[ذكر ابن المعثور]
[الفائدة الثالثة] : وأما ابن المعثور فهو: الذي بنى حصن عفار وغيره، وحصن عفار هذا مشهور في نواحي الغرب قريب من ميتك، وقد تقدم أن أناساً اعترضوا على الإمام الحسن بن بدر الدين بانضوائه إليه لزعمهم أنه من جملة الظلمة، وقد وقعت أنا على شعر للأمير عز الدين بن شمس الدين بن الإمام المنصور بالله يرد في هذا الشعر على الإمام الحسن المذكور، فقال من جملته:
لمال ابن المعثور كان هذا.... وللأحداث ما جمع الغبيُّ
مضى لاغارة شبت بثغر.... ولاكسر القنا أنف حميُّ
ولكن النساء سمنَّ فيه.... وزينها الغلائل والحليُّ
فأجابه الأمير المهدي بن تاج الدين بقصيدة طويلة قال فيها:
ومال ابن المعثور كان فيه.... لنا في حربكم غرض سنيُّ
ولم يبذله سيف الدين إلا.... لنصر الدين وهو الأريحيُّ
ومهما قيل أقصر عن عطاء.... أتى منه العطاء البرمكيُّ
ومن هذه القصيدة يشير فيها إلى أنهم قتلوا يحيى بن الإمام أحمد بن سليمان وولده، وغيرهما من بني الهادي -عليه السلام-:
قتلتم فارس الفرسان يحيى.... ويحيى قد علمت القسوريُّ
وصفوته علي قتلتموه.... وصفوة جعفر دمه طريُّ
ثلاثة أنجم زهر أبوهم.... إذا عدَّ الفخار مطهريَّ
وذكر أبياتاً بعد هذه الأبيات فيها طرف شتم، وأنا أكره حكايات الشتم الذي يجري بين العترة المطهرين؛ لمحبتي لهم أجمعين، وبتمام الكلام على سيرة [الإمام] الحسن بن بدر الدين يقع الشروع في ذكر طرف من أحوال ابن تاج الدين.(2/226)


[أخبار الإمام إبراهيم بن تاج الدين - عليه السلام-]
وفي ابن تاج الهدى المهدي قد حكمت.... في يوم أفق بما يهوى أبو عمرِ
وخانه من إليه كان مرتكناً.... حتى المظفر منه فاز بالظفرِ
المراد بالمذكور هنا هو: الإمام الأسير، ذو الوجه المنير، والعلم الغزير، المهدي لدين الله: إبراهيم بن تاج الدين أحمد بن بدر الدين محمد بن أحمد بن يحيى بن يحيى، كان قيامه بعد موت عمه الحسن بن بدر الدين، أول يوم من ذي الحجة سنة سبعين وستمائة سنة للهجرة، وانتظم له الأمر بعض الانتظام، وبايعه علماء وقته من أهل البيت و[من] غيرهم.
قالوا: واعترض له الفقيه ابن البناء من أهل الظاهر وسكان ظفار، وجاهره بما يسوءه من القدح والذم والوقيعة في العرض، فحلم عنه الإمام -عليه السلام-، والقصة مشهورة في (كاشفة الغمة) لحي السيد العلامة الهادي بن إبراهيم بن المرتضى، ثم اعترضه أيضاً جماعة من شيعة الظاهر، فتولى جواب الاعتراض الأمير الصدر العلامة المؤيد بن أحمد، وكان قائلاً به ومعظماً له.(2/227)


قالوا: ولما توفي الإمام بتعز كما سيأتي أوصى إلى المؤيد المذكور، وكان من جملة وصيته: (يا مؤيداه، يا مؤيداه)، فلما بلغ ذلك [الأمير] شَّمر عن ساق الاجتهاد، وخلص الإمام عماّ أوصاه به ونفَّذ وصيته، هكذا حكاه [حي] السيد العلامة الهادي بن إبراهيم في (كاشفة الغمة)، وقد أخبرني بمعنى ذلك مشافهة مولانا أمير المؤمنين عز الدين بن الحسن بن أمير المؤمنين، وزاد بعد لفظه: يا مؤيداه، [يا مؤيداه]، يا مطهراه، يا مطهراه)، يعني بذلك الإمام المطهر بن يحيى –عليه السلام-، ولم يزل –عليه السلام- قائماً بأمر الله أحسن قيام، حتى أسره السلطان المظفر يوسف بن عمر بن علي بن رسول (التركماني) [في] يوم الجمعة في نصف شهر جمادى الأولى من سنة أربع وسبعين وستمائة في أفق من مغارب ذمار، على نحو فرسخين أو ثلاثة؛ لأنه لما انهزم عسكره هناك، ونهبت محطته بما فيها، وكان الذي تقدم لحربه أمير يقال له: الشعبي في جماعة من الغز فأحاطوا بالإمام في أفق، وتبعهم السلطان في عساكر كثيرة، فانهزم عسكر الإمام كما تقدم، فثبت الإمام، وثبت معه بعض الأشراف ثباتاً حسناً، وكان جل عسكره أخواله الأشراف بنو سليمان بن موسى الحمزيين، فبذل لهم السلطان مالاً جزيلاً، فيقال: إنهم خدعوا الإمام وخذلوه حتى أسر، والوقعة مشهورة، ومات –عليه السلام- في سجن السلطان بتعز، وقبره هناك مشهور مزور؛ لأنه توفي هناك في شهر صفر سنة ثلاث وثمانين وستمائة سنة، وله عقب، وأمه زينب بنت الإمام المنصور بالله –عليه السلام-، وقد قيل: إن الذين خدعوه وعناهم بشعره الآتي ذكره هم أخواله إخوة أمه،(2/228)


