السلام- في نكاح الكتابية حق، ومذهب الناصر أن الحجامة لا تنقض الوضوء حق، إلى غير ذلك من المسائل الخلافية، ولا يفترق الحال بين مذهب إمام وإمام، بل كلها حق وصواب.
وليت شعري!! بأي شيء تقع التفرقة مع بلوغ منصب الاجتهاد، وإحراز البلاغة فيه، بل لو قدَّرنا على زعم المخالف[فيه] في هذه القاعدة أن هناك صواباً،فبأي شيء نعرف كون ذلك حقاً؟ ومع أيهم؟ وما علامته؟ وكل واحد منهم يأخذ من الكتاب والسنة فيما ذهب إليه، فإذاً لا تفرقة هناك، اللهم، إلا أن يكون بسواد اللحية وبياض الوجه، ومثل هذا لا يكون فرقاً بحال، ثم ما حجة من قال: يجوز تقليد الهادي في أن طلاق ألف مرة تطليقة واحدة؟ ولا يقلّد الناصر في عدم وقوع الطلاق البدعي، والطلاق المشروط، وليت شعري!! من يمنع تقليد الناصر، فيما ذهب إليه، فيما حكيناه عنه، إما أن يقول: بأنه ليس مذهباً له، فهذا خطأ؛ لأن مذهب الناصر بلغ إلينا كما بلغ [مذهب] الهادي، والمؤيد بالله، وإما أن يكون مذهباً له، خلا أن الناصر غير بالغ درجة الاجتهاد، فلا ولا كرامة، فإنه لا قائل بهذا، مع أن هذه دعوى باطلة، وإما أن يقول: هو مجتهد، خلا أن الآراء في الاجتهاد الحق فيها واحد، فهذا خطأ أيضاً، بما أسلفنا بتقريره، فقد ظهر بما ذكرنا سلامة الآراء الاجتهادية عن الخطأ، وأنها صائبة كلها، والحمد لله وحده، انتهى جوابه في هذه المسألة.(2/291)


ومن كلامٍ له عليه السلام أفتى به رجلاً وصل إليه، وقد طلق زوجته، وردَّها إلى نكاحه عملاً بمذهب الناصر عليه السلام، فوصل هذا الرجل، وقد زوج امرأته فقيه من بلاد الأهنوم، يقال له: إسماعيل، فكتب إليه الإمام –عليه السلام-، بأن قال: وصلنا الشيخ فلان، وحكى لنا يا فقيه عفيف الدين أنه طلق زوجته، وردَّها إلى نكاحه اعتقاداً لمذهب الناصر بتأريخ أرَّخه، ثم إنك أنكحتها بعد ذلك، فإن كان قد أبرمت بينهما حكماً، ومعك ولاية من جهتنا وإلا فالحكم مردود، ونظرنا نحن في هذه القضية، والقوي عندنا تصويب الآراء الاجتهادية، وأنت -يا فقيه- فلست من أهل الاجتهاد، ومن لا يحسن السباحة يتعذر عليه الغوص في غدير التمساح، فلا تتعرض بما لا تحويه حوصلتك، ولا تقدر على طحنه معدتك والسلام.(2/292)


ومن كلام له أفتى به رجلاً آخر في مثل ذلك، فقال: وصلنا فلان وسماه باسمه، وحكى لنا أنه طلق زوجته وردها إلى نكاحه على مذهب الناصر، ونحن لا نفتي به، ليس لكونه خطأ -فمعاذ الله-، والزوجان مهما دخلا في مذهبه –عليه السلام- وعملا به لم يعترضهما المسلمون، إذا أغلقا [على أنفسهما] بابهما، وأرخيا ستر الله عليهما، ولكنهما مهما وقع بينهما تشاجر وترافعا إلينا أو أحد منهما، فعلنا معهما بمقتضى ما تصوبه آراؤنا من رفع أو تقرير، وليت شعري!! ما الفرق بين الأخذ بمذهب الناصر والإمام الهادي، وكلاهما قد بلغ رتبة الاجتهاد، والقوي عندنا تصويب الآراء الاجتهادية، فكل من أخذ بقول واحد منهما، ومن سائر الأئمة من أهل البيت فقد تمسك بحبل غير منفصم، والعجب ممن يخطئ أو يفسق المتمسك بمذهب الناصر، والأخذ بأقواله، وهو في الهداية النجم الزاهر، وفي العلم البحر الزاخر، وقد قال ً: ((أهل بيتي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم))، فعلى هذا الآخذ بمذهبه لا يكفَّر ولا يفسَّق ولا يخطَّأ، بل التخطئة في جنب المخطِّي، وهذه الرخصة رحمة من الله سبحانه لخلقه.
قال صاحب الشريعة: ((إن الله يحب أن تؤتى رخصه، كما يحب أن تؤتى عزائمه))، وفي حديث آخر: ((من لم يقبل الرخصة فعليه من الإثم مثل جبال عرفات ))، فيعلم ذلك الواقف عليه من أهل الإسلام، انتهى كلامه.(2/293)


