هذا مضمون كلامهم في الكتاب، فلما وصل إلى الإمام المنصور [بالله –عليه السلام-] أجاب عليهما، فكان من جملة كلامه: وما ذكراه أدام الله عزهما من التغريم بخلاف السنة النبوية، فلو اعتقدناه خلاف السنة ما أقررنا سليمان عليه، ولا حابيناه في حق الله تعالى، لو كان يملك لنا الأرض، ولكن عندنا أن التغريم للجنود المحقة جائز، وأنتما الشاهدان [المحقان] الصادقان لنا على أهل الحقل بأنَّا كتبنا إليهم، وإلى أهل صعدة أن يرجعوا، ولا يخالطوا الظالمين، فخالفوا الأمر، وكانوا يداً ورجلاً لأعداء الله، وأما الذمة لمزيد ويربوع، فلم يقع في ذمة كبار المسلمين وأمرائهم، فكيف وأنتم في الدين قدوة، ودعاة رسل، وأئمة هدى! وأما أنه لم يفعل هذا في دولة سيف الإسلام –لعنه الله- فإن كان المراد أنه أكثر، فلا يمنع أن يدفع المحق أكثر مما يدفع المبطل، والحديث هل يجوز التغريم أم لا يجوز؟ فأما الفعل في قهرة يربوع، وقهرة مزيد، فما أوجبه شرع النبي ً بحكمكم، أو حكم من نتصوبه على سليمان بن موسى لم يقدر على الامتناع منه في روحه، ولا في عسكره لو كان في ألف فارس لم يمتنع منكم من صاحب العصا، ووجه الحق وقاح لا يستحي من أحد، ولو وجب عليكم حق تحملته ديناً ومنعاً، ولو تعبنا فيه، وتلفت نفوسنا نريد بذلك رضاكم لله تعالى، ولكن لا تعجلوا حتى تتبينوا، انتهىمختصراً، وكانت وفاة الأمير شمس الدين –رحمه الله [تعالى] - عن تسع وسبعين سنة، وقبره في [هجرة] قطابر مشهور مزور، وقد نظم في ذلك بعض أهله فقال:(2/171)
ألا إن شمس الدين يحيى بن أحمد.... تقضت لياليه بشهر المحرم
لست مئين حجة قد عددتها.... وست سنين بعد ذلك فاعلم
وعاش من الدنيا ثمانين حجة.... سوى حجة والمرء غير مسلم
وتوفي أخوه بدر الدين محمد بن أحمد يوم الخميس، في نصف رجب من سنة 614 [سنة] في هجرة قطابر أيضاً، وقبره بها مشهور مزور عن خمسة وثمانين سنة إلا شهراً، وللإمام المنصور بالله في الأمير شمس الدين ترثية بليغة وهي:
ما خير عيش به التكدير معتلج.... وغايتا منتهاه الموت والهرمُ
يمسي ويصبح والآمال طامحة.... والموت مغترمُ والعمر منهزمُ
الحمد لله لا ندُّ يشابهه.... إذ لا يجوز علية الفوتُ والعدمُ
ما أعجب الأمر للرّآءي بفكرته.... إن لم يخن مشعريه الطمس والصممُ
يا يوم أحمد قد أبقيت في كبدي.... كَلْماً فلم يبره من بعدك الكلمُ
[ومنها] :
لولا المنية حتم لا مرد له.... لكافحت بهما من دونك البُهُمُ
وماتت الخيل والأبطال مقعصة.... بين الخميسين والمزان والخدمُ
وقام نقع وأيدي الخيل سابحة.... والسمهرية مأطور ومحتطمُ
وخضتها وعوالي السيف منصلت.... والخيل يقرعها الخرصان لا اللجمُ
في فتية من بني الهادي وإخوتهم.... من آل حمزة لا ميل ولا قرمُ
ومن بني القاسم الأبطال إن لهم.... مكارم حسرت من دونها الأممُ
ومن بني حيدر غر جحاجحة.... يرون دونك كأس الموت يُغتنمُ
لعا لشمس الهدى والبدر إنهما.... خير البرية منخص ومنهدمُ
شيخان من آل طه كلما نطقا.... تساقط الدر والأمثال والحكمُ(2/172)
بحرا نوال وعلم كلما وهبا.... مواهب خجلت من وقعها الديمُ
ليثا نزال و سيفا كل ملحمة.... مرهوبة وجباه الخيل تصطدمُ
قد أنجبا نفراً غراً جحا جحة.... لا يسامون العلى إن معشرٌ سئموا
