الفريقان، منها: قوله: تحلى علي بالأولوية بالنص النبوي، وبقية الخلفاء بالرضى من علي، ونصحاء الإسلام كعمر وأبي عبيدة، والمهاجرين والأنصار، وأطلق لهم علي التصرف، وهو بمحل القطب من الرحا...إلخ كلامه؛ وقد تقدم ما فيه بلاغ لقوم عابدين.
قال الإمام (ع) : أقول: فلم لم يبين لنا من هؤلاء السادة، الذين رضوا؟
ألا يعلم ما وقع من النزاع والجدال يوم السقيفة، وما قالت قريش، وما قالت الأنصار؟
ثم ما يقول في بني هاشم، وسائر من تبعهم ذلك الوقت؟ أهم سادات الصحابة؟ أو من ساداتهم؟! لا سبيل إلى الإنكار.
فأين كانوا حال العقد؟!
أليس إنما حضر أبو بكر، وعمر، وأبو عبيدة، وبشير بن سعد، والنعمان؛ ومنهم: أسيد بن حضير؟!
هؤلاء الذين عقدوا لأبي بكر، ثم ضربوا الناس طوعاً وكرهاً للبيعة، وأهل البيت مشغولون عند نبيهم ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ.
وقد ألم بما ذكرناه ما رواه عمر عن نفسه، أخرجه البخاري وغيره، حيث قال: كانت بيعة أبي بكر فلتة وقى الله شرها، فمن عاد إلى مثلها فاقتلوه.
ألا يعلم الفقيه أن علياً وبني هاشم تخلفوا ستة أشهر حسبما أخرجه البخاري؟
ألم يعلم أن علياً (ع) اعتزلهم، ولم يغز معهم؟
وقد ألظّ عليه عمر وورم أنفه، فأين المؤازرة؟
ثم لم يخرج برايات رسول الله - صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم - ولا سيوفه وأمثالها لهم؛ وإنما أخرجها يوم الجمل.
ولا يقال: إنه (ع) خرج في حرب أهل الردة، وقام وثار؛ فلا شك، لكنا نقول: إن مثل ذلك يجب مع إمام، ومع غيره، على كل فرد؛ على أنه (ع) أحق من حفظ دين أخيه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ؛ لأنه وصيه وخليفته، ولأجل حفظ الدين أغضى وجامل، وشرب على الشجى، وغمض على القذى.
وقد اشتهر وظهر عند /558(2/558)
الموالف والمخالف تجرمه وتشكيه منهم، إلى أن قتل (ع)؛ ثم زوجته وأولاده إلى الآن.
قال: وفي أبحاثه المسددة: ((أنا حرب لمن حاربكم، سلم لمن سالمكم))، قاله لعلي(ع)، وفاطمة، والحسن، والحسين ـ صلوات الله عليهم ـ؛ أخرجه أحمد، والطبراني، والحاكم.
وفي معناه عدة أحاديث بعضها تعمهم، وبعضها تخص الحسن والحسين حين يخاطبهما؛ وفي بعضها يعم أهل البيت في الجملة، وفي بعضها يخص أمير المؤمنين(ع).
ثم قال: مجموعها يفيد التواتر المعنوي؛ وشواهده لا تحصى، مثل: أحاديث قتل الحسين، وأحاديث ما يلقاه فراخ آل محمد وذريته، بألفاظ وسياقات يحتمل مجموعها مجلداً ضخماً؛ فمن كان قلبه قابلاً، فهو من أوضح الواضحات في كل كتاب، ومن يَنْبُو عنها فلا معنى لمعاناته بالتطويل.
ثم ذكر حديث الغدير فقرر تواتره، كما قرر في الإتحاف؛ وساقه بمخرجيه ورجاله، كما هناك سواء.
ثم قال: نعم، فإن كان هذا معلوماً، وإلا فما في الدنيا معلوم؛ إذا حققت هذا فهاهنا أناس يقولون نوالي علياً، ومن حاربه؛ وقد علمت أن من حارب علياً فقد حارب أهل البيت، وحارب الحسن والحسين وفاطمة، ومن حاربهم فقد حارب رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ، ومن حارب رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ فقد حارب الله، فهو حرب لله، وعدوّ لله؛ فمن سالم العدوّ، فقد حارب من عاداه؛ يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوّي وعدوكم أولياء؛ ومن يتولهم منكم فإنه منهم.
وبالجملة، فمعلوم بالآيات والأحاديث، ومعالم دين الإسلام، التنافي بين /559(2/559)
موالاة العدو وموالاة عدوّه؛ وقد أحسن القائل:
إذا صافى صديقك من تعادي .... فقد عاداك وانصرم الكلامُ
انتهى المأخوذ من كلامه.
