باعوا من الله أرواحاً فأسكنهم.... في الخلد أشرفها مرأى ومستمعا
سلوا السيوف ولم يخشوا ولا وهنوا.... في حومة الموت لا هول ولا فزعا
فكل عين عليهم أمطرت ديما.... وكل نفس عليهم أشربت جزعا
مالي وللدهر ما تنفك نائبة.... منه تنوب فهلا ارتدَّ واندفعا
وفي سلالة مولانا لنا عوض.... عمن مضى إن تناسى الدهر أو قرعا
وهكذا الحرب مازال الكمي بها.... يغشى المهالك صراعاً ومنصرعا
جاءت إليك من الرحمن عارفة.... كستك أمناً وثوب الأمن قد رفعا
لله ملك أفاد المسلمين معا.... بعفوه عنك مجد طال وارتفعا
أبو الهزبر الذي في ظل دولته.... أضحى نطاق العلا والفخر متسعا
خير الملوك وأعلاهم وأحسنهم.... تصرفاً في الورى إن ضرّ أو نفعا
يا ليت شعري والأوهام طامحة.... تساور اليأس والآمال و الطمعا
هل نشتفي من أمير المؤمنين ولو.... بنظرة تذهب الأوصاب والوجعا
للدين عبرة وجد قطَّ ما رقأت.... وللمكارم طرف قطَّ ما هجعا
وبارق للندى ما انفك مؤتلقاً.... فمذ أسرت خفى نور وما طلعا
عليك منا سلام الله ما و دقت.... وطف وما انهل شؤبوب وما همعا(2/236)


تنبيه في ذكر تاج الدين والد الإمام [إبراهيم] :
كان من سادات العترة وعلماء الأسرة، إذ كان من المجاهدين في سبيل الله، والبائعين أنفسهم من الله، له كرا مات مشهورة، وله تصانيف في أصول الدين، وتولى للمنصور بالله عبد الله حمزة بصعدة بعد أخيه مجد الدين إلى أن مات الإمام المنصور، ثم تولاها بعده لأولاد المنصور، ثم مات في رمضان من سنة أربع وأربعين وستمائة، وقبره بمسجد الهادي بصعدة.
قلت: ومن فضائل الإمام إبراهيم أنه ولد تاج الدين هذا، وأن جده بدر الدين، وعمه الأمير الكبير شرف الدين الحسين بن محمد، وعمه الثاني الإمام الحسن بن بدر الدين.(2/237)


[ذكر الأمير مجد الدين يحيى بن محمد]
وعمه الثالث الأمير الشهير الشهيد مجد الدين يحيى بن محمد، فإنه بلغ في العلم مع صغر سنه و[في] الجهاد مبلغاً [عظيماً] لم يبلغه غيره، و[قد] كان يصلح للإمامة، فإن المنصور [بالله] عبد الله بن حمزة سئل في مرضه من يصلح [للإمامة] بعدك؟ فقال: الأمير مجد الدين - أيَّده الله -، وقد بقي عليه شيء من علوم القرآن والأصول أصول الفقه، فإن تمكنت بسطته في ذلك، فالله ييسره كمل واستحق فيما نعلمه، والتوفيق بيد الله تعالى، [و] استشهد في دولة المنصور، وعمره ثمان وعشرون سنة، وقبره في الخموس مشهور مزور، وعم أبيه الأمير الكبير شمس الدين يحيى بن أحمد بن يحيى بن يحيى، وللإمام إبراهيم عقب كثير موجودون في هذا التأريخ، ومن نسله: الإمام الداعي علي بن صلاح، المذكور مع الإمام يحيى بن حمزة، فيما سيأتي [إن شاء الله تعالى].(2/238)


[أخبار الإمام المتوكل على الله المطهر بن يحيى بن المرتضى -عليه السلام-]
وفي المطهر لم تعدل وقد علمت.... أن المطهر زاكي الفعل والأثرِ
من ظللتة السحاب الغرّ حائلةً.... من دونه وغدت ستراً لمستترِ
بيوم تنعم والأبطال عابسة.... وقد تقدم والضُلاَّل في الأثرِ
عنى بهذه الأبيات الثلاثة: الإمام المتوكل على الله المطهر بن يحيى بن المرتضى بن المطهر [بن القاسم] بن المطهر بن محمد بن المطهر بن علي بن الناصر بن الهادي إلى الحق -عليهم السلام-، كان هذا الإمام معروفاً بالعلم، والفضل، والورع، كانت الطهارة بيتاً أهله قواعده، وعقداً نفيساً آباؤه فرائده، وكان-عليه السلام- أحد أنصار الإمام أحمد بن الحسين -عليه السلام-، فلما قتل، قال له الإمام إبراهيم بن تاج الدين: أدع فأنت أولى مني، وأكبر سناً، فقال: أنا غير داع، [أنت] أنفع للمسلمين مني فادع أنت، فلما أسر الإمام إبراهيم [بن تاج الدين] دعا، فساس الأمور أحسن سياسة، ومال إليه سادات العترة، وأفاضل أتباعها، وعيون أشياعها، وكان النهاية في كل خلة شريفة، كرماً، وعلماً، وورعاً.
ومن طرائف كرمه وزهده: أنها وضعت في كفه المطهرة دراهم فسها عنها حتى عرقت عليها كفه، فانتبه من سهوه، فرمى بالدراهم عن يده، وقال: ما هذه بشيمة المتوكل، وفيه يقول بعضهم:
سألت عنه فقالوا ليس نثلمه.... إلا بأمرين مشهورين فاعترف
سخاء كف وإن لم يبق باقية.... وبذل روح وإن أدى إلى التلف(2/239)


وله –عليه السلام- دعوة أصدرها إلى العترة الكرام، والعلماء المعظمين، والزعماء المقدمين، والكافة من المسلمين، قال فيها عليه السلام :
سلام عليكم، فإناّ نحمد الله إليكم الذي جعل الحق ضياءً منيراً، وجعل الباطل هباءً منثوراً، وآتى آل محمد الحكمة، وآتاهم ملكاً كبيراً، وأيَّدهم بالنصر وتولاهم، وكفى بالله ولياً وكفى بالله نصيراً، وخذل أعداءهم وأعدَّ لهم جهنَّم وساءت مصيراً، وصلى الله على [سيدنا] محمد وآله الذين أذهب الله عنهم الرجس، وطهرَّهم تطهيراً.
أما بعد:(2/240)

128 / 205
ع
En
A+
A-