على ابن وهاس وشيعته، قال فيه: فإن قيل: فإن الإمام المنصور الحسن بن محمد قد بايع ابن وهاس، ثم أبطل إمامته، وادعى الإمامة لنفسه، فالجواب: إنَّا قبل ذلك نتكلم في بطلان إمامة ابن وهاس، وفي بيعة المنصور له، وفيما ادعوه من قوله فيه: حسن بن وهاس يصلح للإمامة، واعتراضهم في دعوته [في خلال ذلك]، فأما بطلان إمامة ابن وهاس، فالأصل في دماء المسلمين وأموالهم الحظر عقلاً وشرعاً، وقد علمنا ومن جرى مجرانا أن ابن وهاس ثلم ورعه قتله للمهدي بغياً؛ لأن المعلوم أنه حين عزم أصحابه على حرب المهدي –عليه السلام- لبس عدته وركب و صف مع أصحابه، وقد قال النبي ً: ((من كثر سواد قوم فهو منهم))، ولما عدل المهدي عن الحرب وأراد أن ينزل حالوا بينه وبين النزول وحاربوه، فلما قتل نزل ابن وهاس عن جواده ووقف بين الصفين وصلّى ركعتين، قال الأمير الحسين: وقد قال وأنا أسمع: أنا قتلت هذا الشريف ولا أكتم، وقال في كتابه إلى العلماء: ومن لكم بإمام كان على يديه قتل من رقَى إلى الخلافة، قال: فقد سقط ورعه إجماعاً ما لم يتب، قال الله تعالى: {وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ}[آل عمران:21]، والمهدي كان ممن يأمر بالقسط، وقد عطف تعالى قتل الآمرين بالقسط على الكفر، وعلى قتل النبيين، فدل على أن كل واحدة [منهنَّ] محبطة للعمل لولاه لما عطفهنّ، وقد احتج بعض العلماء على أن قتل الإمام كفر، بما جاء في التفسير: أن النفس إمام الحق، في قوله تعالى: {أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ(2/216)
فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً}[المائدة:32]، لأن فيهم الأنبياء، وقتلهم كفر بيقين، [وبه] قال البستي، وأما السنة قوله : ((لا يزال المرء في فسحة من دينه ما لم يصب دماً حراماً )) ولو لم يكن المهدي إماماً فهو من ذرية النبي ً، وقد قال فيهم: ((وقدموهم… الخبر حتى قال: ولا تشتموهم فتكفروا )) قال الإمام المنصور [بالله] عبد الله بن حمزة: فقضى بالضلال على من خالفنا، والكفر على من شتمنا، وقد قال ً: ((حرمت الجنة على من ظلم أهل بيتي وقاتلهم والمعين عليهم ومن سبهم)).
قال المنصور بالله عليه السلام : أتدري من المعين عليهم؟ ألا إنه الخاذل لهم، قال: ومن المعلوم أن من آذى الرجل في بهائمه يكون من أعدائه، فكيف من آذى أولاده؟!
قال الأمير الحسين: وهذه صفة ابن وهاس، فإنه دعا إلى قتال المهدي وكثّر سواد قاتليه وأعانهم، وقد قال علي –عليه السلام- في قتيل: (لو تمالأ على قتله أهل صنعاء لقتلتهم به )، ولم ينكر عليه الصحابة.
قال: وقد تمالأ الحمزيون على قتل المهدي –عليه السلام-.
وأما الإجماع فظاهر في تحريم دماء المسلمين وأموالهم إلا بحقها، فلا أصل لإمامته، وقد فعل هذه الكبيرة، وسار في مدة ولايته أقبح سيرة.
