السماحات:
إلى ها هنا أنهي[حديثي] وأنتهي
فما شئت في حقي من الخير فاصنعِ
قلت: هذا آخر [هذه] الرسالة، وقد رأيت براعة هذا السيد وتمكنه من المجال بحسن هذه الأقوال في جميع فنون العلم: فقهها، وكلامها، وأصولها، وفروعها، ونحوها، ولغتها، وغير ذلك، وهذه الرسالة أيضاً جارية على مسلك رسالة القاضي نشوان بن سعيد الحميري، فإنه ذكر فيها فنوناً من العلم كثيرة على هذا النسق، والفضل للمتقدم، إلا أنه لا كلام أن السيد مبرز على الأقران، وسباق غاية في ذلك الميدان، فإن من وقف على استقداره على ارتجال الشعر المتنوع، وسحبه كل مسحب، من جد وهزل، ورقيق وجزل، علم صحة ما ذكرته لك من بلاغة هذا السيد، وحسن اختراعه وإبداعه، ولولا ما شرطته على نفسي من الميل إلى الاختصار لأوردت من شعره هنا ما يسهي ويلهي، ولكني أحلت غيري على ما هو مشهور معروف من ذلك، متداول بين العوام وأرباب الممالك، فلا فائدة في إيراد ما هو ظاهر، ومن جملة شعره البليغ ما ذكره في طراز قبة [حي] الإمام المؤيد بالله يحيى بن حمزة عليه السلام أوردته هنا لاحتماله أنه قاله عقيب موت الإمام، إما بلا فصل فيكون قد شعره وهو إمام؛ لأنه وقف داعياً حتى دعا الإمام علي بن محمد كما تقدم، أو يكون السيد الواثق قاله بعد مدة متراخية حسبما اتفق من عمارة القبة، فيكون قاله وقد تنحَّى عن الدعوة، وهو هذا:(2/301)


نور النبوة والهدى المتهللِ.... أرسى كلاكله ولم يتحولِ
في قبة نصبت على خير الورى.... قدراً وأشرف في الفخار وأفضلِ
وعلى الإمامة والزعامة والندى.... والجود والمجد الأثيل الأكملِ
وعلى السماحة والرجاحة والنهى.... وعلى المليك الأوحد المتطولِ
والعالم المتوحد المترهب ال.... ـمتعبد المتنفل المتبتلِ
يحيى بن حمزة نور آل محمد.... لب اللباب من النبي المرسلِ
كشَّاف كل عظيمة وملاذ كـ.... ـل ملمة ورجاء كل مؤمِّلِ
يا زائراً يرجو النجاة من الردى.... عن قبره وضريحه لا تَعْدِلِ
لذ بالضريح وقف به متضرعاً.... واطلب رضاك من المهيمن واسألِ
تحبى بكل وسيلة وفضيلةٍ.... وتنال خيراً في علو المنزلِ
شرفت ذمار بقبر يحيى مثلما.... شرفت مدينة يثرب بالمرسلِ
فليهن أهل ذمار حسن جواره.... فيما مضى وكذاك في المستقبلِ
انتهى، وقد عرفت طول عمره بمعرفتك لقولنا : إنه دعا بعد موت أبيه، ثم حياته في مدة الإمام الناصر، وشكوا عليه كبر السن وغير ذلك، فينبغي البحث عن الوقت والعام الذي مات فيه، وأين موضع قبره، ليلحق بهذا المكان بعون [الله] الملك الديَّان.(2/302)


