فجوابه: أنه إذا ثبت حصول المنكر في جهاتكم وغيرها، فإزالة المنكر واجبة مع الإمكان، والمنكِّر لها مثاب، ثم نقول: حرب البغاة أفضل من حرب الكفار؛ لأن البغاة في دار الهجرة وتنزيهها أولى من ديار الكفر، وقد ذكر المرتضى والمؤيد والمنصور بالله، والسيد عبد الله بن موسى بن عبد الله بن الحسن بن الحسن في كتابه إلى المأمون، وقد روي عن إمامكم ابن وهاس هذا مثله، وتحريضه للناس على قتال أصحابه الحمزيين المحاربين للإمام المهدي، وقد جرى في وقتكم هذا ما يوجب البداية بحربكم، وأما إلزامكم بثبوت إمامة صاحبكم عنده بإقراره بالبيعة، فمجرد البيعة لا تدل على صحة الإمامة؛ لأنها تجوز لأمور.
قال الأمير الحسين: وصورة بيعتي لابن وهاس أني قلت: أشترط عليك شروطاً: [العمل] بالكتاب والسنة، ولا يأخذ بنو حمزة أحداً بأغراضهم، وأن يفعل ما يجب على السابق للمسبوق، وأن يفعل ما يجب على المسبوق للسابق، فلم تمض ثلاثة أيام حتى نقض ما شرط.
قال الأمير الحسين: ثم إنه ما يقول بإمامة إمامكم إلا شريك في قتل المهدي كابن فلان وابن فلان، وإلا فأهل الشام لا يخرج منهم غير عطية، ثم هلمَّ جراً إلى مكة والمدينة، وهكذا علماء اليمن كافة، بل يقضون بسقوط عدالتكم.
قال الأمير الحسين: وأما قولكم: بايعنا لابن وهاس فاحتج الناس بنا.
فالجواب: أنّ من بايعه على ما ذكرنا، وأما أناّ دعونا الناس، فهم يعلمون أنا فارقناهم من صعدة، ما دعونا أحداً إلى إمامته، ولم تقم في جهاتنا جمعة منذ قام حتى قام [الإمام] المنصور الحسن بن محمد.(2/221)
وأما قولكم: إمامكم يدعونا إلى المراجعة، فنحن قد دعوناه فلم يجب، وكيف إمامة من لم يحجزه ورع عن المحرمات، وبلغني أنكم تقولون: إن الحسين بن محمد لا يقول بإمامة أخيه الحسن بن محمد، ولهذا توقف عن نصرته، ولو صحَّ قولكم لأظهرته للناس، والذي أرويه لمن بلغه كتابي هذا والله على ما أقول وكيل وشهيد: إني أعتقد صحة إمامته بالدليل، وأنا أعرض من نفسي المناظرة على صحة إمامته، وبطلان إمامة ابن وهاس، ولولا المرض الحاصل، والعذر الذي يعرفه [من عرف حالي]، لما تخلفت عن الخروج معه، فقد خرجت معه الكرة الأولى، حتى بلغت حيدان، وعلى كل حال فأنا أنصره بما أستطيع، وقد قال الصادق جعفر بن محمد -عليه السلام-: قائمنا لقاعدنا، وقاعدنا لقائمنا، ولو خرجنا جميعاً لقتلنا جميعاً، ولو قتلنا لباد الدين، وبطل الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، هكذا رواه عنه العلماء. انتهى.
وهذه أبيات حسنة من شعر الإمام الحسن، وهي:
إنّ الأمور إذا اشتدت مواقعها.... فإنّ شدتها تدني إلى الفرجِ
أما نظرت إلى ما قيل في حِكَمٍ.... وكلما امتحنت ذا فطنة حَجِجَ
من النبوة شدي أزم تنفرجي.... فما عليه إذا ماغم من حرجِ
وكل من سدّت الدنيا مذاهبه.... فاصبر عليها ولو سارت على المهجِ
لكنها حكم يقضي الحكيم بها.... إلا وكانت له في الدهر كالسرجِ
إن الشدائد ما مرت على رجل.... كانت له حججاً ناهيك من حججِ
وكانت وفاته -عليه السلام- سنة خمس وسبعين وستمائة في هجرة تاج الدين برغافة، وقبره الشامي من الثلاثة القبور التي في المسجد.(2/222)
قال حي السيد العلامة صلاح بن الجلال : وأظن أن عمره يقارب الثمانين.
تنبيه: قد عرض في أثناء ما تقدم ذكر الأمير شرف الدين الحسين بن محمد بن بدر الدين، وذكر ابن وهاس، وذكر ابن المعثور، فلتقع الإشارة إلى ذكر طرف من شأن كل واحد على وجه الاختصار، وكذلك نذكر ثلاث فوائد:(2/223)
[ذكر الأمير الحسين بن بدر الدين محمد - رضي الله عنه-]
الفائدة الأولى: في ذكر الأمير الحسين بن محمد، فهو من أعلام العترة الميامين، ومن علمائهم المبرزين، وعلمه أكثر من أن يوصف، ومعرفته أشهر من أن تعرف، فله من التصانيف ما يدل على علمه الغزير، حتى قيل: إنه أبو طالب وقته، صنّف في الفقه كتاب (المدخل)، وكتاب (الذريعة)، و(التقرير)، ستة أجزاء، و(شفاء الأوام) أربعة أجزاء، مات وما قد كمل، وكمله الأمير صلاح بن الإمام إبراهيم بن تاج الدين، وللأمير الحسين في أصول الدين كتاب، وأما الرسائل والأجوبة فكثيرة منطوية على علم غزير، وله (ثمرة الأذكار في أحكام حرب البغاة والكفار)، كانت وفاته بعد قيام أخيه، وذلك إما في سنة اثنتين أو ثلاث وستين وستمائة، وعمره نيف وستون سنة.(2/224)
[ذكر الحسن بن وهاس]
الفائدة الثانية: في ذكر وفاة ابن وهاس بن أبي وهاس بن محمد بن حسين بن حمزة بن أبي هاشم الحسن بن عبد الرحمن، وهو النفس الزكية، وقد تقدم طرف من ذكر النفس الزكية في تدريج نسبه إلى علي –عليه السلام-، وقد تقدم أيضاً طرف من أحوال ابن وهاس هذا، في موضع من ذكر سيرة المهدي أحمد بن الحسين، وأنه عارضه وناصبه، وما آل إليه أمره من بيعة أولاد المنصور وغيرهم له، حتى توفي [في سنة] [بياض في المخطوطة أ ص 199].(2/225)