وأما بيعة الحسن بن محمد [له].(2/217)
فجوابه: أن البيعة لا تدل على الإمامة، بايع علي –عليه السلام- ثلاث بيعات لغير إمام خشية انشقاق العصا، قال تعالى: {لاَ يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ }[آل عمران:28] إلى أن قال : {إِلاَّ أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً }[آل عمران:28]، فإذا جاز ما ظاهره الموالاة تقية، فالبيعة أجوز، ولا سيما مع عدم الناصر، دليله أن العباس عرض البيعة على علي [–عليه السلام-] فقال: (لو كان حمزة حياً وجعفر لفعلت)، وللإكراه عليها ممن يخشى سيفه وسنانه قال تعالى: {إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ ] }[النحل:106]، وأيضاً فإنه إذا كان تحت رجل ممن يمونه نفوس كثيرة، ولا يجد لهم قوتاً إلا من بلد فيها منتصب للإمامة ولا يصلح لها، ولا يمكن الرجل شراء الأقوات إلا بالبيعة للمنتصب جازت، ويدخل تحت قوله تعالى: {إِلاَّ أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً }[آل عمران:28]، وأيضاً فإنها تجوز البيعة على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ولو لكافر، وأما قولكم: هل عقل أو شرع يبيح أن يتخذ ابن المعثور خاصة له؟
فجوابه: أناّ نقول: نعم، فالعقل قد أباح أن ينتصر الإنسان بمحق أو مبطل.
وأما الشرع: فإن الله تعالى ألزم الناس كافة فرض الجهاد كما تدل عليه الظواهر، فتجوز الإعانة بمن استعانه، لاسيما مع إظهار التوبة، وقد استعان النبي ً يوم حنين بالكفار، وتقوّى بالمنافقين.
وأما قولكم: ليس معه درهم حلال ولا مدُّ.(2/218)
فجوابه: إن ذلك منكم تحكَّم، فقد علمنا أن له شيئاً من الزراعات والتجارات، وقد أخرج زكاة ثمرة واحدة مائة وخمسين مُداًّ من ألف وخمسمائة مدٍّ، ثم إنه صرف كل ماله مراراً من حصن وغيره إلى نائب الإمام المهدي، ثم وهبها له المهدي، وقد أعطانا منها ما أعطى، ومكَّننا من الباقي، وقال: أنفقوها في سبيل الله، فإن تمكنتم فضموني، ثم ما وجه سبِّكم له وكلامكم [عليه]، وقد أحسن إلى كثير منكم، وأطعم الطعام من لاذ به في الشدة كل يوم ستمائة نفس فدون، وأسلف من يليه من ميتك، وبني شاور حباً بحب، وباع على سعر واحد وكان يشترى منه، ثم يباع حينئذٍ بزيادة الثلثين، ورهائنكم عنده وغيرها، فجازيتموه بإحسانه سباًّ، ثم يقال: إن أموال كباركم كسبت بحلال وحرام، ولهذا ترك حسن بن وهاس الأكل من مال أبيه.
وروي أن منكم من أكره الناس على بيع أموالهم منه، حتى أن بائعاً رأى جربة باعها مكرهاً قد أصعفت فسقط ميتاً، ولإنا استنصرنا به وقد تاب، وأنتم تستنصرون بأهل الطنبور والرباب، وإذا وقع تمكين كتب إمامكم: {نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ }[الصف:13]، والله يقول: {لاَ يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ}[آل عمران:28].(2/219)
وأما قولهم: إن الإمام الحسن قال: إن ابن وهاس يصلح للإمامة، فقد تعرض للإنسان شبهة فيعمل على صحتها زماناً، ثم ينظر فيها على الوجه الصحيح، فيقع العلم [له] ببطلانها، على أناَّ لا نشترط عصمة غير علي –عليه السلام- وابنيه، ثم إناّ نقول: إن ابن وهاس قد قال بإمامة المهدي زماناً، وأسِرَ في نصرته كرتين:
كرَّة باليمن، وكرَّة بصعدة، وكان يلزم الناس مناصرته، ثم جمع عليه الأشقياء، فقتلوه شرَّ قتلة، ومثَّلوا به أشنع مثلة، فما كان عذركم فهو عذره.
فأما دعاؤه بعد ابن وهاس فما فيه خطأ ولا زلل؛ لأن إمامة ابن وهاس منهدمة الأساس، والخروج عليه جائز، بل واجب؛ لأنه شقّ عصا الإسلام، وفرَّق جمع المسلمين، وقد قال ً : ((من شق عصا المسلمين فقد خلع ربقه الإسلام من عنقه))، وقال ً: ((إذا خرج خارج يريد أن يشقَّ عصا المسلمين وتفريق جمعهم فاقتلوه)).وما استثنى أحداً.
ومن جواب آخر للأمير شرف الدين الحسين على شيعة ابن وهاس.
وأما قولكم: إن في بلاد خولان وفي التهائم مناكير، فلو كان قيامكم لله لبدأتم بإزالتها.(2/220)