[الرابع الإمام الفتحي - عليه السلام -]
فصل: ورابعهم الفتحي، وهو: أحمد بن علي بن أبي الفتح، داره في هجرة وقش، وكان مع الأشراف بني حمزة في العراقية، وكلام السيد صارم الدين في منظومته هذه قاطع بأنه عارض الإمام يحيى بن حمزة - عليه السلام -، والذي رأيته أنا في بعض الكتب أنه عارض الإمام المهدي علي بن محمد، ويمكن الجمع بين الروايتين؛ بأنه تعمر حتى أدرك دولة الإمامين المذكورين، ويدل على ذلك قول السيد الواثق فيما تقدم [في حكاية تواضع الإمام المطهر] :
قالوا: عصيت كما دعوت وأحمد.... داعٍ وليس لأحمد من مخرجِ
قلنا: صدقتم دعوتي مشروطة.... بفساد دعوة أحمد البر النجي
حتى أتت أفواج حوث ثلة.... تختال بين مقمص ومتوجِ
فبما هم نقضوا إمامة أحمد.... هل كان فيه نحله في المنسجِ
فهذا يدل على أنهم عدلوا عنه، وعن الفتحي إلى الإمام علي.
وكانت وفاة ابن أبي الفتح برغافة، ولعله من ذرية أبي الفتح الديلمي المقدم ذكره، وهو من ذرية زيد بن الحسن بن علي -عليه السلام- وآل أبي الفتح عدة مشهورون في جهات صنعاء وغيرها، ولم أقف على كثير من تفصيل خبر هذا الداعي الفتحي، فإن ظفرت بشيء من ذلك ألحقته في هذا الموضع بعون الله تعالى.(2/303)


[أخبار الإمام المهدي لدين الله علي بن محمد - عليه السلام -]
وابن المفضل داعينا أبو حسن.... زاكي المساعي حسام العترة الذَّكَرِ
قِيْدِتْ إليه وإن لم ترض جانبه.... لميلها عن بني المختار من مضرِ
وشادت المذهب الزيدي دعوته.... وذللت كل جبَّار من البشرِ
[هذا] هو: الإمام المهدي لدين الله علي بن محمد بن علي بن يحيى بن منصور بن مفضل بن الحجاج بن علي بن يحيى بن القاسم بن يوسف الداعي بن يحيى بن الناصر بن الهادي إلى الحق يحي بن الحسين [عليهم السلام]، نسب يحكي نور الشمس، ولا يمكن ينال ستره بالبنان الخمس، وإذا تلي نعش قوى النفس، وأبرأ من التخبط والمس [أمه غزية].
ولد -عليه السلام - بعد سنة خمس وسبعمائة سنة بقيت له الدولة نيفاً وعشرين سنة، ونشأ على طريقة آبائه الأعلام، في السعي لأسباب الكمال والتمام، حتى برز في كل فن من الفنون وعلوم الإسلام، وصارت تشد إلى عقوته الأكوار لاقتباس الفتاوي وتنفيذ الأحكام، من المغرب والمشرق واليمن والشام، ثم دعا بثلا يوم الخميس آخر شهر ربيع الآخر [من] سنة خمسين وسبعمائة.(2/304)


قال السيد العلامة الهادي بن إبراهيم في (كاشفة الغمة) في وصفه –عليه السلام- ما هذا لفظه: وأما حي مولانا الإمام [علي بن محمد] –عليه السلام- فكان فضله أشهر من الشمس وضحاها، وأجلى من القمر إذا تلاها، درة تاج العترة ومصطفاها، طراز غلائلها ومجتباها، فاروق أئمتها ومرتضاها، ذاتية صفة مجدها ومقتضاها، الذي خص من الفضائل بمنتهاها، وترقى في درجاتها أشرفها وأعلاها، وهديت به هداة الأمة إذ دعاها، فكشف عنها ليلها وبلواها، وألزمها صلاحها وتقواها، ثم قال: واعلم - أرشدك الله وهداك - أن لكل إمام فضلاً وهدايةً، وجهاداً وعنايةً، وجمع الله للإمام المهدي مفترقات الفضل والفضائل، وأعطاه مالم يعطه أحداً من الأواخر والأوائل، ورزقه قبولاً في القلوب على افتراقها، وتماماً في محبة الجهاد معه على امحاقها، فانقادت له قلوب أهل الزمان، وأحيا الله به ما اندرس من معالم الأديان، وبرقت أسارير دعوته المهدية، فهدج إليها الكبير، ودرج إليها الصغير، وتطلعت لها الكعاب، ونطقت بفضلها آي الكتاب، وكان أهون المسير إليها الوجيف، وانثال إليها العالم ولا انثيال الحجيج بموسم التعريف، وما هي إلا آية سماوية، وخصائص إلهية، والناس في بركة آثاره إلى يومنا هذا، فالحمد لله {ذَلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَشْكُرُونَ}[يوسف:38].(2/305)

141 / 205
ع
En
A+
A-