[الإمام علي بن زيد بن إبراهيم المليح]
وفي ابن زيد لأهل الفكر معتبر.... لما تسنم رأس الطود من شعر
[و] هو: علي بن زيد بن إبراهيم المليح بن الإمام المنتصر بالله محمد بن الإمام المختار لدين الله القاسم بن الناصر أحمد بن الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين -عليه السلام-، قام محتسباً وجمع جموعاً، وخرج بها إلى نواحي صنعاء، وكان قيام علي بن زيد من درب يرسم من أعمال صعدة، فلما بلغ الإمام أحمد بن سليمان ذلك وهو بالجوف قبل دعوته سار إليه بمن أمكنه ناصراً له، وقد كان أنشأ قصيدة وهو نشيد منها:
أما إنه لولا الرجاء لدعوة.... مباركة تهدي لدين الفواطم
فلما أنشدت بين يديه في عيد رمضان أنشدها رجل، يقال له: يحيى بن مفضل من أهل عمران، ثم تقدم بها معه إلى صعدة، فأنشدها الشرفاء الأجلاء بني الهادي، وكان فيهم هذا الشريف علي بن زيد فحثه ذلك على القيام والدعاء إلى نفسه، وكان قليل العلم، حتى قيل: إنه لم يكن يحفظ إلا ثلث القرآن أو ربعه، فسار إليه [الإمام] كما تقدم وعاونه هو، وصنوه يحيى بن سليمان، وصنوه الثاني عبد الله بن سليمان وغيرهما، ولقوه بالحقل حقل صعدة في خيل ورجال وافرة، فقام معه الإمام ومن تقدم ذكره، وعاضدوه واجتمع إليهم القبائل من همدان، وخولان، وكهلان، وسائر قحطان، وكان منه أن تقدم إلى شظب، وقد كان أشار عليه الإمام أحمد بتقديم صنعاء أولاً فأبى فجرى عليه من القتل هناك ما جرى، وأسلمه القبائل في جمادى الآخرة من سنة إحدى وثلاثين وخمسمائة، وللإمام أحمد بن سليمان -عليه السلام- فيه وفي أصحابه ترثية مليحة، وهي:(2/111)
حسبي الله في جميع الأمور.... وهو نعم المولى ونعم الوكيل
أيُّ عيشٍ يصفو لصاحب لبٍّ.... وهو في الحبس مبتلى مغلول
مستضر معذَّب آخر الدهـ.... ـر حزين عن فعله مسئول
ليس يدري أموثق في المعاصي.... أم إلى جنة النعيم يؤول
إنَّ دنياك ليس يصفو لها عيـ.... ـش ولا يُهتدَى لها تأويل
فاسل عنها وخذ لنفسك زاداً.... ترتضيه فقد أحمَّ الرحيل
واطلب العلم فهو أفضل زادٍ.... إن شرَّ الرجال عيٌّ جهول
والتمسه وابدأ بمعرفة الله.... تعالى فقد تراه العقول
وبفقه الأصول دينك من بعـ.... ـد ففيه المسموع والمعقول
آه!! من زلة وتشتيت جمع.... ومصاب وذاك خطب جليل
في علي بن زيد الفارس القـ.... ـرم دهانا الزمان وهو عجول
الكريم النبراس في ساعة السـ.... ـلم وفي الحرب الصارم المسلول
وادكاري منبة ابن سليـ.... ـمان اليزيدي حرقة لا تزول
الذي عاش في الزمان حميداً.... وتولى والقول فيه جميل
ويعيش أصابنا الدهر فيه.... والزمان الكؤد دأباً يغول
لو أقال الزمان ميتاً فدينا.... هم جميعاً لكنه ما يقيل
لو تكن تلك نيتي يعلم الـ.... ـَّله وإني عنها بعيد رحول
ما دعوت الإخوان إلا لأمرٍ.... غيره وهو مرتجى مأمول
إن صرف الزمان يلعب بالنـ.... ـاس فميِّتٌ من القضا وقتيل
قد دهى الناس الكل من أول الدهـ.... ـر فمات الرسول ثم البتول
فعليتم يا آل يحيى ويا آ.... ل زيدٍ مهما تغنى الهديل(2/112)
وذكر -عليه السلام- [منبهاً و]يعيش؛ لأنه الذي وصل بهما وبجماعة من أصحابهما قتلوا ذلك اليوم، فأشار إلى ذلك، ثم قال الإمام-عليه السلام- قصيدة أخرى بعد رجوعه إلى الجوف يذكر فيها علي بن زيد، وأصحابه، وذكر فيها علي بن زيد وأموره، وما ابتدأه من المشورة في ذلك، وهي:
من ضيَّع الحزم لم يرشد ولم يصب.... واغتاله الدهر بالخذلان والنصبِ
ولو أرته الليالي منظراً حسناً.... فسوف توقعه من بعد في العطبِ
دعا ابن زيد فلبيَّنا لدعوته.... وغيره قد دعا جهراً فلم يجبِ
وجاءه الناس من شام ومن يمن.... على الضوامر في ركضٍ وفي خببِ
