لا وزر يعصمكم من النكال، ولا مخرج لكم من دائرة الوبال، صرح الشموس ناجزاَّ مناجز، فليس لكم والله من بأسنا حاجز، [لندخلن إن شاء الله عليكم الباب]، ولنضربنَّ حول بيوتكم القباب، وليعلمن المترف عند إرغامنا لأنفه أنه كالباحث عن حتفه بظلفه، فلقد غرتكم الأماني والطمع، كما تجشى لقمان من غير شبع، وجاء بكم من جرف الهلاك يسير، كالحادي وليس له بعير، معتمداً على الأموال والفيلة، [عاد بقرمله] غازياً لنا، وأول الغزو أخرق، ومستهيناً بنا، والمستهين بعدوه أحمق، فلئن جاءنا وهو ينغض مدروبه لقد قهقر عنا ترنف روانف أليته، وكان كما قال أهل الأدب في مثله: أفلت و أنحصَّ الذنب، أيها المغتر بالأحلام، لا تغتر، كذا كل مجر في الفلاة يسر، ما خفي عنك، إن الشمس في السماء لكن ترد غداة غب عند أمر من ظمأ، أتحَّكم علينا هوسك برد داود، وستحجل كما حجل في القيود، و تتوقى الذم وأنت كاسبه وصاحبه، وكيف تتوقى ظهر ما أنت راكبه، وتطير بنا في انقلاب الزمان وأنت بذلك على نفسك جان، يداك أوكتا وفوك نفخ، ومركبك في بحر الخذلان رسخ، وقل من يقف عند منزلته ورتبته، كما أبى العبد أن ينام حتى يحتلم بربته، قد سبقكم إلى الحسد لنا معاوية، وخلفه في كل عصر [لنا فيه] باغية، فانخرطتم في سلك النواصب والفجار، فأنتم لنا في الحسد سواسية كأسنان الحمار، ما يضر الشمس طنين الذباب، ولا ينجس عباب البحر بول الكلاب، نحن أقطاب الحق وعلينا يدور لولبه، وإلينا ينتمي المجد وبنا يشرف كوكبه، ونحن أهل السبق في كل فضل وكمال، ولكل مكرمة في الأنام إلينا مآل، قد جعلنا الله لشخص(2/326)
الفخار قمة، واختارنا للقيام بأمر هذه الأمة، وخصَّنا من المفاخر بالحظ الأسنى، وجعل لنا [من] الشرف لفظاً ومعنى فمبغضنا بالنَّص منافق، والمناوئ لنا على الدين مارق، ليس لأحد صلاة إلا بذكرنا، ولا ورود على الحوض إلا بإذننا، قد جعلنا الله باباً لحطة فمن لم يدخله فإنما أهمل قسطه، لن يضل من تمسَّك بنا أبداً، ولن يجد الغريق عن سفينتنا ملتحدا، أذهب الله عنَّا الرجس وطهَرنا تطهيراً، وجعل منَّا سراجاً وقمراً منيراً، فبنا يميز الهدى من الضلال، وفينا يهلك الغالي والقالي، وبنا هدوا إلى الطيب من القول وهدوا إلى صراط الحميد: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَرِيدٍ}[الحج: 3] فرقتنا بحمد الله الفرقة الناجية، وعصابتنا العصابة الهادية، وعلماؤنا عدول كل سلف، وأئمتنا الخلفاء في كل خلف، يتصل إسناد مذهبنا بجبريل، ويشهد بصحة عقيدتنا محكم التنزيل، وأنتم [كالغنم] تتبعون كل ناعق، وتهرعون بين يدي كل سائق، تأخذون دينكم في دين الله عن أفواه الرجال، مذبذبين بين يمين وشمال، إنكار المنكر فيكم منكر، والمعروف بين أظهركم لا يذكر، جاهلكم لأمانته خائن، وعالمكم في دين الله مداهن، وأعلى مراتبكم الرقص والتصفيق، وأمثلكم طريقة في بحر الغواية غريق، وإمامكم فيما نسمع مثلوم الجناب، قد آذن من كل خير بذهاب، يصر وأنتم تعلمون على ارتكاب المحرم: {وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ} [البقرة : 206]، وله في مذاهب(2/327)
الحماقة فنون، [وفيه من حب السفاهة جنون]، وسيعلم متبعوه ذل مقامهم يوم يدعو كل أناس بإمامهم، هذا ولكم في كل بدعة في الدين أمير ممن {يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلاَ هُدًى وَلاَ كِتَابٍ مُنِيرٍ}[الحج:8] قد سلكتم في كل ضلالة منهجا، اتباعاً لقوم يصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجاً، لا يصيح بهم إلى الغي صائح إلا استمعوه، (({وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ } [سبأ:20]،{إِنَّهُمْ أَلْفَوْا آبَاءَهُمْ ضَالِّينَ، فَهُمْ عَلَى آثَارِهِمْ يُهْرَعُونَ} [الصافات: 69،70]، قلدتم ابن أبي بشر دينكم المدخول، وتركتم سفن النجاة وسلالة الرسول، وتسميتم بأهل السنة والجماعة من الوقاحة وكثرة الخلاعة، وتمسكتم في مخالفتكم بالقرآن، وقد علمتم أنه لا يفارقهم حتى يردوا الجنان، فكيف تمسَّكون [بكتاب الله؟ !] يا أيها الجهال، ومذهبكم يقتضي أن يكذب في المقال، ألستم تجوزون القبيح على الله، فما دليلكم على نبوة أنبياء؟ أليس مذهبكم التجويز والجبر، فاخبرونا ما معنى النهي والأمر، ألستم تدفعون قضايا العقول فأين تذهبون [عنه] عند تعارض المنقول؟ أليس دليل السمع هو المقدم فيما تميزون بين المتشابه والمحكم؟ أليس قد أجبر على فعله العاصي والطائع؟ ! فما الثمر في إرسال الرسل بالشرائع؟ أليس قد فعل الضلالة والاهتداء؟ ! فما معنى قوله: {إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى }[الليل:12]؟ ! أليس عبادة الأوثان عندكم قضى بها الله؟ ! فما معنى قوله:{وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ }[الإسراء: 23] أليس لا(2/328)
تصح من فاعل القبائح؟ ! فما الفائدة في الصلاة ونحوها من المصالح؟ ! أيحسن دعاء المقعد إلى الطيران؟ ! أو تكليف الأعمى ينقط القرآن؟ ! أليس لا قدرة على الطاعة إذا لم تكن معها [إستطاعة]؟ ! فما معنى قوله:{لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا }[البقرة: 286] أليس الشرك بالله من القضا؟ ! فَلِم لا يجب عليكم الرضا ((فكل ميسر لما خلق له ))، تتمسكون؟! ففسروا: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ }[الذاريات: 56] وأظهروا الفرق بين الصور والألوان، وبين الكفر والإيمان، إذا كان ذلك [كله] فعل الرحمن، ولا فعل فيه لإنسان، وهل الكسب شيء فعلتموه، أو فعل فيكم، والأول عكس ما قلتموه، [والتالي] لايجديكم وزعمتم أن الله يصد عبيده عن فعل الجميل، {ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ}[الأحزاب: 4] وقلتم: يجوز أن يغوي عن الرشد عبده :{وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ }[الزمر: 60] فقد حكى الله عن موافقيكم في المعنى : {سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا }[الأنعام: 148] ثم بيَّن بطلان قولكم وقولهم، فقال: {كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ }[الأنعام: 148] ألستم تلهجون بالقدر في كل قضية؟! فلم لا تكونون أنتم القدرية؟! وكيف يكون الاسم للنفي لا للإثبات؟ يا أرباب الغواية والهنات؟! ألستم تقدرون في مخالفة الشيطان، فأنتم شهود الزور و خصماء الرحمن، ألستم تذمون(2/329)
على مالا تطيقه النفوس ؟ فذلك مذهب إخوانكم المجوس، لقد ثلثت النصارى و ثنيتم، وأجملت المانوية وبينتم فيما تبطلون القديم الثاني، إذ قلتم بقدم المعاني، ولم استغنت صفة الوجود عن المعنى، ولم يشاركها سائر الصفات في الاستغناء؟! وإذا أدرك تعالى [عن ذلك] بإدراك الأشعرية، وسادسه ضرار، فما معنى قوله:{ لاَ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ }[الأنعام: 103]، ولم يجوز عليه الصعود والانحدار، وقولكم إن ذلك غير معقول ليس بمسموع منكم ولا مقبول، ولو جاز أن يرى رؤية غير معقولة، لجاز أن يشتهي شهوة مجهولة، وذهبتم [إلى] أن الله لكل شيء مريد، فبمَ تفرقون بين الأمر والتهديد؟ ! وإذا أراد قبائح العباد التي فعلوها، فما معنى {كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهاً}[الإسراء: 38]؟ ! وإذا أراد عدوان المعتدين وظلم الظالمين فما معنى : {وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعالَمِينَ }[آل عمران: 108]؟ ! وإذا أراد منكم البغي والعناد، فما معنى [قوله] : {وَاللَّهُ لاَ يُحِبُّ الْفَسَادَ }[البقرة: 205]؟ ! ولم لا يكون مطيعاً من فعل ما أراده المطاع، ويستوي في الذم والمدح من عصا وأطاع؟ وإذا جاز أن لا يثيب على الأعمال، فمن أين توجه التكليف على كل حال؟ وإذا كنتم على جواز التعذيب من غير ذنب شهداء، فما معنى قوله: {وَلاَ يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً }[الكهف: 49]؟ ! وإذا كان تعذيب من لا ذنب له غير ظلامة، فما معنى: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ }[الأنبياء: 47]؟! وإذا أجاز أن نأخذ الأطفال بذنوب آباءهم(2/330)