ثم قال: وكانت أحواله –عليه السلام- زكية النما، يتعطَّر بثوابها أهل السماء، زكى علمه، وانتشر فضله، وملأ الأقاليم صيته، وامتد في دار الإسلام صوته، اشتغل في بدء أمره بالعلم، حتى فارق له الأوطان، والأهل والإخوان، ففتح الله له أبوابه، وأجزل [له] ثوابه، ونوّر قلبه، وجعله [الله] للعلوم مصباحاً، وفلقاً وضاحاً، فكان كل فن أدركه يثمر من فوره، ويدرك من وقته، حتى إذا استكمل الفنون ورمقته العيون، وعولت على تحصيله منه العيون، أقام في التدريس أزمنة، لا ينفك عن العلم لا ليلاً ولا نهاراً، ولا يزال مكباً عليه عشاء وأبكاراً، فلما أراد الله إظهار سره المكنون، وقد ألقى عليه محبة منه؛ حرَّك القلوب بألطافه إلى دعوته، وكشف دياجير الفساد بأنوار عزته، وتم ما أراد الله من إظهار أمره، وسمو ذكره، وارتفاع حاله وقدره، وكان يشبَّه بالملائكة بما خصَّه الله به من البهاء، وأتم له من النور، وكان له –عليه السلام-حالات ثلاث :
الحالة الأولى: حالة اقتباس العلم والتحقيق لفنونه، والتحصيل لفوائده والضبط لقوانينه.
[و] الحالة الثانية: حالة التدريس، ونشر ما وهب الله له من حكمته، أقام في محروس صنعاء وغيرها إماماً [في العلم] يرجع فيه إليه، ويعول عند الإشكال عليه، ويقصد له من البلاد السحيقة والأمصار البعيدة، في الفتاوي والإرشاد، والإقامة معه لطلب الهداية والاسترشاد.(2/306)


[و] الحالة الثالثة: حالة الدعاء إلى الله والجهاد في سبيله، والذب عن حوزة دينه، وكان له من الأثر من الجهاد مالم يكن لغيره ممن تقدمه في اليمن إلا الهادي –عليه السلام- يروى أنه أزال سبع عشرة دولة ظالمة في اليمن.
قال السيد الهادي–رحمه الله تعالى-: وذكر طرف من ذلك يخرجنا عن المقصود، قال: فكان على هذه الحالات في غاية ازدحام لاشتغال كل حالة بما يلائمها ويشاكلها، الأولى طلباً للعلم، والثانية تدريساً فيه ونشراً لألويته، والثالثة دخولاً في الأمر الجليل، فلم يتمكن من البسط في التأليف والتصنيف.
قال: وله –عليه السلام- مختصرات [ورسائل] وأجوبة، لما لا يحصى من المسائل، قال السيد: ومع ذلك فلم يسلم من الاعتراضات، بل ناله ما نال الأئمة الهادين، [و] الخلفاء الراشدين، فروي أنه وصل بعض العلماء وقد كان يطعن في سيرته، ويعترض عليه في كتاب وخطاب، فلما انتهى ذلك العالم إلى باب الإمام وطلب الإذن بالدخول فلم يأذن له، فقيل للإمام: إن فلاناً ذو علم وبصيرة، فهلا أذنت له بالدخول!
فقال –عليه السلام-: ما معه من العلم إلا ما يجهل به [انتهى].(2/307)


ومما وجدته بخط الإمام علي بن محمد المذكور وعليه علامته وذكر اسمه، ما لفظه: هذا الخط الأعظم، الأشرف، [الأكرم]، العالي، السامي، الغياثي، الجوادي، الأفضلي، الأوحدي، الأمجدي، الأجلي، النبوي، الإمامي، الحسني، الهدوي، المهدي، خلَّد الله ملك منشئه، وأعز نصره، وجدد سعده، وكبت حاسده، يشهد للفقيه [الأجل] الأفضل شرف الدين الحسن بن علي بن أحمد بن فند، بأنه عندنا على الإعزاز والإنصاف، منظور بعين المودة والإتحاف، مأثور الصبر والجهاد والمودة، ملحوظ بلحظ الكرامة، مستقر على أكرم الحظوظ والاستقامة، مرفوع في أسمى المراتب، وأسمى المنازل، وإنه من جملتنا، وممن تحوطه شفقتنا وترعاه مودتنا، لايروع له سرب، ولا يكدر له شرب، وكذلك عمه محمد بن أحمد الزحيف، وسائر إخوتهم، وبنو عمهم، وإنَّا قد ملَّكناه جميع ما تحت يده ويتصرف فيه مما ينقل ويحول، ومما لا ينقل ولا يحول، وأجزنا له [تسليم] ثمن ذلك كله إلى من اشتراه منهم، وأذنّا له في التصرف في ذلك، بأي وجه من سائر وجوه التصرفات، فمن ذلك جميع الدار الكبيرة والسقيف المتصل بها من جهة اليمن، والعلو الذي فوق هذا السقيف، وكذلك الخلف الخارجي للدار وعلوه، يحد الجميع قبلياً دار أخيه أحمد بن علي بن فند، ودار ابن الفهري، ويمانياً الطريق المسلوك، وفيه مفتح باب السقيف، والدار أيضاً، وغربياً الشارع المسلوك مع ما أخذ من دار ابن الفهري، وشرقياً الشارع الذي لا منفذ له، مع ما أخذ من دار لإسماعيل بن قعلان، فهما بين هذه الحدود، وهما بناحية الجربة من صعدة، ومن ذلك جميع الفندق والسمسرة اللذين في(2/308)


