يقول: يروى في الحديث عن النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((إن الله يمنّ على أهل دينه في رأس كل مائة سنة برجل من أهل بيتي، يبين لهم دينهم)).
...إلى قوله: وملاك هذا اقترانهم بالقرآن، وأنهم الأمان؛ فمن يكون الأحق بتجديد شريعة أبيهم، والقيام عليها، ورد أحوال من يحرفها، أو ينتحل خلافها؛ ولقد كانوا (ع) كذلك، والحمد لله رب العالمين.
إذا عرفت هذا، ظهر لك ـ إن كنت من المنصفين ـ صحة قول الإمام:
فنحن طائفة الحق التي وردت .... فيها الأحاديث مما الكل يرويهِ
وأنهم (ع) هم المستخلفون، والمخلّفون لهذا المقام، إلى يوم الزحام، وأنهم الخزنة والأبواب، والحفاظ للكتاب؛ أولهم من أُمِر بقتال الناكثين، والقاسطين والمارقين، المقاتل على تأويل القرآن، كما قاتل أخوه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ على تنزيله، الوارد فيه ما أفاد القطع، بأنه مع الحق والقرآن؛ ثم تلاه أولاده نجوم الظلام، ورجوم الضلال، حتى يختم بمهديهم لقتال الدجال؛ فأنى يؤفك الآفكون!.
[كلام السيد محمد بن إبراهيم الوزير في آل محمد (ع)]
ثم ذكر كلام السيد الحافظ محمد بن إبراهيم الوزير.
وأنا آتي به من محله فهو أتم:
قال في العواصم: وآله الذين أمر بمحبتهم، واختصهم للمباهلة بهم، وتلا آية التطهير بسببهم، وبشر محبيهم بالكون معه في درجته يوم القيامة، وأنذر محاربيهم بالحرب، وبشر مسالميهم بالسلامة، وشرع الصلاة عليهم معه في كل صلاة، وقرنهم في حديث الثقلين بكتاب الله، فوصى فيهم، وأكد الوصاة بقوله: ((الله الله))، أخرجه مسلم فيما رواه، وزاد الترمذي: ((وبشراه بشراه لذي قرباه، إنهما لن يفترقا حتى يلقياه)).
ولما أَهَبَّ الله ـ سبحانه ـ لهم أرواح الذكر المحمود، في جميع الوجود، بذكرهم في الصلاة الإلهية، ومع الصلوات النبوية، /598(2/598)


فلازم ذكرهم الصلوات الخمس، والصلوات على خير من طلعت عليه الشمس، كان ذلك إعلاماً ممن له الخلق والأمر، وإعلاناً ممن لا يقدر لجلاله قدر، أنه أراد أن يهبّ ذكرهم مَهَبَّ الجنوب والقبول، وألا ينسى فيهم عظيم حق الرسول؛ لا سيما وقد سبق في علم الله أن الأشراف لا يزالون محسَّدين، وأن الاختلاف والمعاداة فتنة هذه الأمة إلى يوم الدين.
وكذلك؛ فإنه لما علم ما سيكون من استحلال حرمتهم العظيمة، وسفك دمائهم الكريمة، آذن بأنه حرب لمن حاربهم، وقرنهم بالكتاب المجيد، ووصى بهم من كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.
انتهى والله هو الولي الحميد. /599(2/599)


الفصل العاشر في البرهان القاطع على تعيين أهل السنة والجماعة، وبيان أهل البدعة والفرقة
اعلم أنه عَظُم الخطب، وعمّ الخبط، وكثُرت المنازعة، في هذه الأسماء الأربعة، وصارت كل فرقة تدعي لها محمودها، وتنفي عنها مذمومها، وترمي بها خصومها؛ والحق ما صحّ دليلُه، واتضح سبيلُه.
وقد سبق من أدلة الكتاب المبين، وسنة الرسول الأمين ـ صلى الله عليه وآله المطهرين ـ ما فيه بلاغ لقوم عابدين.
[البرهان على تعيين أهل السنة والجماعة والبدعة والفرقة]
وقد أبان المراد بأبلغ البيان، وأقام عليه أقوم البرهان، بابُ مدينة علم أخيه، المبينُ للأمة ما يختلفون فيه.
من ذلك ما أخرجه الإمام الناطق بالحق أبو طالب (ع) بسنده في أماليه، قال: سأل ابن الكواء أمير المؤمنين (ع) عن السنة والبدعة، وعن الجماعة والفرقة.
فقال (ع): يابن الكواء، حفظت المسألة فافهم الجواب: السنة ـ والله ـ سنة محمد ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ، والبدعة ـ والله ـ ما خالفها، والجماعة ـ والله ـ أهل الحق وإن قلّوا، والفرقة ـ والله ـ متابعة أهل الباطل وإن كثروا.
وأخرج السيوطي في جمع الجوامع في مسند أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ـ صلوات الله عليه ـ؛ قال: أخرجه وكيع، من رواية الإمام المظلوم، النفس التقية، يحيى بن عبدالله بن الحسن بن الحسن (ع)، ولفظه: عن يحيى بن عبدالله بن الحسن، عن أبيه، قال: كان علي يخطب، فقام إليه رجل، فقال: يا أمير المؤمنين، أخبرني من أهل الجماعة؟ ومن أهل الفرقة؟ ومن أهل السنة؟ ومن أهل البدعة؟
فقال: ويحك! أما إذا /603(2/603)


