[ذكر نبذة من شعر العلامة مطهر بن محمد بن تريك الصعدي]
[و] اعلم أني وقفت على ديوان شعر ورسائل لحي الفقيه النبيه الفصيح المقول العلامة مطهر بن محمد بن تِرِيْك الصعدي بلداً، ذكر فيه ما لفظه: وكان مع الإمام محمد بن المطهر عليه السلام نسخة صحيحة من نسخ (الكشَّاف) جيء له بها من الشام، وكذلك نسخة (المفتاح) للسكاكي، المشتمل على أربعة علوم: منها: علم المعاني، والبيان، قال : وكنت إذ ذاك مغرماً بتصحيح نسخة سماعي التي سمعتها على الفقيه النبيه العلامة محمد بن عبد الله الكوفي، فكتبت إلى الإمام بهذه الأبيات قبل أسمع (الكشَّاف)، وأنا ذلك اليوم بصنعاء، فقلت:
هل يسمحنَّ لنا الإمام المرتضى.... وهو الجواد بعارة (الكشَّافِ)
فلنا إليه تطلع وتشوق.... شوق العطاش إلى الزلال الصافي
أو شوق صبِّ هائم ذي صبوة.... مصدوقة من لؤلؤ الأصدافِ
بل شوق مولانا إلى بذل اللها.... وإغاثة الملهوف والإنصاف
ما نغمة الشادي بأطيب عنده.... من نغمة لمؤملٍ أو عافي
سبحان من جمع المكارم عنده.... وحباه منه بأكرم الأوصافِ
واختصه بولاية هو أهلها.... وبراه براً ليس كداّ جافي
وأمال أفئدة الأنام جميعهم.... طوعاً إليه ومرغم الآنافِ
ويحق ذاك وفوق ذاك لأوحد.... من أوحد من نجل عبد منافِ
فرع النبوة والإمامة ربَّها.... شرف الأئمة خيرة الأشرافِ
صلى عليك الله ما تلا امرؤ.... قافاً وحاطك من أحاط بقافِ
ولنا إلى (المفتاح) أيضاً هزة.... فافتح به مغلاق كل تصافِ
لا زلت أهلاً للجميل وفعله.... متأبداً كتأبد الأوقافِ(2/261)
قال: وأتيتهم إلى صنعاء وهي للإمام محمد بن المطهر -عليه السلام- أيام سماعنا (للكشَّاف) على الفقيه محمد بن عبد الله الكوفي المذكور في سنة تسع وثلاثين وسبعمائة سنة للهجرة، فعرض للسيد المطهر الملقب الواثق ولد الإمام محمد بن المطهر مرض، فلم أزره حتى صحّ من مرضه، فكتبت إليه أبياتاً أعتذر فيها عن الزيارة، وفات عليّ أكثر الأبيات، إلا قولي:
فلا تعتبنَّ على خادم.... فمثلي في أمره يعذرُ
وترك الزيارة في وقتها.... لئلا أرى فيك ما أحذرُ
فأولاك مولى الورى صحة.... وعمراً علاك به تعمرُ
قال: حتى خرجت إلى ذكر أبيه الإمام -عليه السلام- فقلت:
ودام ودمت مُمَلاً به.... فإنك عين بها يبصرُ
فلا زال يملك أمر الورى.... وينهى بحق كما يأمرُ
فأجابني الواثق بن الإمام -عليه السلام- فقال:
نظامك أم قهوة تعصر.... أم الراح بالشهد أم سكرُ
أم الدر في جيد خرعوبة.... مهفهفة ريقها يسكرُ
أم الروض تضحك أزهاره.... وحتى الغمام شجى يمطرُ
أم المسك ذلك أم عنبر.... ومن دونه المسك والعنبرُ
ولا غرو إن كت نظّامه.... إذا فاق يا من له المفخرُ
ويا ماجداً للعلا حائزاً.... وقاموس علم غدا يزخرُ
ويا من له في العلا رتبةً.... ويا من هو الأكرم الأكبرُ
ويا من له كل أكرومة.... وبالبر هذا الورى يذكرُ
أتاني قريضك مستعذراً.... فأهدى السرور ولي مخبرُ
بأنك لم تنس عهداً وإن.... بنا ربع ودك مستقمرُ
فأيقنت أنك نعم الصديق.... كُفِيْنا عليك الذي تحذرُ
فلا زلت في نعمة دائماً.... وحظك من دهرك الأوفرُ(2/262)
قال الفقيه مطهر بن محمد بن تِرِيْكَ في ديوانه المذكور: ولما وصل الأمير مطهر الواثق إلينا إلى صعدة زائراً للمشاهد المقدسة بمشهد الهادي -عليه السلام-، ووقف فيه أياماً، ولم يأت إليه أحد من الإخوان كثَّرهم الله، فكتب إليَّ بهذه الأبيات معاتباً للأصحاب في عدم التلقي له:
أبلغ نظام مطهر بن محمد.... سوح الفقيه مطهر بن محمدِ
وأخضع لطلعته وقبلِّ كفه.... عني بتسليم يزيل صدى الصدي
إنسان عين ذوي النُهى وإمامها.... الأوحد ابن الأوحد ابن الأوحدِ
الخضرم المتغطمط المتلاطم الـ.... ـمتدافق اليم الطموم المزبد
وخلائق كالروض يضحك زهره.... لدموع جفن الفائض المترددِ
ومشمِّر لله يلبس للتقى.... والدين سربال العفاف ويرتدِ
