وقال رجل آخر: كناّ بعرفة فإذا برجل محلوق [الرأس] متزر بشيء رقيق، ملتحف بمثله،فسألنا عن بلادنا؟ فقلت: أنا من أهل اليمن [الأسفل]، فقال: هنيئاً لكم!! يا أهل اليمن يقوم في هذه السنة عندكم قائم الحق، فقلت: ليس هناك أحد يومى إليه بالإمامة، فقال: هو خامل الذكر، فرجعنا وقد قام الإمام في صفر، وحكي أنه وجد في كتاب عن النبي ً في المهدي: ((يواطئ اسمه اسمي، واسم أبيه اسم ابني ))، وأشار إلى الحسين -عليه السلام-، وفي (شمس الأخبار) : أنه أقنى الأنف، أجلى الجبهة، يملك سبع سنين أو تسع، وهذه من صفاته-عليه السلام -.
قال منصور بن ورقاء: كنا نقوم بظهر في الليل ونحن جماعة فما يبصر أحد منا وجه صاحبه إلا الإمام المهدي فنبصر وجهه.
قالوا: ولما دخل صنعاء في مدة حكمه ملأها قسطاً وعدلاً، وكان فيها ضدهما، وكثرت في تلك المدة الخيرات، قال بعضهم: كان الحشيش في قاع صنعاء يبلغ سرة الإنسان، ورخص كل شيء، وكان -عليه السلام- كما قيل فيه:
أقام الدين في شرق وغرب.... وأغنى بالعطايا الوافدينا
وجاد وعاد بالمعروف دهراً.... وعشنا في مكارمه سنينا(2/211)
[ذكر أحمد بن محمد الرصاص]
وأما قول السيد صارم الدين: وسامت الشيخ من حوث مهاجرة.. البيت، فأراد به: أحمد بن محمد الرصاص، فإنه بايع المهدي -عليه السلام- وناصره، وزوَّجه ابنته.
قال السيد فيما نقلته من خطه: ثم إن بعض ولاة الإمام طلب فطرة من رجل يختص بالرصاص، فخرج [منها] مهاجراً إلى جبل الحرام في خمسمائة من الأشراف والشيعة، فيهم حد من اسمه علي سبعون رجلاً، وكان من جملتهم: حسن بن وهاس، نافر الإمام -عليه السلام- لغير سبب إلا أن الإمام أمره إلى الشيخ ومن خرج معه، فاستغروه، وقالوا: نبايعك فأنت بهذا الأمر أحق منه، فبايعهم.
قال السيد: فحكي أنه لما قتل الإمام -عليه السلام- كما تقدم نزل عن جواده، وصلى ركعتين، وقيل: إنه تبرأ مما أجمع عليه الأشراف [من قتل الإمام عليه السلام]، والله اعلم أي ذلك كان، وعلى الجملة فهي زلة كبيرة، فظيعة، وخطة قبيحة شنيعة، ارتكبها من هذا الإمام أولئك الشيعة، فإنَّا لله وإناَّ إليه راجعون.(2/212)
قالوا: ولما قتل [الإمام] المهدي -عليه السلام- بقيت الحصون في أيدي أهلها حتى دعا ابن وهاس وسلم الظاهر وصعدة، وفي رواية: أنهم قسموا بلاد الإمام المهدي نصفين له نصف، ولأولاد المنصور نصف، وفي خلال ذلك ندم كثير ممن خذل المهدي، وكان كثير من أعدائه يرحم عليه، وعظمت الكراهة لابن وهاس، وخالفه أصحابه، فحلفوا لشمس الدين بن المنصور، فلما مات في ربيع الآخر من هذه السنة، ومات أخوه موسى بعده بشهرين، حلفوا لأخيه موسى، فلما مات حلفوا لأخيه داود، ومات في سنة أربع وثمانين وستمائة، ولم يبق لابن وهاس نهي ولا أمر، وظهرت المنكرات، وقبض أولاد المنصور الزكاة لحصونهم، وعجز ابن وهاس عن منعهم، فلما رأى الأمير شرف الدين الحسين بن محمد، وأخوه الإمام الحسن بن بدر الدين ذلك، وما ظهر من البدع دعواه مراراً للمراجعة في أمور الدين فلم يجب، فدعواه إلى الاعتزال فلم يجب، فدعواه إلى المناظرة فامتنع، فحينئذٍ دعا الإمام الحسن بن محمد كما سيأتي، وكان ابن وهاس يخطب لنفسه في صعدة والظاهر، ثم وقع بينه وبين داود بن