قال الراوي لذلك: فأما الإمام صلاح [فإنه فعل] الجواب عليهم عساكر، وجحافل، وكتائب، وقبائل، وصوارم، وذوابل، وأكذب قول ذلك الشاعر، وما وصف به سلطانه، ووطي بلادهم سهلها وجبلها، ولم تغن عنهم أتراكهم والأكراد، ولا العساكر والأجناد، وصدق أقوال الشيعة في أشعارهم، وصارت كلمتهم العليا، وكلمة الجبرية وأنصارهم هي السفلى، وكان من جملة من جوَّب شعراً ونثراً حي الفقيه الصدر العلامة لسان المتكلمين، وشحاك الملحدين: يحيى بن حسن القرشي الصعدي بلداً، صاحب (منهاج القرشي) في أصول الدين، و(العقد) في أصول الفقه، وهما مصنفان معتبران معتمدان عند الزيدية، فأنشأ يقول:
أتت تهدي إلى البدر الملاما.... وتستدعي من البحر الخصاما
مثلمة الجوانب حط فيها.... جنون كان في ظني مناما
تدل على وضاعة مبتديها.... وتكشف عن حماقته اللثاما
وتحمل نحونا منه خطاباً.... يقول لسان قاريه سلاما
مناثرة الفضول كتبت فيها.... خيالاً مثل قلبك لا يضاما
تمنى المستحيل بها ضلالا.... وتكذب لاحياء ولا إحتشاما
وما نفع الكلام لقائليه.... إذا لم يتبع الفعل الكلاما
متى سار الثرى نحو الثريا.... [متى قد سامت الخف السناما]
متى أتت الرياح إلى ثبير.... فنالت منه أو هزت شماما
متى أبصرت كلباً أو حماراً.... أخاف بصوته البدر التماما
متى أشبهت يا ابن جهات طي.... بفسقك أو حماقتك الإماما
ومن أين اعتراك الجهل حتى.... حسبت الباز يهتاب الحماما
تفاخر خير أهل الأرض طراً.... وأشرفهم وأعلاهم مقاما
وتنهض كي تساعيه جنوناً.... يجل وحقه من أن يساما(2/321)


هو البدر المنير بلا محاق.... إذا ما كنت يا غمر الظلاما
هو الملك المحكم في البرايا.... إذا ما كنت للأهواء غلاما
هو الجبل المنيع بنا أماناً.... لمن يهوى بذروته اعتصاما
هو الحتف المتاح على الأعادي.... فلن يجدوا لما صدع التئاما
هو المعطي إذا الأنواء ضنت.... كأن ببطن راحته الغماما
فتى فاق الورى شرفاً وفضلاً.... وسادهم وما بلغ الفطاما
له فضل تقرُّ به الأعادي.... وودُّ لا يرون به انكتاما
له شرف أناف على المعالي.... فقُمَّتها لنعليه تساما
له كفُّ يقسم في البرايا.... كما خلقت عطاء وانتقاما
فيا ابن التركمان بأي فضل.... تحوز الفضل خلفاً أو أماما
ويا ترب الفسالة والمخازي.... متى أمسكت للعليا زماما
تطاولني وباعك في المعالي.... قصير ما بلغت به مراما
[أنا تاج العلا إن كان رأساً.... ومضربه إذا أضحى حساما]
أنا وجه المفاخر حين تبدو.... أنا ساق الهدى حين استقاما
أنا السيف المهند قد علمتم.... إذا طلع الضلال إليَّ هاما
أنا بدر الظلام إذا تعامى.... أنا بحر العلوم إذا تطاما
أنا زوج الرئاسة سقت مهراً.... وسيرك نحوها كان احتلاما
أنا بالمجد والعلياء فخري.... إذا ما كان مفخرك الحطاما
أنا الداعي إلى الحق احتساباً.... يراني الله للتقوى إماما
فإن أحببت تشبه عبد عبدي.... فسر نحو العلى سبعين عاما
لقد أمعنت في الأحلام حتى.... إذا استيقظت أمعنت انهزاما
جهلت حفيظتي فسعيت نحوي.... كما جهل الطَّلا الليث الهماما
وما للشمس في العميان ذنب.... إذا ما أبصروا الدنيا ظلاما
بفيك الترب كيف طمعت فينا.... ويأبى مجدنا من أن يساما
ونحن الضاربون الهام شقا.... وموج الموت يلتطم التطاما
ونحن السابقون إذا نجارى.... ونحن الفائتون إذا نراما(2/322)


