يصحح خلافتهما منفرداً به غير صحيح.
على أنّا نقول: إن اعترافهما لعلي (ع) بذلك المقام واقع في مقامات بروايات الخصوم؛ وإنما عدلوا عن علي (ع) لما زعم عمر من الإشفاق على الأمة، ونحوه من الأمور المصلحية برد النصوص؛ ولكون خبر حفصة لهما بتوليهما بعد إخبار من النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ بما يكون منهما من عدم التوقف على ما وقفا عليه؛ فهذه الروايات عن عمر دالة بمجموعها وأفرادها أن تسنّمهم لمقام الرسول ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ ليس إلا لما زعموه من الأمور.
ولما وقع من هؤلاء تسنم مقام النبوة للمصلحة التي اعتذروا بها، ورأى من بعدهم من خصوم الآل ـ حقاً أو لزوماً ـ أن تعذراتهم بدعوى المصلحة لا تقنع خصومهم، ولا يقع بها دفع النصوص المعلومة في أمير المؤمنين، تمحلوا بروايات وأحاديث حدثت أكثرها أيام معاوية، تقرب ببعضها إلى أمراء السوء؛ كل ذلك لتتمّ لهم استقامة إمامة مشائخهم؛ ولكن أبى الله إلا أن يتم نوره، ولو كره الكافرون.
[إفشاء سرِّ رسول الله (ص) وما ورد في ذلك]
قال: وقصة إفشاء سر رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ عن حفصة بنت عمر أو عائشة، وبالاتفاق على الإفشاء من إحداهما لما أفشته إلى الأخرى، ثم إلى أبي بكر وعمر؛ وقد سمعت ما عاتبهما الله، وذكر تظاهرهما على رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ، وصغو قلوبهما ـ وفي رواية ابن مسعود: وزاغت قلوبهما ـ وذلك التهديد الذي لا مزيد عليه؛ ثم التعريض بهما في آخر السورة، بضرب المثال للكفار بزوجي نوح ولوط ـ عليهما الصلاة والسلام ـ، وأنه لم ينفع الزوجين كونهما وصلة النبيين، وقيل: ادخلا النار مع الداخلين؛ وضرب المثال للمؤمنين بزوجة فرعون، ومريم ابنة عمران ـ رضي الله عنهما ـ.
وبإفشاء سرّ رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ من إحدى /573(2/573)


زوجتيه إلى أحد أبويهما أو إليهما انقدح في قلب أبي بكر، وعمر، ذلك، وزرعاه؛ ولأجله رجعا من جيش أسامة مع من تبعهما.
[أمور ارتكبها بعض الصحابة وعدلوا فيها عن الحق]
وقد ذكر الشهرستاني في كتاب الملل والنحل ـ وهو من رأس الخصوم، أشعري ـ أنه وقع قبل موت النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ خلافان:
الأول: رجوع من رجع من جيش أسامة، وقد شدد النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ في إنفاذه.
والخلاف الثاني: خلافهم عليه يوم الخميس، في منع عمر أن يكتب لهم ذلك الكتاب، الذي لا يضلون بعده أبداً.
وذكر خلافين بعد موته:
أحدهما: يوم السقيفة.
ثم إن الشهرستاني تمعذر لهم بمعاذير باطلة.
قال الإمام في الفرائد: ونحن نقول: إن هذين الخلافين ـ أي الأولين ـ هما أم كل فتنة، ورأس كل محنة، على الإسلام والمسلمين جملة، وعلى أهل البيت خاصة، وقد انبنى عليهما كل شر إلى يوم القيامة، ولزمهم الوعيد في قوله تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ }...الآية [الأحزاب:36].
قال: والحاصل في مخالفة بعض الصحابة: /574(2/574)


الأولى: رجوعهم عن جيش أسامة، وتخلفهم عن أميرهم؛ وقد سمعوا وعقلوا تشديد رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ في ذلك، من العصيان لله ولرسوله، واللعن للمتخلف.
والثانية: ما وقع يوم الخميس ـ وما يوم الخميس به ـ من منع عمر لأن يكتب لهم رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ كتاباً لا يضلون بعده أبداً، واختلاف الحاضرين، حتى قام الخلاف بين رسول الله ومن امتثل أمره، وبين عمر ومن تبعه، فقائل يقول: قربوا له داوة وبيضاء يكتب لكم الكتاب؛ وقائل يقول: القول ما قال عمر؛ وأكثروا اللغط والأصوات، حتى ضاق النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ وقال: ((قوموا عني، فلا ينبغي عندي تنازع))، والمعلوم من الدين ضرورة أنه الآمر الناهي؛ فما لعمر ومن تبعه من ذلك...إلخ.
الثالثة: مصيبة يوم السقيفة، وما جرى فيها من تلك الأمور التي إن فتشتها فتشت جيفة.
الرابعة: ما جرى منهم على أمير المؤمنين (ع) من التهديدات، وأنواع البليات، حتى بالحريق له، ولبضعة الرسول؛ وقد ملأ النبي - صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم - أسماعهم وأبصارهم وقلوبهم في أمير المؤمنين، وبضعة الرسول ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ ومن إليهما، وعقلوه وعرفوا المراد به؛ فهذه أربع مخالفات.
انتهى من الفرائد ملخصاً.
[انقسام الصحابة إلى ثلاثة أقسام]
قال الإمام المنصور بالله (ع) في الشافي: وقد بينا أن حال الصحابة ينقسم إلى ثلاثة أقسام:
فقسم: ماتوا على ما فارقوا عليه رسول الله صلى الله /575(2/575)