المنصور حرب أسر فيها ابن وهاس؛ لأنهما لما افترقا قصده ابن وهاس إلى ظفار ليحاربه، فخرج الأمير داود، فالتقوا بعصافر من بلاد وادعة، فانهزم عسكر ابن وهاس، وثبت ثباتاً حسناً، فلزم وأقام في سجن الأمير داود عشر سنين، ثم أخرجه بعد ذلك حين حط الشعبي على ثلا، وأخذ التعبرة ورتب فيها، وسار موسى بن رسول وغيره مع عز الدين بن شمس الدين، فحطوا على تلمص، وتضايق الأمر فاجتمع الأشراف والعلماء على داود بن المنصور ورجحوا له إخراج ابن وهاس للنصرة به(2/213)
على رفع هاتين المحطتين، فأخرجه على كره منه، ثم وقع التنفيس على الحصنين المذكورين، وقول السيد صارم الدين:
ضحوا بأشمط يستسقى الغمام به.... قد بايعوه وكانوا أخسر البشر
مأخوذ من قول حسان بن ثابت، في عثمان بن عفان:
ضحوا بأشمط عنوان السجود به.... يقسم الليل تسبيحاً وقرآنا
وكذلك قول السيد:
فخضبت شيبة لابن الحسين
صدره من قول صاحب البسامة:
فخضبت شيب عثمان دماً
وعجزه من قوله أيضاً:
وألصقت طلحة الفياض بالعفر
ووجدت في بعض التواريخ ما لفظه: وتواترت الأخبار أن التتر من الترك قتلوا خليفة بغداد العباسي في اليوم الذي قتل فيه أحمد بن الحسين، واسم هذا الخليفة: المعتصم بن الناصر العباسي، واستولوا على بغداد، ووضعوا السيف في الناس أياماً، فزال ملك بني العباس بعد مضي خمسمائة سنة، والتتر هؤلاء: قوم من الترك الكفرة، خرجوا من أقصى المشارق، فأهلكوا أكثر بلاد الإسلام، وسيأتي طرف من أخبارهم على وجه الاختصار في آخر هذا الشرح عند ذكر البيت الذي ذكرهم فيه السيد صارم الدين.(2/214)
[أخبار الإمام الحسن بن بدر الدين -عليه السلام-]
قوله:
ولم تمد بإحسان إلى حسن.... كفًّا وقد رام منها كفّ كل جري
المراد بحسن هنا: هو الإمام المنصور الحسن بن بدر الدين، وقد تقدم ذكر أبيه، كان الحسن هذا من أعيان العترة علماً وفصاحة، وخطابة، وتصنيفاً، وله تصانيف في أصول الدين، وكتب العربية، وأجوبة ورسائل، ومما صنَّفه: كتاب (أنوار اليقين في شرح فضائل أمير المؤمنين)، فإنه من أبلغ المصنَّفات في هذا الشأن، وهو شرح على منظومة له ذكر فيها أشياء عجيبة، ومناقب جمة دالة على تقدم علي -عليه السلام- وأولويته بالخلافة على من تقدمه، وأسلوبه في (أنوار اليقين) يميل إلى ما يسترجحه المرتضى والرضي الموسويان، وغيرهما من الأشراف الحسينيين [من] أن الخطأ من المتقدمين على علي -عليه السلام- كان كبيرة، وأن النصّ على إمامته صريح، وقد قال بذلك جماعة من أوائل الزيدية، فقد تقدمت الإشارة إليهم في أول هذا الشرح، فأما أهل زماننا هذا وأكثر قدماء الزيدية فيقولون: إن الدليل على إمامته -عليه السلام- خفي يحتاج إلى تأمل ونظر، وكانت دعوة هذا الإمام الحسن بعد أن استشهد الإمام المهدي أحمد بن الحسين -عليه السلام-، وبعد أن دعا الحسن بن وهاَّس أيضاً؛ لأن المهدي -عليه السلام- استشهد في صفر من سنة ست وخمسين وستمائة، ودعا ابن وهاس في ربيع من هذه السنة، ودعا الإمام الحسن يوم خامس وعشرين من شهر شوال سنة سبع وخمسين وستمائة، ودعا وهو ابن إحدى وستين سنة، وظاهر الكلام أنه قد كان بايع ابن وهاس ثم عارضه، لأني وقفت على جواب لأخيه الأمير الحسين بن محمد(2/215)