ونحن بنو النبي إذا انتسبنا.... فمن أنتم نظنكم نيامى
ونحن ملوك بيت الله حقا.... بنينا الركن منه والمقاما
ونحن ولاة حوض الحشر نسقي.... موالينا ونمنعه الطغاما
ونحن سفينة فإذا غرقتم.... فلن تجدوا سوى السفن التزاما
وفينا الوحي والخلفاء فينا.... فما في غيرنا تجد الكراما
بنا الغالون والقالون هلكى.... وكنَّا بين ذالكم قواما
ورثنا المجد من حسن المثنى.... فهل عجب إذا فقنا الأناما
لقد وجبت مودتنا عليكم.... فلم ترعوا لواجبها احتراما
وجاءت هل أتى تثني علينا.... ثناءً كنتم عنه نياما
أبانت فضلنا وجحدتموه.... كأنَّ لكم على الحق احتكاما
وفي يوم الغدير لنا ولاء.... على كل الورى ساما وحاما
ومبغضنا المنافق والمرائي.... بهذا النص في الآثار قاما
بنينا مجدنا بالرغم منكم.... وقمنا دونه من أن يضاما
وكنَّا فوق رأس المجد تاجا.... وكنَّا في محياه ابتساما
وكنَّا خير من ركب المطايا.... وكنَّا خير من صلى وصاما
ألم تعطوا الخراج لنا قديماً.... ألم تستوهبوا منا الذماما
ألم نوسعكم أسراً ومناً.... فلا تخفوا أيادينا الجساما
ألم نشبع وحوش الأرض منكم.... وأكلبها ألم نرو الحساما
وقلت نرجي الزكوات منكم.... وما قولاً صدقت ولا كلاما
عن الزكوات نزهنا فكانت.... على حتى موالينا حراما
وبالتشيع تنبزنا انتقاصاً.... ولم يُعلم لهذا الاسم ذاما
به سبعون ألفاً ما عليهم.... حساب يوم ما يولي الحماما
وتفخر إن أتيت الحقل يوماً.... فقد قهقرت لم تسطع مقاما
أتى نحو السما الشيطان سراً.... فأبصر شهبها فيه تراما(2/323)


فأدبر والفؤاد له وجيف.... ألا يا لهف نفسي لو أقاما
أتتكم من بني الزهراء أسود.... فكنتم بين أيديهم نعاما
مضيتم ليس يلوي ذو احتساب.... ولا يرعى لصاحبه ذماما
لبستم في ظلام الليل درعاً.... مخافة بأسنا لستم كراما
نجوتم من مخالبنا ليوم.... ترون أخفة الموت الزؤاما
تهيوا للَّقاءِ ولا تحيدوا.... فإن لنا بلقياكم غراما
ستصبحكم بها شعث النواصي.... معودة فوارسها الصداما
فنطوي الأرض طياً كيف شئنا.... تهامتكم وتنأمها السناما
فكم من وقعة دارت عليكم.... تركنا المحصنات بها أياما
[وكنتم بين أيديها ظهوراً.... وكنا نحن خلفكم سهاما]
كيوم فشال أيتمنا بنيكم.... وقسَّمنا الخزائن والخياما
ويوم تعرقد صلنا عليكم.... وصلنا وسط حوزتكم قياما
ويوم زبيد خيمنا عليها.... وأقعدنا معاقلها القياما
وأخربنا المساكن حين كنَّا.... بدار الكفر لا نهوى المقاما
دعوا هذا التجلد واستعدوا.... نراكم عن مقاصدنا نياما
سننقض عهد مُلْكِكُم قريباً.... وننثر بالضبا ذاك النظاما
ولن تجدوا لما انحل انعقاداً.... ولن تجدوا لما انتثر انتظاما
وخذها تحمل الأعذار منَّا.... إليكم لا التحية والسلاما(2/324)


مخبرة تطرق أرض الجبر والتشبيه، منحدرة من سماء العدل والتنزيه، تهادى إلى عدينة كالعروس، وتنزل على أهل الضلالة بالبؤس، قامعة لهم لا يملكون دفعها، وواقعة عليهم لا يستطيعون رفعها، كيف رأيتم صنع الله يا معشر الأحزاب يوم أمعنتم الهرب من إرياب، هل جعل الله كيدكم في تضليل! وردكم مشتملين على غير الجميل! وهل أراكم الأسد في الأغيال، تستكفي بالزئير في طرد البغال! [للغنم] بأوباش حطبت بليل، وفراش جمعت من غثاء السيل، ونزلتم تسحبون ذيول الخزي والعار،:{ قُلْ أَفَأُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكُمُ النَّارُ } [الحج: 72]، غرَّكم عن سموم ا لهواجر نسيم الباكر، ومكرتم والله خير ماكر، وخرجتم من بيوتكم بطراً ورئاء الناس، وتحزبتم لطمس الدين ورفع منار الظالمين الأرجاس، {وَلَنْ تُغْنِيَ عَنكُمْ فِئَتُكُمْ شيئاً وَلَوْ كَثُرَتْ } [الأنفال: 19]، {وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ} وبذلتم أموالكم للذين يخوضون ويلعبون، وستنفقونها ثم تكون عليكم حسرة ثم تغلبون حسدتمونا الشرف، والحسد شر خيم، وبغيتم علينا والبغي مرتعه وخيم، لا جرم [إذا] اقتطعتم دون بلوغ الأمل، وشر ما رام امرؤ ما لم ينل، قد رجعتم لظهر المخازي الأملس، وفررتم والفرار بقراب أكيس، ذهبتم بين سمع الأرض وبصرها، لا تدرون ما تطأون من حجرها ومدرها، فيا لها من أحدوثة بالخزي والعار ملوثة!! ألبستكم من الذل أي لباس، ووسمتكم بسمة تعرفون بها في الناس، فلئن أفلتم بجريعات الأذقان، لقد بلغت بأفئدتكم الخفقان، ولأن أنجاكم من هذه جواد الركض، فما أنتم بمعجزين في الأرض، كلا(2/325)

145 / 205
ع
En
A+
A-