فلا لوم إن أمسى بنا غير واثق.... ولا عتب في هذا عليه لعاتبِ
وإن كنت عن قومي وأهلي بمعزل.... ولست إلى ما يذهبون بذاهبِ
ولكن قد قدمت كل إساءة.... إليه لتصديق الظنون الكواذبِ
فقاس أموري كلها بأمورهم.... كما كنت فيما سرهم غير راغب
وظن مقالي في التصنع مثلما.... يقولون لا والله ربِّ الأعاربِ
ودمتم بخير ما ترنم طائر.... وما لاح برق في متون السحائبِ
وله وهو في الحبس أيضاً يرثي القاضي إسماعيل بن عبد الله بن أبي النجم، وقد استشهد معه:
خطب ألم فأنساني الخطوب معا.... وصيَّر القلب في أشغافه قطعا
وهاض مني القوى حتى غدوت أخا.... عجز وقد كنت للأعباء مضطلعا
فصرت أظهر صبراً إذ شعرت به.... تجملاً وفؤادي مبطن جزعا
وذاك قتل شجاع الدين أحمد من.... أمسى لكل خصال الفضل قدجمعا
حاز السماحة والعلياء من قدم.... والحلم والعلم والإقدام والورعا
ذو همة لم تزل قعساء سامية.... لو ضمها صدر هذا الدهر [ما] اتسعا
وعزمة مثل حد السيف ماضية.... لو لاقت الصخر يوماً لان وانصدعا
إن عدَّ أهل السخاء فهو السخي بما.... تحوي يداه لنا ما باخل منعا
أو عدَّ أهل الهياج المسعرين لها.... فهو الذي بلبان الحرب قد رضعا
وقتل قاضي أمير المؤمنين صلاح.... الدين من لم يزل للحق متبعا
سمح اليدين كريم الوالدين له.... كف يفرق في العافين ما جمعا
من لم يزل لجميع الخلق معتصما.... عند الخطوب وللعافين مُنْتَجَعا
الصاحب الثقة المأمون جانبه.... والحافظ الودِّ إن دانى وإن شسعا(2/231)
وقتل نجل سعيد صارمي بيدي.... إذا نبا السيف واستعملته قطعا
كان الهزبر إذا ما الحرب مسعرة.... ولم يكن عندها نكساً ولا ورعا
لهفي عليهم جميعاً لو شهدتهم.... لكنت أول من نحو الحمام سعا
وإنما الكل في بحر يعوم به.... من البلاء وطير الموت قد وقعا
ولم يولوا ولا وليت منهزماً.... وكلهم ذاق من كأس الردى جرعا
ولم أضن بنفسي من مصادمة.... الموت الزؤام ولكن القضا دفعا
بل قد رميت بها في جحفل لجب.... وبالجواد ولم أضمر بها فزعا
فذدتهم عن دخول الباب إذ عزموا.... عن الدخول فكلَّ منهم رجعا
حتى إذا جاء من خلفي ومن قبلي.... عساكر تحمل الأنصاف والقطعا
فأمسكوا الرمح من خلفي مغادرة.... والسيف قد أمسكوه والجواد معا
وكنت في موضع مستعصبٍ حرجٍ.... لم ألق فيه لسعي الطرف متسعا
لم تبق لي حيلة في الدفع عن أحد.... منهم وألقيت فوق الأرض منصرعا
ثم انتهيت إلى سوح به ملك.... يحل بيتاً من العلياء مرتفعا
فجاد بالعفو والإحسان شيمته.... وكان للخير والمعروف مصطنعا
إني أقول ونار الحزن في كبدي.... سقياً ورعياً لعهد منهم ولعا
ورحمة الله لا تفنى مكررة.... عليهم ما خفى برق وما لمعا
هذا عزائي لكل المسلمين فمن.... يبلغه عني فربي حاطه ورعا
ثم الصلاة على المختار من مضر.... وآله السادة المحيين ما شرعا(2/232)
وهذا جواب الأمير الكبير شرف الدين الحسن بن يحيى الأشل الهدوي أحببت ذكره هنا؛ لما تضمنه من حال تعظيم الإمام إبراهيم بن تاج الدين، ووصف طرف مما جرى له في الوقعة؛ لأن جميع ذلك لا يخلوا من فائدة عائدة، ونكتة زائدة:
نظم ألم فهاج الوجد والجزعا.... وجرَّع النفس من ماء الأسى جرعا
جاءت به نحونا الركبان قاصدة.... بمثله ما روى راوٍ ولا سمعا
أهدي إليّ فطارت مهجتي فرحاً.... شوقاً إلى صاحب (المُلْقَى) وما سجعا
فقلت أهلاً وسهلاً بالنظام ومن.... أهدى النظام ومن أنشاه وابتدعا
حتى تبينت معناه ومعرضه.... فكادت النفس تقضي نحبها جزعا
وخامر الجسم من تلقائه ألم.... حقاً وانسار في أحشائه وجعا