يبنون في المجد ما أبنت أوائلهم.... ولا يصدَّنهم خوف ولا عدمُ
شم العرانين في العلياء همتهم.... وليس همتهم شاء ُولا نعمُ
فرحمة الله زارته مكررة.... ما لاح في الأفق نجم أو جرى قلمُ
[ومنها] :
فقل لأبنا أبينا الصبر شيمتكم.... إذا تبدلت الأخلاق والشيمُ
أنتم سنام بني الزهراء فاطمة.... والرأس إذ في بنيها الرأس والقدمُ
ولاغرو إن مات من ساداتكم رجل.... فما مضى علم إلا بدا علمُ
الموت باب وكل الناس داخله.... وكأسه دائر في الناس كلهمُ
انتهت [فليقع الرجوع إلى الإتيان ببقية ما نظمه السيد]، وهو من تتمة الكلام في أخبار الإمام المنصور بالله -عليه السلام- مع من تقدم، فنحسب جميع ذلك منه بدليل رد الضمير إليه في قوله:(2/173)
[ذكر المشرقي والعفيف]
وما رعى المشرقي الندب حرمته.... بعد العفيف عفيف الثوب والأُزرِ
المشرقي هو: محمد بن منصور بن مفضل الكبير من آل يوسف، دعا بعد موت عمه العفيف، وعارض [الإمام] المنصور بالله [-عليه السلام-] وإلى هذا أشار السيد صارم الدين بقوله: وما رعى حرمته؛ لأنه صدر منه [وإليه] ما يطول شرحه، ويسوء قبحه، ولا أدري لِمَ سمي المشرقي؟ ومات ولا عقب له، وأما عمه [العفيف] فتكنى بالمنتصر، واسمه محمد بن المفضل الكبير بن الحجاج بن علي بن يحيى بن القاسم بن يوسف الداعي، وكان بين العفيف و[بين] الغز وقعات قبل قيام المنصور بالله[-عليه السلام-]، ولما دعا المنصور بالله والاه، ونصره وأحسن صحبته، ثم توفي في شهر صفر [في] سنة ستمائة في هجرة وقش، وله عقب، منهم السيد صارم الدين ناظم هذه المنظومة، هو وآباؤه -عليهم السلام-، وللإمام المنصور بالله -عليه السلام- في العفيف هذا ترثية عظيمة أحببت الإتيان بها هنا؛ رعاية لحق العترة الكرام -عليهم السلام-، وهي:
أقول وأيام الحياة قليل.... وقد غالت الأحباب بعدك غول
ألا كل حي ماخلا الله هالك.... وليس إلى نيل الخلود سبيل
نظل ونمسي والحمام كأنه.... علينا بإتلاف النفوس كفيل(2/174)
فلا تجزعن فالكل حي وميت.... وللشمس من بعد الطلوع أفول
لعمري لئن مات العفيف محمد.... لرزؤ فصبر ما علمت جميل
فتى من بني بنت النبي محمد.... أغر كنصل السيف وهو صقيل
سقى جدثا وارى سواد محمد.... أجش هديم الجانبين هطول
ولا زال ريحان ومسك وعنبر.... على القبر تذويه صبا وشمول
لئن قلت غرتنا عليه إحالة.... وطبع مزاج إنني لجهول
ولكن رآه الله أهل جواره.... فحمّ له بعد المقام رحيل
ونحن على حوض المنية شرَّع.... شباب وأشياخ معا وكهول
تقول عقول: شمروا وتأهبوا.... ولا مال إن الظاعنين حلول
خداع حليم القوم يعرف أمرة.... فيرتاع والجهال عنه غفول
لنا في رسول الله أعظم أسوة.... فقد مات خير الخلق وهو رسول
ومات أمير المؤمنين شقيقه.... وصنواه ماتا جعفر وعقيل
وأبنآؤهم صلى الإله عليهم.... غيوث نوال والأنام طلول
فلو كان من حوض المنية ذائد.... لماتت كماة دونه وخيول
وجاش خميس للخميس وقصفت.... رماح لتحمي شخصه وتصول
وهان علينا أن نخوض غمارها.... لأحمي خليلاً في الدفاع جليل
فيا حاملي رضوى عظيماً حملتم.... وزال أجبال الحجاز تزول
………………
أشم طويل الباع من آل هاشم.... له حسب لا يعتريه خمول
فنعم مناخ الركب شافته قرة.... شامية نفاخة وبليل
إذا راح فحل الشول رتكاً وخلفه.... صفايا مطافيل أشاً وأفيل(2/175)