وقال:
أيها الناس، إني وليت أمركم ولست بخيركم؛ فإذا أحسنت فأعينوني، وإن أسأت فقوموني؛ إن لي شيطاناً يعتريني، فإياكم وإياي إذا غضبت، لا أؤثر في أشعاركم وأبشاركم؛ الصدق أمانة، والكذب خيانة...إلخ.
قلت: ليته ترك خيرهم يليهم، الذي لا يحتاج إلى تقويم، ولا يؤثر في أشعارهم وأبشارهم، بل يحملهم على المحجة البيضاء، والحق القويم، والصراط المستقيم، الذي كان إذا علا المنبر يقول: سلوني قبل أن تفقدوني...إلخ.
وهو الذي نصبه لهم رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ يوم الغدير، وقرر ولايته، وهنّأه بذلك أبو بكر وعمر.
* ولو لم يكن نصٌّ لقدمه الفضل *
فكيف والنصوص فيه من الكتاب والسنة أكثر من أن تحصر؛ إذاً والله لأراح واستراح؛ الله أعلم حيث يجعل رسالاته.
قال نجم آل الرسول، القاسم بن إبراهيم، عليهم الصلوات /538(2/538)


والتسليم: واعلم أنه لا يجوز أن يقوم مقام رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ من إذا قضى بقضية أو أحدث حدثاً لم يأت عن الله، ولم يحكم به رسول الله، فراجعه فيه من هو أعلم به منه، رجع عن حكمه واعترف، كان قوله: عليَّ شيطان يعتريني.
..إلى قوله: وإنما يصلح للإمامة، ويخلف النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ في أمته، من كان إذا صعد المنبر يقول: سلوني قبل أن تفقدوني، فعندي علم المنايا، والقضايا والوصايا، وفصل الخطاب؛ والله لأنا أعلم بطرق السماء من العالم منكم بطرق الأرض، وما من آية نزلت في ليل ولا نهار، ولا سهل ولا جبل، إلا وأنا أعلم فيمن نزلت؟ وفيم نزلت؟ ولقد أسرَّ إلي رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ ألف باب من مكنون علمه، فتح كل باب منها ألف باب.
...إلى أن قال: والله يقول: {أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لَا يَهِدِّي } [يونس:35].
قلت: وقوله ـ رضوان الله عليه ـ: ((سلوني قبل أن تفقدوني))، من أخباره المعلومة بين الأمة؛ وقد أخرجه مسلم عن علي ـ سلام الله عليه ـ بلفظ: ((سلوني قبل أن تفقدوني، سلوني عن كتاب الله، وما من آية إلا وأنا أعلم حيث نزلت بحضيض جبل أو سهل أرض، وسلوني عن الفتن، فما من فتنة إلا وقد علمت كبشها، ومن يقتل فيها)).
قال: ولم يكن أحد من الصحابة يقول: /539(2/539)


((سلوني)) غيره.
وأخرجه أحمد عن سعيد بلفظ: لم يكن أحد من أصحاب رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ يقول: ((سلوني قبل أن تفقدوني)) إلا علي بن أبي طالب.
وأخرجه ابن عبد البر في الاستيعاب بلفظ: ما كان أحد من الناس يقول: ((سلوني)) غير علي بن أبي طالب.
وذكره شارح النهج، وساق فيه خبراً عجيباً.
هذا، وفي شرح النهج: عن الزبير بن بكار، عن محمد بن إسحاق، قال: وكان عامة المهاجرين وجل الأنصار لا يشكّون أن علياً هو صاحب الأمر بعد رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ.
قلت: وكذلك أبو بكر وعمر، ومن معهم يعلمون ذلك، وهم مقرون أن بيعتهم كانت فلتة، كما قال عمر على المنبر، وحكم على من عاد إلى مثلها بالقتل؛ كما رواه البخاري ومسلم.
[يوم الشقاق، ومخالفة الرسول (ص) يوم الخميس]
ولا يستنكر شيء بعد واقعة يوم الخميس.
يوم الخميس وما يوم الخميس به .... كلّ الرزية قال البحر هي هي هي
التي أخرجها الشيخان وغيرهما، وأجمع على وقوعها الخلق، من صدور النزاع، والتقدم بين يدي الله ورسوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ حتى أدى إلى منع رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ عما أراد من تأكيد عهده، وكتابة الكتاب الذي لا يضلون من بعده؛ وكان ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ قد أقام البرهان، وأعلن البيان، وإنما أراد التأكيد وزيادة التبليغ، ففهم عمر قصده، ولولا ذلك ما استطاع عمر ولا جميع الخلق رده.
وعلى كل حال، فلعمر الله، إن تلك واقعة في الإسلام تذوب لها القلوب، وتقشعر منها الجلود، من كل من بقي في قلبه مثقال ذرة من الإيمان، ونعوذ بالله من الخذلان؛ فلهذا كان ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ إذا ذكرها يبكي حتى يبل دمعه الحصى، ويقول: إنها الرزية /540(2/540)


