مروان والوليد، فإنها أعظم خيانة لدين الله، ومخالفة لصريح الآية الكريمة؛ والنقم بذلك لا يعود على جملة الصحابة بالنقص، بل هو تزكية لهم؛ فإياك والاغترار!.
[الأدلة القاطعة على أن الباغين ونحوهم غير مؤمنين]
قال الإمام محمد بن عبدالله (ع) في الفرائد: وقد علم أن منهم الناكثين والقاسطين وأمثالهم؛ ولو لم يكن إلا آية البغاة: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ }...إلخ [الحجرات:9]، فسماهم مؤمنين باعتبار الأصل، قال: {فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ } فسمّاها ووصفها بالبغي حتى ترجع؛ وسماهم النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ بالناكثين والقاسطين والمارقين.
وسمّاهم بالفئة الباغية في حديث عمّار ـ رضي الله عنه ـ: ((يدعوهم إلى الجنة، ويدعونه إلى النار)).
ألا ترى إلى قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ...الآية} [المائدة:54]، كيف سماهم أولاً مؤمنين؟ فهل بعد الردة يسمون مؤمنين؟ وكم في القرآن من التسمية بالمؤمنين؛ ثم تعقب ذلك بوصف آخر.
وحديث عمار ـ رضي الله عنه ـ قطعي عند الموالف والمخالف؛ فما بقي بعد هذا التصريح؟
فهل النكث والقسط والمروق من الكبائر أم لا؟ /548(2/548)


وهل قوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((أنا حرب لمن حاربكم سلم لمن سالمكم)) ـ وقد قرر المقبلي بأنه من المتواتر معنى بشواهده ـ فهل من حارب الله ورسوله هو من أهل الكبائر؟
قلت: وكفاه قول الرسول ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ المقطوع به: ((اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله))، فقد صار عدوّ الله تعالى مخذولاً بدعوة رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ.
قال: والقتلى في يوم الجمل نحو ثلاثين ألفاً، وفي صفين سبعين ألفاً، وقيل: إن القتلى انتهت إلى مائة وعشرين ألفاً، وفي النهروان ثمانية آلاف، وقيل: أقل، وقيل: أكثر؛ فهذه الأمم قتلوا وهم مؤمنون، وقد قلتم: إنه لا توبة لقتل مؤمن واحد، فهل تاب علي (ع)؟ أم القتلى من الفرق الثلاث غير مؤمنين بل فساق أو كفار؟
وقد روى أئمتنا (ع) وغيرهم، حديث: ((لعنتك يا علي من لعنتي، ولعنتي من لعنة الله، ومن يلعن الله فلن تجد له نصيراً)).
وروى أيضاً أحاديث مرفوعة فيها لعن معاوية خاصة به وبأبيه وأخيه، وحديث: ((إذا رأيتم معاوية على منبري فاقتلوه)) حديث مشهور، وقد رواه الذهبي من طرق وقوّاه، وهو من أشد الخصوم؛ فلم يقبله إلا لكونه متواتراً، أو نحو المتواتر.
وقال الحسن البصري ـ رحمه الله ـ: هم رأوه فلم يقتلوه فما أفلحوا ولا أنجحوا.
وحديث: ((لعن الله السائق والقائد والراكب))، رواه الهيثم، وذكره في العواصم.
وحديث: ((إذا اجتمع معاوية وعمرو، ففرّقوا بينهما، فإنهما لا يجتمعان إلا على غديرة)).
وحديث: ((اللهم اركسهما ـ أي معاوية وعمراً ـ في الفتنة ركساً، ودعّهما في النار دعاً))، رواه أحمد بن حنبل وغيره، وذكره ابن الأثير في النهاية.
وكم من نحو ذلك مما غلب الخصوم ظهوره.
ورووا أيضاً بأن علياً (ع) لعن معاوية في عشرة من فراعنته، وصحّ ذلك /549(2/549)


عندهم قطعاً، وأقرّ به الخصوم كلهم أو الغالب منهم.
قلت: ويعلم بهذا وغيره من البراهين القاطعة بطلان ما افتراه الوضاعون عليه ـ رضوان الله عليه ـ أنه قال: قتلاي وقتلى معاوية في الجنة؛ وأنه صلى عليهم.
قال (ع): أما حديث صلاة أمير المؤمنين (ع) على قتلى معاوية، فالمروي من طريق أولاده وشيعتهم ـ رحمهم الله ـ أنه كان يقول عند رؤيته القتيل: (اللهم إنه كان عدوّك، قاتل ليدحض دينك، ويخالف ما جاء به رسولك، فأصله النار)، فهذه صلاته (ع) على قتلى معاوية.
والحديث الثاني أنه (ع) قال: (قتلاي وقتلى معاوية في الجنة)، فهو مخالف لما صحّ بالضرورة والقطع؛ لما رواه الموالف والمخالف؛ فمن ذلك حديث عمار ـ رضي الله عنه ـ وهو قطعي بل ضروري، وفيه: ((يدعوهم إلى الجنة، ويدعونه إلى النار)) وفيه: ((قاتل عمار في النار وسالبه))
قال النواصب: قد أخطا معاوية .... في الاجتهاد وأخطا فيه صاحبهُ
قلنا: كذبتم فلم قال النبي لنا .... في النار قاتل عمار وسالبهُ؟
ومنها: ما تواتر قطعاً عن أمير المؤمنين (ع)، ومنها: حديث الثلاث الفرق: ناكث وقاسط ومارق، وفيه الأمر من النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ لعلي(ع) بقتالهم وقتلهم؛ أفيأمر معلم الشريعة بقتلهم وقتالهم، ثم يكون الباغي من أهل الجنة؟!! هذا هو الضلال المبين، والخسران في دين رب العالمين.
ومنها: /550(2/550)