وقد رأيت ما أكثر تبحره، وأوسع مجاله، واطلاعه على أسرار العلوم وغوامضها حتى يصدر منه ما يوهم المناقضة في فتاويه، ومن دقق النظر [علم] أن كل أقواله راجعة إلى لفظ واحد لا اختلاف فيها ولا تدافع، كما قد توهمه بعض القاصرين من أهل زمانه -عليه السلام-، كما تقدمت الإشارة في صدر ترجمته إلى ذلك، فاعرفه موفقاً [إن شاء الله تعالى].
كان مولده –عليه السلام- لثلاث بقين من شهر صفر من سنة تسع وستين وستمائة، وكانت وفاته في حصن هران، قبلي ذمار [في] سنة سبع وأربعين وسبعمائة، ثم نقل إلى ذمار، ومشهده بها [مشهور] مزور، ولأهل ذمار فيه اعتقاد [عظيم] بليغ، حتى [لقد] كثرت منهم الرواية أنهم ربما أطفؤا [السراج] سراج القبة، واعتنوا في ذلك، ثم يشاهد السراج بعد ذلك متقداً، ويقولون أيضاً: إنه مذ مات ودفن بذمار قلما وجد الحنشان بها، ويروون هم وغيرهم من كراماته أشياء هائلة لمن كذبها، وسارة لمن أحبها، وله –عليه السلام- عقب مشهور بالفضل والعلم.(2/294)


[الثالث الإمام الواثق بالله المطهر بن محمد بن المطهر - عليه السلام -]
فصل: وثالثهم السيد الواثق بالله المطهر بن إلإمام المهدي لدين الله محمد بن الإمام المتوكل على الله المطهر بن يحيى المتقدم ذكره، كان هذا الواثق من أعيان العترة، ونحارير الأسرة، وفصحاء الأمة، ونجباء أبناء الأئمة، دعا بعد موت أبيه، فتعارض هو ومن ذكر السيد صارم الدين في قطر واحد [وزمن واحد]، ولكنه بعد ذلك ضرب عن الدعوة صفحاً، وطوى دونها كشحاً، كما ذكره في كلام له سيأتي؛ إلا أنه لم يشعر بأنه لم يضرب إلا بعد أن مات الإمام يحيى بن حمزة؛ لأنه قال في بعض ما وجدته [له] : ليعلم أدنى الأمة وقاصيها القاطنون بسوح البسيطة وصياصيها، بعد السلام عليهم الجزيل ورحمة الله الملك الجليل، أنَّا ما كنَّا تحملنا من الأعباء، إذ عميت عليهم الأنباء [إلا لنلحق السابقين] من الأجداد الآباء، وأكرم بذلك فريقاً، وحسن أولئك رفيقاً، فنُذْكر في الملأ الأعلى، ونفوز من الأجر بالقدح المعلى، فأبى الله أن يجعل [البسط والقبض]، والإبرام والنقض، والرفع والخفض، وإقامة السنة والفرض، إلا في مستودع سره، وترجمان ذكره، وولي نهيه وأمره، ومنفذ تهديده وزجره، علم الشرف الأطول، وطراز العترة الأهول، وصفوة المصطفى، وسبط الأئمة الخلفاء، الخليفة الولي المهدي لدين الله علي بن محمد بن علي –صلوات الله عليه وسلامه وكراماته وإكرامه-.(2/295)

139 / 205
ع
En
A+
A-