والله اعلم أي ذلك كان، وهذا الشعر يصف فيه الوقعة التي أسر فيها، ويذكر ما كان منه ومن عسكره، وخديعة من خدعه من أعوانه قال -عليه السلام-:
نوائب الدهر في أفعالها العجب.... والحرب لفظ ومعنى لفظه الحربُ
والدهر إن سر يوماً في تصرفه.... فعن قليل إذا ما سر ينقلبُ
وقد رمتني صروف الدهر عن كثب.... بأسهم ماضيات عندها العطبُ
فلم تجدني جباناً عند تطرقني.... ولا جزوعاً لدى البأساء أنتحبُ
بل صادفتني قوي القلب إن طحنت.... رحى الهياج فإني للرحى قطبُ
ورب يوم تغيب الشمس قسطلة.... فتظلم الشمس حتى يتَّضي القضبُ
صبرت فيه على البأساء محتسباً.... لله إذ كان مثلي فيه يحتسبُ
كيوم حدة والأبطال عابسة.... من الهزاهز والشعبي مضطربُ
حتى إذا خان بعض الأهل موثقه.... وغرَّه فضة السلطان والذهبُ
أبدى شقاقاً وأخفى منه معظمة.... وجاءنا الغدر لا من حيث نحتسبُ
فملت بالكره لا جبناً ولا جزعاً.... إلا لإحياء ما جاءت به الكتبُ
كيوم أفق وقد جاء المظفر في.... عساكر جلها الأتراك والعربُ
فلم أحم عن لقاء الأسد إذ نزلوا.... ولا هربت مع الأبطال إذ هربوا
بل صلت فيه على الآساد منتضياً.... عزماً كعزم هزبر الغيل إذ يثبُ
وتحت سرجي وقاح حين أحفزها.... تخالها كوكباً في الجو ينقضبُ
فما أطاقوا لقائي إذ دلفت لهم.... بعاسلٍ كرشاء البئر يضطربُ
حتى إذا صرت مشغولاً بجمعهم.... وجاء من خلف ظهري عسكر لجبُ(2/229)


نالوا بأيديهم رمحي على غرر.... فأمسكوه وسيفي بعده جذبوا
ولم أجد عنهم مثنى ومتسعاً.... فأحفز الطرف عنهم ثم أنقلبُ
لكنهم رصدوا لي كل ناحية.... فحين خفَّ اشتغالي عنهم وثبوا
ولو يكون قتال القوم من جهة.... لكان للخلق في أفعالي العجبُ
فإن غلبت فما هذا بمبتدع.... فكم بهاليل غلابون قد غلبوا
وبعد ذلك جاءوا بي إلى ملك.... له المفاخر والعلياء مكتسبُ
أبو الهزبر نقي العرض من دنس.... وباذل المال لا زور ولا كذبُ
فكان منه من الإحسان ما شهدت.... بفضله فيه عجم الناس والعربُ
فمن يبلِّغ عني كل من سكنت.... قلبي محبته أو بيننا نسبُ
أني على خفض عيشٍ في منازله.... لا يسكن الضيم في قلبي ولا التعبُ
فليشكروه فإني اليوم شاكره.... سراً وجهراً وهذا دون ما يجبُ
وقال -عليه السلام- وهو في حبس المظفر، وكتب بها إلى بعض القضاة آل أبي النجم إلى صعدة، ما لفظه:
لآل أبي النجم الكرام مكارم.... تحل محل النيرات الثواقبِ
لهم عادة بذل النوال إذا سطت.... يد الدهر وانسدت وجوه المطالبِ
ونشر فنون العلم في كل مشهد.... إليهم له تحدو قلاص الركائبِ
وإخلاص دين للإله وعفة.... وفعل وقول صادق غير كاذبِ
حتى قال:
وإني إليكم للمظفر شاكر.... عفا وحباني بعده بالمواهبِ
فكل هوى أهواه غير مؤجل.... من الدين والدنيا وكل مطالبِ
سوى رؤية الأحباب والعذر بيِّن.... له ما جرى من أسرتي وأقاربي
هم رهنوا أولادهم وبناتهم.... وقاموا عليه بعد قومة غاضبِ(2/230)

126 / 205
ع
En
A+
A-