سألتني فافهم عني، ولا عليك ألا تسأل عنها أحداً بعدي؛ فأما أهل الجماعة، فأنا ومن اتبعني وإن قلوا، وذلك الحق عن أمر الله وأمر رسوله؛ وأما أهل الفرقة، فالمخالفون لي ولمن اتبعني، وإن كثروا؛ وأما أهل السنة فالمستمسكون بما سنّه الله ورسوله، وإن قلّوا؛ وأما أهل البدعة، فالمخالفون لأمر الله ولكتابه ولرسوله، العاملون برأيهم وأهوائهم، وإن كثروا؛ وقد مضى منهم الفوج الأول، وبقيت أفواج، وعلى الله قصمها عن حدبة الأرض.
[سيرة علي(ع) في البغاة]
فقام إليه عمار، فقال: يا أمير المؤمنين إن الناس يذكرون الفيء، ويزعمون أن من قاتلنا فهو وماله وأهله فيء لنا، وولده.
فقام إليه رجل من بكر بن وائل يدعى عباد بن قيس ـ وكان ذا عارضة ولسان شديد ـ فقال: والله يا أمير المؤمنين، ما قسمت بالسوية ولا عدلت.
وساق إلى قوله: فقال علي (ع): إن كنت كاذباً فلا أماتك الله حتى تلقى غلام ثقيف.
فقال رجل من القوم: ومن غلام ثقيف يا أمير المؤمنين؟
فقال: رجل لا يدع لله حرمة إلا انتهكها.
قال: فيموت أو يقتل؟
قال: بل يقصمه قاصم الجبارين قبله، بموت فاحش يحرق منه دبره؛ لكثرة ما يجري من بطنه؛ يا أخا بكر، أنت امرؤ ضعيف الرأي؛ أو ما علمتَ أنا لا نأخذ الصغير بذنب الكبير، وأن الأموال كانت لهم قبل الفرقة، وتزوجوا على رشدة، وولدوا على الفطرة؟! وإنما لكم ما حوى عسكرهم، وما كان في دورهم فهو لهم ميراث؛ وإن عدى علينا أحد منهم، أخذناه بذنبه، وإن كف عنا، لم نحمل عليه ذنب غيره.
..إلى قوله ـ صلوات الله عليه ـ: يا أخا بكر، أما علمت أن دار الحرب يحل ما فيها، وأن دار الهجرة يحرم ما فيها إلا بحق؟ فمهلاً مهلاً.
..إلى قوله:
فقام عمار، فقال: يا أيها الناس، إنكم ـ والله ـ إن اتبعتموه وأطعتموه، لم يضلّ بكم عن /604(2/604)


منهاجٍ قيْسَ شَعَرةٍ، وكيف يكون ذلك، وقد استودعه رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ المنايا والوصايا وفصل الخطاب، على منهاج هارون بن عمران، إذْ قال له رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((أنت مني بمنزلة هارون من موسى، إلا أنه لا نبي بعدي)) فضلاً خصه الله به، وإكراماً منه لنبيه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ حيث أعطاه ما لم يعط أحداً من خلقه.
ثم قال علي: انظروا ـ رحمكم الله ـ ما تؤمرون فامضوا له، فإن العالم أعلم بما يأتي به من الجاهل الخسيس الأخس؛ فإني حاملكم ـ إن شاء الله ـ إن أطعتموني على سبيل الجنة، وإن كانت ذا مشقة شديدة، ومرارة عتيدة، والدنيا حلوة، والحلاوة ـ لمن اغتر بها ـ من الشقوة والندامة عما قليل؛ ثم إني مخبركم أن جيلاً من بني إسرائيل أمرهم نبيهم ألاّ يشربوا من النهر، فلجوا في ترك أمره، فشربوا منه إلا قليلاً منهم؛ فكونوا ـ رحمكم الله ـ من أولئك الذين أطاعوا ربهم، ولم يعصوا ربهم.
وأما عائشة فأدركها رأي النساء، وشيء كان في نفسها عليَّ، يغلي في جوفها كالمرجل، ولو دُعِيَتْ لتنال من غيري ما أتت إليّ لم تفعل؛ ولها بعد ذلك حرمتها الأولى، والحساب على الله.
..إلى آخر كلامه ـ صلوات الله عليه ـ.
وقد ساق السيد الإمام علي بن عبدالله بن القاسم في الدلائل رواية الأسيوطي...إلى قوله: (من حدبة الأرض).
قال: فهذه رواية أهل الحديث لها.
وأما رواية الشيعة لها، فما أخرجه الحجوري في روضته، بإسناده إلى معاذ البصري، من طريق العبدي، عن أبيه، عن جده، أن علياً لما فرغ من أهل الجمل، نادى بالصلاة جامعة.
ثم ساق الحديث إلى أن قال: وصلى بالناس في المسجد الأعظم.
وساق لفظ الخطبة، من جملتها الحديث الذي رواه الأسيوطي عن الإمام يحيى بن عبدالله بلفظه. انتهى.
[الزيغ والضلال في تحريف مسمى السنة والبدعة]
ومما ورد من النصوص، بلفظ السنة والجماعة على الخصوص، الخبر الطويل الذي أخرجه أبو إسحاق أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي، أخرجه الإمام المنصور بالله(ع) في /605(2/605)

95 / 151
ع
En
A+
A-