عليه وآله وسلم، فهؤلاء هم الذين يستحقون ما ظهر لهم من الثناء من الله ـ سبحانه ـ، ومن رسوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ.
وقسم: ظهر فسقهم بالخروج على الإمام علي (ع)، ومحاربتهم له، وقتلهم وقتالهم.
ـ قلت: وكذا من أتى بكبيرة غير ذلك ـ فهؤلاء من تاب تاب الله عليه، ومن مات على حاله غير تائب، فإلى نار الله ودماره.
وقسم ثالث: جرت منهم أمور وتخاليط، واستيلاء على أمر الأمة، والدفع لإمام الهدى؛ فهؤلاء حكمهم إلى العلي الأعلى؛ فإن ظهر لنا دليل على لحوقهم بأحد الفريقين، وجب إلحاقهم بذلك الدليل؛ وإن لم يظهر دليل، وقفنا.
...إلى قوله: فهذه مراتب الصحابة، التي قضت بها الأدلة...إلى آخر كلامه هذا.
قلت: واعلم أن أعلام أهل البيت، أبناء علي بن أبي طالب، وفاطمة بنت محمد ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ، وخلاصة شيعتهم، لا يبالون بقعقعة المخالفين خلفهم بالشنآن، ورميهم لهم بالزور والبهتان، ولا يخافون في الله لومة لائم، ويغضبون لأبيهم، الذي أتى فيه عن الله ـ تعالى ـ وعن رسوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ ما أتى، ولأمهم فاطمة البتول الزهراء، التي يغضب لغضبها الله - جل وعلا - وقد ماتت غاضبة على الشيخين، هاجرة لهما، وعاشت بعد رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ ستة أشهر، وصلى عليها علي - صلوات الله عليهما - ومن معه، ودفنها ليلاً، ولم يؤذن بها أبا بكر وعمر؛ ولم يبايع هو ولا أحد من بني هاشم مدة حياتها، وصالحهم بعد ذلك.
هذا الذي أخرجه صاحبا صحيحيهم البخاري ومسلم وغيرهما.
ولذا قال نجوم آل محمد (ع): كانت لنا أم صديقة ماتت وهي غاضبة عليهما، ونحن /576(2/576)


غاضبون لغضبها.
[حديث: ((يا فاطمة إن الله يغضب لغضبك...إلخ)) ومخرجوه]
قال رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((يا فاطمة إن الله يغضب لغضبك، ويرضى لرضاك)) أخرجه الإمام علي بن موسى الرضا بسند آبائه (ع).
وأخرجه الإمام المرشد بالله (ع) في أماليه الأنوار، بسنده إلى الإمام الحسين بن زيد بن علي، وعلي بن عمر بن علي، عن جعفر بن محمد، عن آبائه (ع)، قال: قال رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ لفاطمة ـ عليها السلام ـ: ((إن الله ـ عز وجل ـ يغضب لغضبك، ويرضى لرضاك)).
وأخرجه ابن المغازلي عن الإمام الحسين بن زيد، عن جعفر بن محمد، عن آبائه(ع).
وأخرجه الفقيه حميد الشهيد بسنده إلى جعفر بن محمد، عن أبيه بسنده السابق: أن رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ، قال: ((يا فاطمة إن الله...الخبر)).
وأخرجه الكنجي عن الحسين بن علي.
وأخرجه أبو سعيد، وأبو المثنى، والديلمي، والطبراني، والحاكم في المستدرك، وأبو نعيم في الفضائل، وابن عساكر، وصححه المحدث أحمد بن سليمان الأوزري، والشيخ الحافظ محمد بن عبد العزيز العنسي.
وفي النهاية في مواد الكلم حديث: ((إن الله يغضب لغضب فاطمة ـ أو: لغضبك يا فاطمة ـ)) متفق عليه، أفاده الإمام محمد بن عبدالله الوزير (ع).
[أحاديث أنه يؤذي الرسول ما آذاها ومخرجوها]
وقال ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((إنما فاطمة بضعة مني، يؤذيني ما آذاها)) أخرجه البخاري، ومسلم، وأخرجه أحمد بزيادة: ((وينصبني ما أنصبها))، والترمذي /577(2/577)

90 / 151
ع
En
A+
A-