وجاش جيش الأسى في القلب وافترق الـ.... ـصبر الجميل وكان الصبر مجتمعا
وفارق النوم طرفاً كان يألفه.... وصد صداً مبيناً عنه وامتنعا
وكلما بعث التذكار لي شجناً.... أورى الحرارات والأحزان والولعا
وعمت في بحر شوق ماله أمد.... ما قلت تخفض لي أمواجه رفعا
وصرت في حيرة مما أكابده.... كأنني قد سقيت الصاب والسلعا
ألقى من الأمر ما لا أستطيع فلو.... يكون ما بي بصخر لان وانصدعا
من أجل ما نال مولانا وسيدنا.... الألمعي الأبي الطاهر الورعا
العالم العلم المحمود من علقت.... به الأماني والآمال مذ رضعا
محض الشمائل لا يرضى بمنقصة.... ولا يُرى أبداً في عرضه طبعا
إمام حق دليل الخير قائده.... على الشريعة إن أعطى وإن منعا(2/233)
إناّ لنعرف فيه كل مكرمة.... تؤدَّ كل كريم الخيم مذ يفعا
علماً وحلماً وعقلاً راسخاً ونداً.... وربط جأش إذا داعي الحروب دعا
وإن طغى الحرب لاقاه بعزمة ذي.... بأس يرد جماح الخطب مختضعا
أو شد دهر على أهليه فرّجه.... وكان منتجعاً رحباً لمن نجعا
أو ضاق أمر فلم تعرف مسالكه.... أنحى عليه صليب الرأي فاتسعا
أو عز أمر جسيم فاستغثت به.... يوماً لغمته أو دفعه دفعا
وإن طرت بين أهل العلم مشكلة.... جلَّى وبيَّن معناها لمن سمعا
مهذُّب نبوي ماجد نجد.... مقدم علوي طار أو وقعا
سمت به همة في المجد عالية.... فطاب مرأى على الدنيا ومستمعا
مولاي، مولاي حقاً لا أفوه بها.... زوراً ولا ملقاً يوماً ولا طمعا
يادرة التاج، بابن التاج من شهدت.... بفضله فضلاء العالمين معا
عزّ عليَّ الذي أصبحت فيه ولا.... أستطيع دفعاً ولا ألقى له شفعا
لو كان يقبل مني الروح جدت به.... والآل والمال لا ألقى بذا ضرعا
ولا أراجع حساً في الرجوع إذا.... ذو فدية حاد يوم السؤم أو رجعا
أما الأسار فأمر لا يعاب فلو.... رمت الفرار وجدت النهج متسعا
لكن عملت بما جاء الكتاب به.... حقاً وأحييت ما أحيا وما شرعا
فجدت بالنفس يوم الروع محتسباً.... في (أفق)لم تهب الأنصاف والقطعا
فدافع الله عنك الشر تكرمةً.... ولا فوات لأمر منه قد دفعا
وكان من لطف ربي أن أسرت إلى.... من لم يزل للخصال الغر متبعا(2/234)
الفاضل الكامل المحمود شيمته.... الأوحد الأكرم الوهَّاب ما جمعا
ما زال يولي ذوي الآمال منه ندا.... جماًّ ومازال للإحسان مدَّرعا
من آل غسان أرباب الملوك فلو.... تلقى إليه أمور الناس لاتسعا
إن قسته بملوك الأرض فاقهم.... فضلاً وكانوا لأدنى فضله تبعا
أولاك ما كان من عفو ومن كرم.... تقبل الله ما أولى وما صنعا
سارت بذاك له في الأرض مكرمة.... ومفخر ما بدا نجم وما طلعا
وتركت من وسطها أبياتاً ميلاً إلى الاختصار، وجئت بآخرها رعاية لحق العترة الأطهار، قال:
هذا جوابي لمن قد قال مخترعا.... خطب ألم فأنساني الخطوب معا
فمن يبلغ نظمي نحو صاحبه.... أعزه الله قاضي حاجة ورعى
وحاطه وتولاه وكان له.... محمد المصطفى من أفضل الشفعا
صلى عليه إله العرش ما طلعت.... شمس ومهما خفى برق وما لمعا
ويتلوها جواب على وزنها لبعض أهل ذلك الوقت:
أهلاً بطرس علينا نوره طلعا.... نظماً ونثراً بطرس واحد جمعا
من أفضل الناس من عرب ومن عجم.... وخير داعٍ إلى الدين الحنيف دعا
خليفة الله من أحيا لنا سنناً.... ومن أمات لدينا سعيه بدعا
مهذباً نجل تاج الدين أشرف من.... أقنى وأفنى ومن أعطى ومن منعا
الباسط الكف للعافين باذله.... إذا السحائب ضنت جاد واندفعا
كهف الطريد إمام العصر سيدنا.... أعز من بالهدى والحق قد صدعا
رثَّى رجالاً أصيبوا فالقلوب على.... ما نالهم ذهبت من أجله قطعا(2/235)