قال الإمام (ع) في الفرائد: انظر وتأمل ما حققه المقبلي، الحقيق بالإنصاف، وقول الحق؛ وما كان أحسنه لو استقام! ومعلوم أن الفساق من أهل الجحيم.
وأيضاً فقوله تعالى في قصة إبراهيم (ع): {فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ } [التوبة:114]، فنص على العلة، وهي العدواة؛ فكل عدوّ لله مندرج تحت العلة؛ وقد قرر كما سمعت في حديث: ((أنا حرب... إلخ)).
قال: وأيضاً، فإن وجوب الموالاة والمعاداة من أعظم واجبات الشرع الشريف؛ فالدعاء لأعداء الله ورسوله، ومن هو حرب لله ورسوله، اعتداء في الدعاء؛ ولا تغترّ بشبههم.
وقد أخرج جماعة حديث: ((لا يحبك إلا مؤمن، ولايبغضك إلا منافق))، ومنهم: مسلم، وأحمد، والحميدي، وابن أبي شيبة، والترمذي، والنسائي، وابن عدي، وابن حبان، وأبو نعيم، وابن أبي عاصم، عن علي (ع)، قال: والذي فلق الحبة وبرأَ النسمة، إنه لعهد النبي الأمي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ أنه لا يحبني إلا مؤمن، ولا يبغضني إلا منافق.
فهل كان يحبه معاوية وشيعته الذين يلعنونه على المنابر كلها، وبلغوا كل مبلغ؟
فقد ذهبت عقول هؤلاء المذبذبين، وقلّ حياؤهم، وإبقاؤهم على أنفسهم.
ما يفعل الأعداء في الأحمق .... ما يفعل الأحمق في نفسه
/560(2/560)
أخرج ابن عساكر عن علي ـ رضي الله عنه ـ: نحن النجباء، وأفراطنا أفراط الأنبياء، وحزبنا حزب الله، والفئة الباغية حزب الشيطان؛ ومن سوّى بيننا وبين عدوّنا فليس منا.
[استغراق خبر المنزلة لجميع المنازل، والرد على ابن حجر والمقبلي في كلامهما على خبر المنزلة]
قال (ع): وأما حديث المنزلة فلا نزاع فيه لموالف ولا مخالف، وقد أثبت لعلي جميع منازل هارون من موسى؛ لأنه اسم جنس أضيف، فيفيد الاستغراق، بدليل صحة الاستثناء.
..إلى قوله: بلا نزاع أن علياً أخوه في الدنيا والآخرة؛ فلما استثنى النبوة دلّ على ثبوت سائر المنازل لعلي، ومن جملتها الخلافة، وزاده توكيداً وتوضيحاً قوله (ع): ((بعدي)).
وقد اعترف ابن حجر المكي في شرح الهمزية، وتكلم بكلام شاف في شرح قول الناظم:
ووزير ابن عمه في المعالي .... ومن الأهل تسعد الوزراءُ
وساق ابن حجر...إلى قوله: قد وردت فيه بمعناها على وجه أبلغ من لفظها، وهو قوله (ع): ((أنت مني بمنزلة هارون من موسى)) فإن هذه الوزارة المستفادة من هذا، التي هي كوزراة هارون، أخص من مطلق الوزارة فيهما ـ يعني أبا بكر وعمر ـ. /561(2/561)
ومن ثمة أخذ منها الشيعة أنها تفيد النص أنه الخليفة بعده؛ وهو كذلك، لولا ما يأتي قريباً.
ثم ذكر ما يؤيد معنى هذه الموازرة الخاصة من أن النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ آخاه دون غيره، وأرسله مؤدياً لبراءة، وأنه استخلفه بمكة عند الهجرة، حتى أتاه بأهله بعد أداء ودائعه، وقضاء ما عليه؛ فهذه كلها مؤدية موازرة خاصة لم توجد في غيره.
ثم ذكر ما زعمه مبطلاً؛ فذكر أن علياً شهد المشاهد كلها إلا تبوك؛ لأنه استخلفه على المدينة، وقال له: أتخلفني على النساء والصبيان؟ قال ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي)).
فيكون إنما قال له ذلك حينئذ، مبطلاً لمتمسك الشيعة، على أنه الخليفة المقدم على الكل، على أن هارون مات في حياة موسى؛ فلا دليل فيه على الخلافة بعد الموت.
انتهى كلامه.
واعترف بهذا العلامة الطيبي وغيره. /562(2/562)