وقال: صحيح، والطبراني، والحاكم في المستدرك، والضياء المقدسي في المختارة.
وبلفظ: ((إنما فاطمة بضعة مني، فمن آذاها فقد آذاني)) أخرجه الحاكم عن أبي حنظلة.
قال في المحيط: وهو خبر معروف لا ينكره أحد.
وبلفظ: ((إنما فاطمة بضعة مني، فمن أغضبها أغضبني))، أخرجه ابن أبي شيبة عن محمد بن علي، وأخرجه البخاري.
والروايات في هذا أكثر من أن تحصر.
[قصة مذاكرة ثلاثة من أئمة العترة مع ثلاثة من أشياخ الحديث]
وقد اتفقت مذاكرة ثلاثة من أئمة العترة (ع) مع ثلاثة من أشياخ الحديث.
وهي أن السيد الإمام صلاح بن المهدي بن الإمام إبراهيم بن تاج الدين (ع) كان يسمع على الشيخ العلامة أحمد بن سليمان الأوزري، فعرض حديث: ((إن الله يغضب لغضب فاطمة))، فاستفهمه السيد: أهذا صحيح؟
قال: نعم.
ثم استمر في القراءة إلى أن فاطمة ماتت غضبى على أبي بكر وعمر.
قال السيد: أهذا صحيح؟
قال: نعم.
فقال السيد: كيف يمكن الجمع بين الحديثين؟
فاشتجر الجدال حتى أدى إلى ترك القراءة؛ ثم استرضاه الشيخ، وأزال ما في نفسه.
ومثل ذلك وقع للإمام عز الدين (ع) مع الشيخ العامري.
ونحو ذلك سواء وقع للإمام المتوكل على الله إسماعيل بن القاسم (ع) مع العلامة الحبشي، إلا أن الشيخ نازع أولاً، ثم قال: الأمر مشكل.
روى ذلك في تفريج الكروب، وفي الفرائد؛ ولله قائلهم حيث يقول: /578(2/578)
أتموت البتول غضبى ونرضى؟ .... ما كذا يفعل البنونَ الكرامُ
وفي الفرائد: وقد ورد في الحديث المتفق عليه الموالف والمخالف: ((فاطمة بضعة مني، فمن أغضبها فقد أغضبني)) بجميع ألفاظه، وسياقاته، مثل: ((من آذاها فقد آذاني))، ((يريبني ما يريبها))، وغير ذلك، كما في كتب الحديث.
قال: وأوصت ألا يحضر قبرها أبو بكر وعمر؛ كل ذلك معلوم عند الموالف والمخالف، وأنها ماتت واجدة على أبي بكر، وهجرته فلم تكلمه حتى ماتت؛ ولقد خطبت الخطبة المشهورة، فلم تترك شأنها وشأنهم؛ وكذا في كلامها لنساء الأنصار: قرت العيون، وشفت الصدور، وإلى الله ترجع الأمور.
قال: ومهما وقع التناكر في تفاصيل ذلك، فمعظمها وأصولها معلوم عند الكافة.
...إلى قوله: ثم تعقب بعد قيام أمير المؤمنين النكث من الناكثين، والبغي منهم ومن القاسطين ومن المارقين، وجرى عليه منهم ما يصم ويعظم؛ وكان (ع) يتجرّم إن ذكر ذلك من أهل السقيفة.
ثم قتل(ع)، وكانت الطامة وهدم الإسلام، فتغلب معاوية بمعونة الفجار والأغتام، ومن آثر الحياة الدنيا من صحابي وغيرهم من ذوي الإجرام.
فغلب بمكره ومكرهم، ومن وازره من دهاتهم، الحسنَ السبط (ع)، حتى أنه أُلجيء إلى المهادنة؛ ثم لم يف بما عقد عليه، ثم سَمَّه؛ ثم عقد الأمر ليزيد، وصانع الفجرة ببيعته، حتى كان سبباً في قتل الحسين السبط (ع)، وسبي حريم رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ بتلك الفعلة الشنعاء، والمصيبة الفظعاء.
ثم استولت بنو أمية وتغلّبت على المسلمين، وهم الشجرة الملعونة في القرآن...إلخ.
وفي هذه الفصول فتح الخلاف بين التابعين، ومن بعدهم، في مهمات أصول الدين وفروعه، ونشأ منها قتل الأخيار وتبعيدهم، وتقريب الأشرار وتوليهم، وجرى على المسلمين /579(2/579)
عموماً عظيم ظلمهم، وخصوصاً أهل البيت (ع)، وأهل مودتهم.
ثم بعدهم بنو العباس مع طول مدتهم، ثم من بعدهم.
[تحامل الناس على أمير المؤمنين (ع) وخبر: ((إن الأمة ستغدر بك يا علي)) ومخرِّجوه]
واسمع إلى كلام متين، وخطاب رصين، ممن هو إمام الأمة، وكاشف الغمة، المتوكل على الله شرف الدين (ع)؛ والحال أن له مذهباً جميلاً في الصحابة قد رضَّى عنهم.
قال في شرح خطبة الأثمار: الأمر الثاني يتعلق بأمر تحامل الناس على أمير المؤمنين، وذريته الطيبين الطاهرين ـ صلى الله عليه وعليهم أجمعين ـ.
وساق حتى قال: نعرفك ـ أيها المسترشد ـ بامتحان أمير المؤمنين، وذريته الطاهرين، من أمة النبي الأمين، بوجوه من الامتحانات؛ كما يصدق قول النبي -صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم -.
