يحركه بعتمة أو أصاب.... تبلغه أمانيكم سهاما
وكيف يطيق أم من ذاك يقوى.... يمس بكفه منَّا حطاما
وفي أقطارها ملك كريم.... حماها أن تنال وأن تراما
على الأقصى يحامي بالمواضي.... ومن قد رام عنه لا يحاما
وقلت الشافعيين اقتطعهم.... وأوسعهم ذماماً واحتراما
أبى الرحمن إلا أن ترانا.... لأهل السنة البيضا سناما
نوالي من أردناه بخير.... وفينا الله قد وهب الإماما
وفضل الشافعي يذبُّ عنَّا.... ويمنع أن نهان وأن نضاما
وأرضك قلت قد شرّدت عنها.... ودمع العين ينسجم انسجاما
وأنك ترتجي بهم انتصاراً.... لقد أيقظت أمواتاً رماما
فقال مطهر لما أتاه.... جواب بالكلام جرى كلاما
وما عنّا لنصرك صاهلاتٍ.... وعن مضمون شرحك قد تعاما
جهلت فكان نفخك في رمادٍ.... غروت به ولم تنفخ ضراما
ألم تر أن في ثعبات ملكا.... لبيع الشافعية قد أقاما
رسولي له في الملك أصل.... أصيلٌ لا ينال ولا يساما
حمى الدنيا وأهلك معتديها.... وأمَّن أرضها يمناً وشاما
فنحن بملكه في خير عزٍ.... نود له على الدنيا الدواما
أتيناه فأولانا جميلاً.... وإحساناً وإنعاماً تواما
وهبنا من مواهبه مئيناً.... وأغنينا الأرامل واليتاما
ومن مدح الملوك ينال عزاً.... ويلقى الذل من مدح الإماما
وما كالأفضل العباس تلقى.... مليكاً لا وراء ولا أماما
فمن والاه لا يخشى افتقاراً.... ومن عاداه قد لاقى الحماما
وكل متوج وعزيز قوم.... يودُّ بأن يكون له غلاما
تراهم حول ساحته وقوفاً.... يرومون السلامة والذماما
فقل لي للإمام الطهر قولاً.... تكون وراءه الصعب الحساما(2/316)


عدمنا خيلنا إن لم تروها.... على أبواب صعد تكم قياما
عليها الترك لابسةً دلاصاً.... تعانق في الهياج ولا تراما
تسير أمام ملك شافعي.... تقود الخيل والجيش اللهاما
ينقط بالرماح السمر صدراً.... ويشكل بالمواضي البيض هاما
تخيّركم إذا حامت عليكم.... أطاعته أم الموت الزّؤاما
وكل جدوده لكم استباحوا.... فسوف يكون في هذا لزاما

قالوا : فجوَّب عليه في هذه القصيدة فوق سبعين شاعراً، سيأتي بعضها في ترجمة الإمام صلاح بن علي -عليه السلام-.
وكانت وفاة الإمام علي -عليه السلام- في شهر ربيع الأول من سنة ثلاث وسبعين وسبعمائة، مات وقد لحقه نقص في عقله و تمييزه من وجع أصابه في رأسه، وكان موته بذمار، فنقله ولده إلى صعدة بوصاية من أبيه؛ لأن أهل صعدة أحبوه محبةً مفرطة، فعوّلوا عليه أن لا يخرج من بين أظهرهم، فقال [لهم] : أنا منكم حياً وميتاً، فامتثل ولده بهذه الإشارة وفعل عليها، ودفن في قبته المشهورة بمشهد جده الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين - عليهم السلام -.(2/317)


[أخبار الإمام الناصر لدين الله صلاح بن علي ـ عليه السلام ـ]
وكان حظ صلاح من إمارتها.... عجالة الراكب الماضي إلى السفرِ
لكنها غرّة في الدهر شادخة.... بيضاء واضحة التحجيل والغررِ
عجَّ الرَّسولي منها في ممالكه.... عجيج حاملة وقراً على دبرِ
هو: الإمام الناصر لدين الله أمير المؤمنين صلاح بن أمير المؤمنين علي بن محمد المقدم ذكره قريباً، دعا في ظفار آخر أيام أبيه لما تغيَّر حاله كما تقدم، فلما دعا [أدى من أمر الذب عن الدين] ما افترضه عليه رب العالمين في كتابه المبين، فلذلك أجمع على إمامته أهل القبض والبسط، والحل والربط، من علماء البسيطة، وفضلاء الأقطار المحيطة، و عطَّروا بمدحه المحاضر، وطرَّزوا أوراق الدفاتر، وأجمعوا على أنه لم يسمع بمثله، ولا سمح الدهر [أبداً] بشكله، [ولم يعلم من] أحد من أهل البصائر الثاقبة، والنفوس التقية المراقبة، إلا من دخل في زمرة أتباعه، وانقاد له مضرباً عن نزاعه، لمعرفتهم لما نشر الله به مما قد كان طوته الأيام، من ألوية العدل في الأنام، وما أحيا به الله من ميت الإسلام، وأشاد به ما اندرس من الأحكام، حيث جعله آية صغرت في جنبها الآيات، ونعمة قصرت عن مدحها الغايات، ومد به الدهر باعه المنزوي، ونصر الله به الضعيف على القوي، وحسم بصارمه جيش الغوي، وجمع في ذاته وصفاته مفترقات الفضائل، ونسخ [به] من محاسنه ومحامده ما هو أبهى من الطراز في الغلائل.(2/318)


