فالجواب: أنها حكاية باطلة، وقد كذب القاضي بمحضر جامع فعليه التوبة وأما قولك: التوبة وإن كانت مجزية فلا بدَّ من إذاعتها، ولا يقضى بصحتها إلا بعد خبرة سنة، فلا نسلم الإقدام على معصية لعدم الدليل، وإن كان ليس بمعصوم، والتوبة إما عن اعتقاد فيقضى بصحتها في الحال، ذكره أئمتنا -عليهم السلام-، وإما من فعل، فمنهم من قال: لا بد من اختباره بسنة في معرفة العدالة، والمسألة إجتهادية، فأما قوله: بلغنا أنه كان من التدبير القعود عن القيام في صفر، فغير صحيح؛ لأن هذا عمل المنجمين، والدعوة المباركة ما انشرت إلا يوم الثلاثاء آخر صفر، وقد تزوج علي -عليه السلام- فاطمة فيه، وص بالله تزوَّج بنت هديان فيه، فأما ما يروى عن النبي ً(( من بشرني بخروج صفر ضمنت له على الله بالجنة))، فقد حكى الفقيه عمرو بن جميل، عن شيخه فخر الدين الحسني في معناه وجهاً يقرب وهو أن جبريل -عليه السلام- أخبره أنه يقبض في شهر ربيع، فأحب لقاء ربه. انتهى ما اختير من هذه الرسالة، ويتلوها نبذة من شعر الداعي:
ويا شيعة الهادي إلى الحق هل لكم.... إذا سأل الله العباد جوابُ
رجوتكم أن تنصروا وتعاضدوا.... ونصرتكم لي غيبة وسبابُ
أيعجزكم حمل المواضي لنصرتي.... فأثقل من سيف عصاً وجرابُ
وقد كان في غربان يوم عصبصب.... وفي الجبجب المعمور فهو خرابُ
وله أيضاً:
كان منهم ظربيون مضوا بالضُـ.... ـب ضرباً وطعناً بالعوالي
سل بهم نجران والحقل معاً.... وشباماً وذماراً وأزال
وله أيضاً:
وإني لأعفو عن صديقي إذا جفا.... وأملي له حتى يفيء إلى الودِ
نسيبي الذي يصفي ودادي بقلبه.... وإن لم يكن في حالةٍ جَدّهُ جدي(2/186)


وله أيضاً:
أنا كنز الله في الأرض وما.... قلت في دعواي هذا كَذِبا
وأمين الله في الخلق فهل.... غير هذا أبتغي لي مكسبَا
وإذا صدت مَعْدُّ لم نُلَمْ.... إن دعونا للعلا أبنا سبَا
حمير الشمِّ وكهلان الألى.... كرموا فرعا وطابوا منصبَا
أرجح الناس حلوماً عن يدٍ.... إن رياح الطيش طارت بالخبَا
ركبوا الخيل وراضوها وكم.... حازها غيرهم ما ركبَا
نعلوا الخيل حديداَ وغزوا.... وسبوا بيضاً يكلفن السبَا
ثم شادوا قصر غمدان الذي.... من ديار السعد تأتيه الجبَا
ولهم حظ بإفريقية.... وبوادي الرمل يبدي العجبَا
وله في المنصور [بالله] -عليهما السلام-:
وأحسن منها مدح صفوة أحمد.... إمام الهدى في كفه الحل والعقدُ
تقمَّص بالمعروف واعتَّم وارتدى.... رداء المعالي فالمعالي له بردُ
وله إلى الحسن القاسمي [-رحمه الله تعالى-] :
وفي مكة قام الخطيب لجدنا.... وأدت عمان خرجها وهي تسأمُ
وكان لكم سبعون حصناً مشيداً.... ذُمَرْمَرْ منها دونه الطير حوَّمُ
ومنها ذخار مع ثلا وشهارة.... ومسور منها بالسحاب معممُ
وفي بكر قد كان منكم عصابة.... لهم دون أسباب السماوات سلمُ
وما بالنا يا آل يحيى وقاسم.... نهان ونرمى بالهنات ونهضمُ
وما كان غربان بدار مزلة.... ولا دربنا حتى يُهْدُّ ويهدمُ
وله إلى الأمير المؤيد بالله أحمد بن القاسم:
فلا العيش إلا الوصل والدهر نائم.... ولاعزم إلا مانضاه المؤيدُ
أمير سليمان وتاج فخارها.... وركن علاها في الزمان المشيدُّ
حوى الملك إرثاً عن أبيه وجده.... فما كان في مجد طريف ومتلدُ
فعن قاسم عن غانمٍ عن أبيهما.... وعن حمزة كان الأساس الموطدُ
وما كان إلا نشر أيمن دعوة.... إلى الخلق يهديهم بحق ويرشدُ(2/187)