فخر الهدى حتف العدى نائي المدى.... ليث الندا غيث الندى قمر الندي
قل يا خضم العلم يا علم الهدى.... يا كعبة العافين والمسترشدِ
ما بال رفضك للسلام على الذي.... وافى من البلد الشسوع الأبعدِ
حاشا خلائقك الحسان من الذي.... بك لا يليق من اعتزال المشهدِ
لا ميت مناَّ يزار ولا الذي.... وافاك يلقى بالتصافح باليدِ
أنت الذي وافيت معتمداً به.... من بعد ربي في تناول مقصدي
عهدي بخلقك كالرياض تفتحت.... منها الكمائم عن سنا زهر ندي
[إن كان عن سبّ يكدّر صفوها.... مني فعفواً فهو لا يتعمدِ]
قال: فأجبته بهذه الأبيات:(2/263)
نظم الأمير مطهر بن محمد.... نحو المود مطهر بن محمدِ
يحكي رياض الخزم باكره الندى.... نفحاتها تربى على الندِّ الندي
لو كانت الألفاظ منه تجسدت.... لتصورَّت من لؤلؤ وزبرجد
أو خالط الماء الزعاق مذاقها.... كان الفرات اللذ عذب الموردِ
جادته فكرة أوحديُّ أوحدي.... لله درّ الأحوذي الأمجدِ
نجل الإمام أبو الإمام الأوحد.... سبط الوصي ابن النبي الأمجدِ
رب الفصاحة والرجاحة والحجا.... بحر السماح لرائح ولمغتدي
من لا يماثل في الخلال جميعها.... والمُقْتَدَى بفعاله لا المُقْتَدي
ماذا نقول وقد أتى في مدحه التـ.... ـنزيل أبلغ شاعرٍ أو منشدِ
وافى إليَّ نظامه متنقداً.... فعل الشفيق الناقد المتنقدِ
يثني عليَّ ولست أهلاً للثنا.... لكنه أهل الثنا والسؤددِ
ومعاتباً لي في السلام وتركه.... وعن التخلف عن شهود المشهدِ
ولو أنه كان العليم بعاذري.... كان العذير وعادني في العوَّدِ
طوراً على ظهر الفراش وتارة.... تحت اللحاف مظاهراً للمَسْنَدِ
متألماً إذ ذاك من ألم الكلا.... متزملاً متدثراً في المرقدِ
فإذا شفيت مثلت نحو مقامه.... لأصافح الكف الكريمة باليدِ
وأكرر التقبيل أضعاف الذي.... قد فاتني بالأمس يومي أو غدي
وأعينه وأشدّ منه أزره.... حتى ينال بذاك أكمل مقصدي
والود يا فخر الهدى متأكد.... إني على الود القديم الأوكدِ
لكن قدرك ما قَدْرَنا قدره.... فلتعفُ فالتقصير غير محددِ
ثم السلام عليك يا فخر الهدى.... يا سيد السادات يا فخر الندي
قال الفقيه: فوصل زائراً مبادراً، وكان معي وجع الكلا أيام وصوله، فقلت فيه بيتين لوصوله إلينا وقدومه وتشريفه منزلنا ورفعه منزلتنا، وهما:(2/264)
آنست منزلنا وشرفت الذرى.... تشريف إبراهيم محجوج الورى
فإذا ارتقيت منازلاً رُقَّيْتهَا.... حتى تكون لها الثريا كالثرى
قال: وكتب إليَّ أبياتاً من جهة طبل خانة، وأعلام كانت وديعة الإمام محمد بن المطهر عند الأمير الكبير عز الدين محمد بن المهدي بن عز الدين، فعول عليّ في مراجعة الأمير في ردها عليه، فأجاب إلى ذلك، والأبيات تتضمن الاستفهام عن جواب الأمير محمد بن المهدي، وهي :
يا جامعاً من فنون العلم ما افترقا.... ومن بمفخره فوق السماك رقا
يا فخر دين الهدى ياليث كل ندى.... ياغيث كل ندى يا غوث من طرقا
ماذا أجاب أبو عبد الإله به.... في رده الكوس والأعلام والخرقا
وقال هذين البيتين في صدر كتاب من أجل ذلك وهما:
يا قمطر العلوم يا جبل الحـ.... ـلم ويا بدر كل ظلامِ
كن شفيعي إلى الذي يهب الخيـ.... ـل ويلقى الوفود بالابتسامِ
فأجبته بهذه الأبيات:
يا ابن بنت الرسول يا ابن الإمام.... يا محامي عن الهُزَبْرِ المحامي
قد أتاك الجواب فاعمل عليه.... حاطك الله من شرور الأنامِ
وسلامي عليك بعد سلامٍ.... زاكياً دائماً دوام الدوامِ
فقال أيضاً في ذلك:
يا قمطر العلوم قد أزف السـ.... ـير بعون الإله يوم العروبَة
فلعل الأمير أصلحه اللـ.... ـه يأتي إلى سبيل المثوبَة
فأجبته بهذه الأبيات:
يا هلالاً نحب منه طلوعاً.... أبداً دائماً ونخشى غروبَهْ
سرَّنا قربه وأوعد نأياً.... ونوى من نحب فيه صعوبَةْ
غير أنَّا نحب ما كان يهـ.... ـواه بيوم الخميس أم في عروبَة(2/265)