وقال -عليه السلام- في معرض حكاية حاله: أزلنا والمنة لله والحول والقوة والطول، ارتكاب المنكرات، وضرب المعازف على شرب المسكرات، واضطهاد العلماء، والاستخفاف بالفضلاء، والاستهزاء بالآمرين بالمعروف، والرمز بالناهين عن المنكر، في كلام طويل، حتى قال: فأقمنا قناة الحق، وأظهرنا ولا قوة إلا بالله طاعة الحق، وأقيمت الحدود والتعزيرات، وأنلنا من ظهر منه ذلك أنواع التنكيلات، وباد الفسق وأربابه، وغيض المنكر وأحزابه، ورفع من الإيمان مناره، وطمس الفجور وشعاره، والحمد لله على فضله حمداً كثيراً حسب إنعامه، إلا أن المليح في أعين الناظرين لنا قبيح، والكذب عندهم علينا صحيح، إن ذدنا عن الدين، وأظهرنا حكم الإسلام على المسلمين، تكلم الهامز علينا بالمين، ونسب فعلنا وقولنا إلى الشين، وهذا السائل علينا رأسه حراسة لما يرومه لذاته من الرئاسة، وتوهم أنه أحسن منا للعالمين نظماً وسياسة:
إلى الله أشكو عصبة في زماننا.... يسيؤن فينا القول غيباً ومشهدا
قال في (الكاشفة): هذا كلام الإمام -عليه السلام- منقول من خطه. انتهى.
قال في (البحر الزخَّار): إنه -عليه السلام- دعا [في] سنة إحدى وسبعمائة، ودخل صعدة يوم الثلاثاء بواقي خمسة أيام من شهر شعبان سنة ثلاث وسبعمائة، وتمكنت بسطته حتى افتتح عدن أبين، ولم يقل بإمامته أكثر شيعة زمانه.
قالوا: وكان بينه وبين [بني] رسول سلاطين اليمن وقعات معروفة، وملك آخر الأمر صنعاء سنة أربع وعشرين وسبعمائة قدر أربع سنين، ورأيت أنا للسلطان الملك المؤيد بيتين من الشعر وهما:(2/256)
أيا لورق الطلحي تأخذ أرضنا.... ولم تشتجر تحت العجاج رماحُ
وتأخذ صنعاء وهي كرسي ملكنا.... ونحن بأطراف البلاد شحاحُ
ورأيت له أيضاً أبياتاً وهي:
رويدك لا تعجل فما أنت بعلها.... سيأتيك فتَّاك يعلِّمك الضربا
وإن كنت ذا عزم فلا تضح هارباً.... كعادة من قد صرت من خلفه عقبا
وسائل جبال اللوز عناّ وعنكم.... فأفضلكم ولَّى وخلَّفكم نهبا
فعاملتكم بالصفح إذ هو شيمتي.... وما كنتم تعفون عن واقع ذنبا
فأجابه الإمام -عليه السلام- بقوله:
رويدك إن الله قد شاء حربكم.... وصيَّرنا الرحمن في ملككم حزبا
تأخر عن الدست الذي أنت صدره.... وعد عن الملك الذي نلته غصبا
سأجلبها شعث النواصي شزبا.... ويأتيك فتّاك يعلمك الضربا
عليها رجال من لؤي بن غالب.... بهاليل سبّاقون قد مارسوا الحربا
وادعو بحي من نزار غطارف.... وآتيك من قحطان بالعرب العربا
إذا أقبلت مثل الهضاب مشيحة.... تقل رجالاً من بني هاشم غلبا
أريناكم كيف النزال بعلمنا.... وعلمتكم بالسيف ودّ ذوي القربى
فنحن بضرب السيف أعرف في الوغى.... وأربطهم جأشاً وأثبتهم قلبا
وما في جبال اللوز عار لسيد.... غدت واكفات السحب من فوقه دربا
فتلك على رغم الحسود فضيلة.... بها الفخر في الدنيا والفوز في العقبى
سيعلم ملك الناس من آل جفنة.... أبا الحمد لا زوراً أقول ولا كذبا
إذا أقبلت من كل فج عوابس.... لها ما تشق الشرق نحوك و الغربا
بأني لها كفؤ وبعل وسيد.... أخو سطوة لا أرتضي لكم سبّا(2/257)
كانت وفاته –عليه السلام- في ذي مرمر قبلي صنعاء لثمان بقين من ذي الحجة سنة ثمان وعشرين وسبعمائة، ونقل إلى صنعاء ومشهده في جامعها مشهور مزور، وله عقب.(2/258)
[ذكر العلامة يحيى بن الحسين بن علي بن الحسين ]
وإلى جنب قبره قبر السيد الصدر العلامة يحيى بن الحسين بن علي بن الحسين، مصنف (اللمع)، و(القمر المنير)، و(الكوكب) هذه الكتب كلها في فن الفقه، وله في الفرائض (الدرر)، و(هداية البرايا في الفرائض والوصايا) وغير ذلك، وقبره في هجرة قطابر، يلي قبر الأميرين شمس الدين وبدر الدين.
فأما السيد يحيى بن الحسين المذكور، فله من الكتب (الياقوتة) مجلدان، و(الجوهرة) مجلد واحد، وله أجوبة ومسائل،ومات سنة تسع وعشرين وسبعمائة وعمر نيفاً وستين سنة.(2/259)
[ذكر العلامة الهادي بن يحيى بن الحسين]
وولده السيد العلامة الهادي بن يحيى بن الحسين، كان من العلماء الأعيان، وفرداً في ذلك الزمان، وكان معروفاً بالدهاء، وتجربة الأمور، ولزمه الأمراء بنو حمزة سنة ثمان وخمسين وسبعمائة في خلافة الإمام المهدي علي بن محمد، ووقف في حبسهم ثمانية أشهر إلا نصف شهر، وخلصه الله تعالى، ثم توفي في شهر صفر من سنة أربع وثمانين وسبعمائة وقبره بمشهد بمسجد الهادي بصعدة، وله من العمر سبع وسبعون سنة -رحمه الله تعالى- وجمع بيننا وبينه في الجنة.(2/260)