حديث الغدير الذي إذا لم يكن معلوماً فما في الدنيا معلوم، هكذا قرره المقبلي من الخصوم؛ ولا يحتاج إلى ذكر شيء.
ومنها: حديث: ((أنا حرب لمن حاربكم، سلم لمن سالمكم)) بألفاظه وسياقاته، وعمومه للأربعة أهل البيت (ع)، وخصوصه لعلي (ع)، وهو متواتر بشواهده، قرره المقبلي وغيره.
ومنها: حديث السفينة، فهل نجا من قوم نوح (ع) غير من ركب السفينة وقد قال: {أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا }؟ [نوح:25]، وفيه: ((من ركبها نجا، ومن تخلف عنها غرق وهوى ـ أو زجّ به في النار ـ)).
وكم لو نريد الاستقصاء؛ وإنما في هذا بلاغ وأي بلاغ؛ فقد دلّ الدليل القاطع من وجوه كثيرة أنه(ع) يدور معه الحق حيثما دار، وأنه مع الحق والقرآن، والقرآن والحق معه، وأنه رأس الثقل الأصغر، وخبرا السفينة، وباب حطة، وآية التطهير، والمباهلة، والمودة، والاجتباء، والاصطفاء، والمخصوص بالمحبة الخاصة في حديث الطير، وخيبر، وغير ذلك مما لا يحصى كثرة في أهل البيت عموماً، وفيه خصوصاً، مثل: حديث الغدير، والمنزلة، وغيرهما، أن قوله وفعله وحكمه هو الحق الذي لا محيص عنه، وغير ذلك مما لا ينحصر؛ فلا نعلم بلفظ يفيد الاستخلاف على الأمة والولاية والإمامة إلا وقد ورد لعلي (ع).
إذا عرفت هذا، فالمعلوم أن الصحابة سمعوا من رسول الله ذلك، وعقلوه؛ لكونهم من صميم العرب، وبلغتهم خوطبوا؛ ولو فرضنا، على بعده، لو أن شبهة اعترت أحدهم لسأل النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ عنها، فيبينها، فمن سمع فهو ضروري في حقه، ومن لم يسمع في بعض الأحاديث فقد نُقل إليه؛ فهذا أصل من أصول الشريعة.
قلت: ولم يزل النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ يبلغهم ما أنزل الله عليه في شأن أخيه، وتلاه الوصي ـ صلوات الله عليه ـ /551(2/551)


المبين للأمة ما يختلفون فيه.
[حديث الشورى ومخرجوه وما اشتمل عليه]
وقد أورد عليهم يوم الشورى ـ دعْ عنك ما سواه ـ نحو سبعين حجة.
وقد أخرجه الإمام المؤيد بالله (ع) في أماليه، وصاحب الكامل المنير، والإمام المنصور بالله (ع) في الشافي بطرقه، والإمام الحسن (ع) في الأنوار، وصاحب المحيط، وحميد الشهيد، وابن المغازلي، والكنجي، والخوازمي، بزيادة ونقص، وصحح شارح النهج كثيراً منه؛ وأخرجه غيرهم من أئمتنا (ع)، وشيعتهم، والعامة.
وقد اشتمل على الكثير الطيب مما نزلت به في شأنه الآي القرآنية، والأخبار المتواترة النبوية.
وفي خاتمة إحدى الطرق التي أوردها الإمام الحجة عبدالله بن حمزة (ع) في الشافي بسنده إلى عامر بن واثلة: فأنشدكم بالله، هل فيكم أحد قال له رسول الله - صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم -: ((ما سألت الله شيئاً إلا سألت لك مثله)) غيري؟
قال أيّده الله في التخريج: قوله: ما سألت الله شيئاً...إلخ، المرشد بالله عن أبي الجحاف، عن علي (ع).
وأخرجه ابن المغازلي عن عبدالله بن الحارث، عن علي (ع)، والنسائي في خصائصه، وذكر ما ذكره الإمام محمد بن عبدالله (ع)، وهو ما لفظه: وقد أخرج السيوطي في الجامع الكبير عن علي (ع) قال: وجعت وجعاً فأتيت النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ، فأقامني في مقامه، وقام يصلي، وألقى علي طرف ثوبه، فقال: ((برئتَ يا ابن أبي طالب، فلا بأس عليك، ما سألت الله لي شيئاً إلا سألت لك مثله، ولا سألت الله شيئاً إلا أعطانيه غير قيل لي: إنه لا نبي بعدك...إلخ))، أخرجه ابن أبي عاصم، وابن جرير، وصححه؛ والطبراني في الأوسط، وابن شاهين في السنّة، وسكت السيوطي، ولم يقدح فيه حسب عادته إذا ثمّة مقال.
وساق ـ أيّده الله تعالى ـ إلى قوله: قال علي (ع): كنت في أيام رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ كجزء من رسول /552(2/552)

85 / 151
ع
En
A+
A-