ
فاسطر من الحق والمعروف ما طمسوا.... واطمس من الباطل المذكور ماسطروا
ذكرهم زمن الهادي وصولته.... في زجره الغي والإلحاد يدَّكروا
صيرهم مثلاً يجري الزمان به.... فيه لأهل النهى ذكرى ومعتبرُ
يا طالما طلبوا للدين غائلة.... وحاولوا وضع عاليه فما قدروا
فاصنع لهم من ثبات العزم واقعة.... تطوي من الظلم والعدوان ما نشروا
واعطف بسطوة ليث ليس يعطفه.... عن صيده الناس إن قلوا وإن كثروا
ودم لهذا الورى كهفاً ومعتصماً.... ما هبت الريح أو ما أورق الشجرُ(2/335)