فصل: في ابتداء طلبه للعلم
وما يلي ذلك من المعاونة لأبيه في حال سيادته.
اعلم أنه –عليه السلام- كان له في أيام الصبا وقار ذوي الأسنان العالية، وسكينة أرباب الحلوم الزاكية، كان دأبه منذ دبَّ اقتباس العلم والأدب، يكتسب كل يوم فضلاً، ويزداد كل وقت نبلاً، ويعلو في كل شهر درجات في الفضل عَلِيَّة، ويسمو في كل عام ذروات في المجد علوية، تباشير الإمامة من جبينه لائحة، ومثاقيل الزعامة في ميزان اختباره راجحة، يشير إليه كل بنان، ويفصح بمدحه كل إنسان، فلما ترعرع وبرع وعلا المنبر العالي وفرع، وبرزت أقلامه في ميدان البراعة، فأكهمت فيه قواضب البراعة، ونطقت رسائله فاسكتت مساليق البيان، وبرزت مساطيره فبدت فرسان الفصاحة والتبيان، وانتشرت فتواه في البلدان، وسارت بإعلام علومه وتدريسه الركبان، وتظاهرت جواهر كلمه، وفرائد حكمه تارة ببدائع الرسائل، وآونة بمحاسن المسائل، فملأ بها كل يد، ونور بها كل بلد، وصار كعبة للعلم مقصودة، وآية في الفضل مشهودة، وفي خلال ذلك يقطُّ رقاب المارقين، ويقمع رؤوس الفاسقين، ويفتح عنوة ثغور الأمصار، ويملك قهراً معاقل الأقطار، ويجهز السرايا والجنود، ويعيد في نصرة الإسلام خفق الألوية والبنود؛ تارة منحدراً، وآونة مصعداً، حتى خضعت له رقاب جبابرة المتمردين، وخنعت له جباه المعتدين، هذا ووالده يومئذ أمير المؤمنين صاحب البسط والقبض، والإبرام والنقض، فلما أراد الله تمام كرامته، وإمضاء أحكام إمامته، رجع الناس إلى المرتكز في أرواعهم وقلوبهم، المؤمل لكشف كروبهم، إلى المعروف بالكمال، السابق إلى محامد(2/319)


الخلال، لما قد كانوا رأوا من فضله ما بهر.
وعلموا من فضائله ومناقبه ما ظهر واشتهر، فركب الناس إليه متن الطريق، وأتوه {رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ} [الحج: 27] فلما انتهوا إلى مقامه الكريم، قضوا ما يجب له من التعظيم والتكريم، واختبروه في أمر الإمامة والتقمص بهذه الزعامة، فأوجدهم أشد النفور والإباء عن تحمله بهذه الأعباء حتى أقسموا له بكل يمين، ولم يكن أحد منهم ليمين، لقد وجب عليك القيام، والدعاء إلى ما يدعو إليه الأئمة الكرام.
فلما قامت: أدلة الوجوب عليه ورأى عيون المؤمنين ناظرة إليه، أسعفهم داعياً إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، غير لاوٍ إلى وطن، ولا معرج على سكن، حتى استولى على أكثر مدن اليمن، وأكثر صياصيه، ومعاقله الشامخة ونواصيه.
نعم: وقد تقدم في ترجمة أبيه –عليه السلام- ذكر الفقيه الشافعي الذي من وصاب، وذم بعض [الفقهاء] الشافعية له على مدح الإمام علي وسؤاله لنصرته، ومدح الملك الأفضل، وأن شعراء الزيدية جوَّبوا عليه بفوق سبعين قصيدة.(2/320)

144 / 205
ع
En
A+
A-