الجيبة، وجميع مفاتحهما، يحدهما جميعاً الحوايا اللاتي بينهما، وبين سمسرة موسى بن يونس، وما أخذه من سمسرة موسى بن يونس [المصانع]، ويمانياً دار عتيق ودار عدية الدلالة، وملك آل عارضة، وغربياً الطريق إلى بلجاء، وفيه باب الفندق، والحوانيت المخرجات منه، [ومن جملة الفندق السقاية وهي من جملته]، وشرقياً الطريق النافذ إلى باب الحديد وغيره، وفيه مفتح باب السمسرة، ومن ذلك الثلاث الحوانيت المقابلات هذا الفندق، يحدهنَّ [جميعاً] شامياً ملك حي الفقيه يحيى بن أحمد النور، ويمانياً دار غانم بن صالح الزوبعي، وغربياً دار ابن الشمري، وشرقياً الطريق، وفيها مفتح أبوابهنَّ، ومن ذلك [ثلثا] البئر المسمى الوكيعية من مزارع صعدة، وجميع ضيعتها التي تحت يده إلا جربة المسجد، وشهرة الجميع ظاهرة، ومن ذلك الحوض والقبة الذين عمرهما على هذه البئر، وكذلك المشرب الذي أحدثه بهذه الضيعة، وكذلك الساقية التي يجري فيها الماء الى موضعيه الذين من ضيعة هذه البئر، وكذلك ملَّكناه القصبة التي من جملة القفلة المنصورة، ومفسحها المتصل بها [أيضاً] وهي [القصبة] التي فيها البئر، يحدها هي ومفسحها المذكور قبلياً خلف هذه المنصورة، ويمانياً الطريق إلى مسجد ابن زيدان، وغربياً مسجد القفلة، وشرقياً الخندق، ملَّكناه هذه القصبة عوضاً عن قصبته العامرة في جانب القفلة، وكذلك ملَّكناه القيراطين الذين في يده من الجربة التي هي قبلي فندقه المذكور أولاً، وقيراطين من مفسحهما، وكذلك جعلنا إليه ولاية جربة المسجد التي من ضيعة الوكيعية، وأمرناه يصرف غلتها في مصرفها،(2/309)


وقد صار إلينا منه زيادة في ثمن الوكيعية والساقية، وجملة ذلك ألف وخمسمائة درهم وزيادة في ثمن الفندق والجربة، والمفاسح، والقيراطين [الذين] في الجربة الأخرى وفي مفسحها، ومن ذلك خمسمائة درهم زيادة الدار دار الجربة والسقيف المتصل بها وما فوقه، والخلف الخارجي من الدار، وما فوقه، وقد دعونا الله له بالهداية إلى العمل بطاعته واجتناب معصيته، والبركة في ماله وولده، وأن يصلح له شأنه كله، وأذنّا له في التصرف فيما تحت يده، وأن يفعل فيه جميع ما يجلب فيه نفعاً، ويدفع عنه ضراً، وصدر ذلك كله منَّا في شهر ربيع الأول من سنة خمس وخمسين وسبعمائة.
أشهدنا مولانا ومالكنا أمير المؤمنين المهدي لدين رب العالمين –صلوات الله عليه وسلامه–، بما نسب إليه في هذه لمن ذكر، وفوق هذا الخط وتحت هذه البسملة ما لفظه: [كتب عبد الله المهدي لدين الله علي بن محمد بن علي، وتحته ما لفظه] : كتب عبد الله بن أحسن الدواري، حكمت بصدور ما صدر من مولانا الإمام المهدي علي بن محمد [بن علي] إلى حي الفقيه شرف الدين حسن [بن علي] بن فند، كان ذلك مني بتأريخ شهر شوال [من] سنة اثنين وثمانين وسبعمائة سنة. انتهى.(2/310)

142 / 205
ع
En
A+
A-