فعارضها أبناء حمزة عَنوةٍ.... ومالوا إلى الشتوي جهلاً وقلدوا
أترضى بهذا يا سلالة قاسم.... وكشف حريم جدهن محمدُ
وقتل أمير من بني الحسن الرضى.... إمام الهدى جد له ليس يجحدُ
وإنهاب أموال وغصب صوافي.... على ذمم والله في ذاك يشهدُ
هم حسدونا إرثنا من جدودنا.... ضلالاً وأرباب الرئاسة تحسدُ
ثلاثون منا من إمام نعده.... ومحتسب هل فيهم ذاك يوجدُ
أبونا الرضى الهادي إلى الحق خير من.... تضمنه في باطن الرمس ملحدُ
وسبطاه منا المرتضى وشقيقه.... أبو حسن يثنى عليه ويحمدُ
له قادم أدت عمان خراجها.... وفي مكة قام الخطيب المسددُ
ويحيى ومختار الإمام ويوسف.... ومن ولد المختار قام محمدُ
ومنَّا ابن زيد قام بعد محسن.... وأحمد كم ذا من إمام أعددُ
نقمتم بثأر القاسمين لقاسم.... وشملهم في كل أرض مبددُ
وقد تم إلى جوف المجورة جحفلاً.... كثيفاً كموج البحر والبحر مزبدُ
وله أيضاً:
سقي ربعهم بين اليريم وسيران.... سحائب مزن صادق الوبل هتّانِ
وجاد على تلك الربى من شهارة.... فطود ذري كل أسحم حنَّانِ
إلى صورٍ يرخي الخمول وينثني.... يجود بأحلاف الحياء طود عيشانِ
فشام فأكناف السواد فأفرق.... فأدوار حتى ينتهي صوب جوعانِ
وقالت ذرى خولان أين تيممي.... فقلت إلى الأهنوم ذروة همدانِ
كراث ومكنى فلله حمزة.... و إخوتها أبناء عبيد وسفيانِ
ومن كان من ابناء شام وحاول.... مقيماً على عادات جود وإحسانِ(2/188)


ولله من أبناء نسر ضراغم.... ونوف وعوف نسل أسياد خفانِ
وإخوتهم أبناء كفيل وفاحش.... وحي جميعاً أي صيد وأعوانِ
وما أنا بالناسي ظليمة بعدما.... عرفت الولي منهم بسر وإعلانِ
قبائل غرّ ينطح النطح فخرهم.... وتسموا معاليهم على برج كيوانِ
وناد بخولان ابن عمرو إمامهم.... فلبت سراعاً نحوه صيد خولانِ
قبائل حلت في قتام ويسنم.... وبين فقيع قد أقاموا وقيوانِ
مآثرهم في الجوف تحكى وحجة.... وفي شظب تروى وفي رأس يونانِ
وهم فتحوا مقراً معاً وسحولها.... وهم عسكر يزهو بهم كل سلطانِ
هذا ما استرجحت نقله من شعره -عليه السلام-، وتركت مافيه [من] المعارضة والمجاوبة لبعض العترة وشيعتهم لمحبتي للجميع، ولما في [ذكر] ذلك من التشنيع الوسيع، على أهل هذا البيت المنيف الرفيع؛ ولأن راوي الشتم له [كان] كالمذيع، وشريك في التوبيخ والتقريع، وكانت وفاته -عليه السلام- في شهر رجب [من] سنة ست وثلاثين وستمائة وقبره في ساقين من بلاد بني بحر مشهور مزور، وله ذرية كثير في نواحي من الجهات الخولانية.(2/189)


[ذكر عز الدين محمد بن الإمام عبد الله بن حمزة]
وأمكنت من بني المنصور إذ قصدوا.... صنعاء من خيل أهل الشام في زمرِ

قد تقدمت الإشارة إلى أن عز الدين محمد بن الإمام المنصور بالله انتصب محتسباً بعد موت أبيه، واستقرت يده على جميع بلاد أبيه بعده، وعاونه علماء الظاهر وغيرهم، وتقوت شوكته، وساس الأمور، وقاد الجمهور.
قالوا: وكانت له سيرة مشهورة، وأيام منتظمة مذكورة، فمما نقلت أنا من سيرته أنه لما اجتمع له في سنة ثلاث وعشرين عساكر جمة شاور أمراءه ووزرآءه أين يقصد بهم؟ فأشاروا عليه كل من حضر بمبلغ علمه، وانصرم أمرهم على قصد صنعاء، والصيد كل الصيد في جوف الفرا، وكان في صنعاء يومئذ الملك المنصور عمر بن رسول.(2/190)

118 / 205
ع
En
A+
A-