حتى إذا صار من نجد إلى حرض.... ملك الأمير ومن حقر إلى حلبِ
وصار في موضع عال أرومته.... فوق السماك وفوق السبعة الشهبِ
كاتبته غير وانٍ من شوابة لا.... تبرح بثافت في عز بلا تعبِ
ونحن نكفيك ما يعنيك في بلد.... أكان مقترباً أم غير مقتربِ
فقال هذا صواب الرأي نفعله.... ومن بدأ بصواب الرأي لم يخبِ
ثم انثنى عنه نسياناً فأرسل لي.... وللقبائل من قحطان والعصبِ
فجاءه الناس مثل الغيث منسكباً.... وجئته مسرعاً في عسكر لجبِ
راودته في يشيع حين أعجبني.... جيش أجش كمثل العارض السكبِ
فقلت آثر به صنعاء ودع شظباً.... حتى تعود فليس الرأس كالذنبِ
فلم يجبني إليه لا لمحقرةٍ.... ولم تجد أبداً شيئاً بلا سببِ
فسالت الناس مثل السيل منحدراً.... حتى حططنا برأس الطود من شظب
لما حططنا به صرنا بأجمعنا.... كمثل رَحل بلا شد ولا قتبِ
وباعنا بيعة الخسران مغتنماً.... بالتافه النزر أهل الغدر والريبِ
وما احتيال أسود الغاب إن سجنت.... أو الأفاعي إذ صيرن في الجرُبِ(2/113)
فحينما صيرونا وسط مفتأدٍ.... هناك جاءوا لنا بالنار والحطبِ
لما تولوا وفروا عن إمامهم.... كان الفرار لنا أعدى من الحربِ
أما بكيل ذوو العليا وشيعتنا.... والغر من مذحج كشَّافة الكربِ
فإنهم شاركونا في الأمور معاً.... وما عليهم لنا بالله من عتبِ
فالله ينصرهم نصراً ويرزقهم.... خيراً ويؤتيهم صبراً على النوبِ
فقل لمن سرَّه هذا المصاب لقد.... أفادك الدهر ما تهوى بلا طلبِ
يا ضاحكاً من مصاب[نالنا] فلقد.... أشجى وأبكى جميع العجم والعربِ
عجبت من قتل قَيْلٍ من بني حسن.... وليس قتل بني الزهراء من العجبِ
لا تحسبن أنَّ هذا الأمر يخملنا.... ولا يزحزحنا عن أرفع الرتبِ
حزنا المفاخر والعلياء عن سلف.... والحلم والعلم إرثاً عن أب فأبِ
ما مات منَّا كريمٌ صابرٌ يقظٌ.... إلا وقام شريف الأصل والحسبِ
به الشهادة إحدى الحسنيين لنا.... والموت في مثلها أحلى من الضربِ
سنقتفي إثر آباءٍ لنا سلفوا.... إلى الهدى من إمامٍ سالفٍ ونبي
وسوف يرضوننا من بعدهم بدلاً.... بالله إن شاء رب العرش والحجبِ(2/114)
[أخبار الإمام أحمد بن سليمان -عليه السلام-]
وأحمد بن سليمان فما رضيت.... بعلاً به وهو مرضي لدى البشرِ
دعا وكان إماماً سيداً علماً.... براً تقياً ومن كل العيوب بري
وصبحت خيله صنعاء معلمة.... لما غدا النكر فيها غير مستترِ
وحاصرت حاتماً فيها عساكره.... فانقاد للحق بعد الضعف والخورِ
واجتاحه عند شيعان بملحمة.... ألف مضوا بين مأسور ومجتزرِ
اعلم أني في الأغلب أتبع السيد صارم الدين فإن كثَّر الأبيات في ذكر أحد ممن احتوته منظومته فربما أُكثر الشرح، وإن قلل فكذلك، والمراد هنا هو: الإمام أحمد بن سليمان بن محمد بن المطهر بن علي بن الناصر بن الهادي إلى الحق-عليه السلام-، آباؤه من الصفوة الأكارم والخيرة من العرب والأعاجم، مناقبهم كثيرة شهيرة، وفضائلهم ظاهرة منيرة، فهم أحق بقول القائل:
قوم إذا املولح الرجال على.... أفواه من ذاق طعمهم عذبوا
وأمه- عليه السلام- الشريفة الفاضلة مليكة بنت عبد الله بن القاسم بن أحمد بن أبي البركات، واسمه : إسماعيل بن أحمد بن القاسم بن إبراهيم، وكان أبوه سليمان يصلح للإمامة، رأى في المنام في حال حمل زوجته بولده أحمد قائلاً يقول:
بشراك يا بن الطهر من هاشم.... بماجد دولته تحمد
بأحمد المنصور من هاشم.... بورك فيمن اسمه أحمد
وأما جده المطهر بن علي بن الناصر فإنه كان عالماً مصنِّفاً، له التصانيف على مذهب الهادي، وخرَّج على مذهب الهادي شيئاً كثيراً، من جملتها: أن الترتيب بين اليدين والرجلين [في الوضوء] لا يجب، وكان شاعراً فصيحاً، فمن قوله:
لحاني في الهوى لاح نصوح.... فغالب مقودي رأس جموحُ(2/115)