وسنذكر ما اطلعت عليه فيمن روى هذا الحديث بعد هذا إن شاء الله تعالى فيما رواه الحاكم في المستدرك، ورواه غيره: ((إن الأمة ستغدر بك يا علي بعدي))، الحديث وغيره مما يوافق معناه.
قلت: خبر غدر الأمة بالوصي ـ صلوات الله عليه ـ، وهو من أعلام النبوة، كإخباره عن الناكثين والقاسطين والمارقين، وقتل عمار، وغير ذلك من أخبار الغيوب، الواقعة على ما أخبر بها المختار ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ.
فأخرج محمد بن سليمان الكوفي، بسنده إلى أبي إدريس الأودي، قال: سمعت علياً يقول: كان فيما عهد إلي النبي - صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم - ((إن الأمة ستغدر بك)).
ورواه عن ثعلبة، عن يزيد الحماني، وعن علي (ع).
وقال ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((إن الأمة ستغدر بك من بعدي، وأنت تعيش على /580(2/580)
ملتي، وتقتل على سنتي؛ ومن أحبك أحبني، ومن أبغضك أبغضني؛ وإن هذه ستخضب من هذا)) ـ يعني لحيته من رأسه ـ أخرجه الدارقطني في الأفراد، والحاكم في المستدرك، والخطيب في تاريخه، والطبراني عن علي بن أبي طالب (ع).
وأخرج الحاكم عن علي (ع): ((عهد معهود إن الأمة ستغدر بك بعدي)).
وفي رواية: إن مما عهد إليَّ النبي - صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم -: ((إن الأمة ستغدر بك بعدي)).
وأخرج أيضاً عن ابن عباس مرفوعاً: ((أما إنك ستلقى بعدي جهداً))، وأخرجه الخطيب، وصحح الحاكم هذه الروايات كلها.
أفاده الإمام محمد بن عبدالله الوزير (ع).
وأخرج الذهبي بسنده، إلى علقمة، عن علي، قال: عهد إلي النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((إن الأمة ستغدر بك)).
قال في شرح النهج: وروى سدير الصيرفي، عن أبي جعفر محمد بن علي (ع)، قال: اشتكى علي شكاة، فعاده أبو بكر وعمر، وخرجا من عنده، وأتيا النبي - صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم - فسألهما ((من أين جئتما؟)).
قالا: عدنا علياً.
قال: ((كيف رأيتماه؟)).
قالا: رأيناه يُخاف عليه مما به.
قال: ((كلا؛ إنه لن يموت حتى يُوسَع غدراً وبغياً))...إلخ.
قال: وروى عثمان بن سعيد، عن عبدالله بن الغنوي، أن علياً (ع) خطب بالرحبة، فقال: أيها الناس، إنكم قد أبيتم إلا أن أقولها؛ ورب السماء والأرض، إن من عهد النبي الأمي إليَّ: ((إن الأمة ستغدر بك بعدي)).
وروى هيثم بن بشير، عن إسماعيل بن سالم، مثله.
قال: وقد روى أكثر أهل الحديث هذا الخبر بهذا اللفظ، أو بقريب منه.
قلت: وفي تخريج الشافي: وروى عبد الوهاب الكلابي بإسناده إلى يزيد الحماني، قال: سمعت علياً (ع) يقول: ورب السماء والأرض إنه لعهد /581(2/581)
النبي الأمي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((إن الأمة ستغدر بك يا علي))، انتهى.
وفي شرح النهج: وروى أبو جعفر الإسكافي أن النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ دخل على فاطمة ـ عليها السلام ـ فوجد علياً نائماً، فذهبت تنبهه، فقال: ((دعيه، فرب سهر له بعدي طويل، ورب جفوة لأهل بيتي من أجله شديدة)).
فبكت؛ فقال: ((لا تبكي؛ فإنكما معي في موقف الكرامة عندي))، انتهى.
[تخريج حديث الحدائق السبع]
قال الحسين بن الإمام (ع): وعن علي (ع): بينا رسول الله آخذ بيدي، ونحن نمشي في بعض سكك المدينة؛ فمررنا بحديقة، فقلت: يا رسول الله، ما أحسنها من حديقة!.
قال: ((لك في الجنة أحسن منها)).
فلما خلا له الطريق اعتنقني؛ ثم أجهش باكياً.
قلت: يا رسول الله، ما يبكيك؟
قال: ((ضغائن في صدور أقوام، لا يبدونها لك إلا من بعدي)).
قلت: يا رسول الله، في سلامة من ديني؟
قال: ((في سلامة من دينك)).
أخرجه البزار، وأبو يعلى، والحاكم، وأبو الشيخ، والخطيب، وابن الجوزي، وابن النجار.
قال الإمام محمد بن عبدالله (ع) في الفرائد: وأخرج السيوطي في الكبير حديث الحدائق السبع، وعزاه إلى من تقدم.
قلت: أي الذين ذكرهم ابن الإمام (ع).
قال في الفرائد: وصححه الحاكم، انتهى.
قال ـ أيده الله تعالى ـ في التخريج: والذهبي عن ابن عباس، والنسائي في مسند علي، والكنجي في مناقبه عن أنس، قال: وهكذا سياق مؤرخ الشام ـ يعني ابن عساكر ـ، ومحمد بن سليمان الكوفي، عن علي (ع)، وعن أبي رافع، وعن أنس، وعن يونس بن حبان مرفوعاً.
قال في المقصد الحسن والإقبال: ورواه البغوي، والنسائي، انتهى. /582(2/582)