كل الرزية؛ برواية البخاري ومسلم وغيرهما.
وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالاً مبينا.
وتعقّب ذلك ما هو مشهور، وعلى صفحات الصحائف مسطور، وإلى الله ترجع الأمور.
قد كان بعدكَ أنباء وهينمة .... وما من الكرب لا أسطيع أبديهِ
والعجب كل العجب، ممن يبالغ أشدّ المبالغة في المنع عن التصريح بالحق، والقيام لله بالشهادة بالقسط، زعماً منهم لرعاية حق الصحابة، ولا يبالون مع ذلك بالإضاعة لحقوق الله ـ تعالى ـ، وحقوق رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ، وأهل بيته من الصحابة والقرابة، ولا بالإعراض عن نصوص الكتاب والسنة؛ ويعتمدون على روايات مفتريات، ويردون الصحيحات والمتواترات.
وقد علمَ الله تعالى أنّا أحرص الناس على احترام أصحاب نبينا وأبينا ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ، وأولاهم برعاية جانبهم، وتجليلهم وتكريمهم وتعظيمهم؛ ولكن من ثبت منهم على ما فارق عليه الرسول - صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم - ولزم هديه، وحفظ وصاته في أهل بيته، كما أنهم أولى الناس بالتمسك بأهل بيت نبيهم، والاعتصام بحبلهم واتباع سبيلهم، والالتزام بما سمعوه من نبيهم ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ إذْ هو ضروري في حقهم.
وعلى الجملة، المتبع الدليل، وليس على سواه تعويل، والله يقول الحق وهو يهدي السبيل. /541(2/541)


[الإسحاق بن يوسف والسعد ينطقان بالكلام النفيس]
قال العلامة شيخ العترة إسحاق بن يوسف ـ رضي الله عنه ـ: ولهذا الشأن تواصوا على ترك البحث عما تضمنت النصوص الواردة في علي (ع) حتى آل أمر الخصوم أن من بحث أو سأل عما دلت عليه تلك الأحاديث فهو رافضي، ونبزوه بتلك الأسماء القبيحة؛ كل ذلك لئلا يتبين أمر أبي بكر، ويتعاظم أمر علي (ع)، حتى حسموا المادة بترك أي وصمة على مثل معاوية ويزيد المريد، ونحوهم؛ لئلا يرتقى إلى الأعلى فالأعلى؛ ومن قال أي وصمة على مثل هؤلاء، الذين هم من أعداء الله ورسوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ أو أي شيء، فهو رافضي كذاب، وتناسوا أن الله ـ جل جلاله ـ قد أوجب في آيتين كريمتين ـ دعْ ما سواهما ـ وجوب القول بالحق والقسط في الشهادة، ولو على أنفسهم أو الوالدين أو الأقربين، ونهى عن اللي والإعراض، فتركوا ما علموا وعقلوا، وكيف بقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ(159) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ(160)} [البقرة:159،160]، وقوله تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ }...الآية [آل عمران:187]، فما عذرهم من القول بالحق...إلخ. /542(2/542)

83 / 151
ع
En
A+
A-