نحن أهله وعصبته وذريته، وأحق خلق الله به، لا ننازع سلطانه ولا حقه؛ وإنا لكذلك إذ انبرى لنا قوم نزعوا سلطان نبينا منا، وولوه غيرنا؛ وأيم الله، لولا مخافة فرقة المسلمين، وأن يعود الكفر الثاني، ويبور الدين، لغيَّرنا ما استطعنا...إلى آخر الكلام المروي في الشافي.
ورواه المدائني عن عبدالله بن جنادة في خطبة علي (ع) بلفظه: وأيم الله، لولا مخافة الفرقة بين المسلمين، وأن يعود الكفر ويبور الدين، لكنا على غير ما كنا لهم عليه...إلى آخر الخطبة المروية في شرح النهج.
وفيها: لما قبض رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ، قلنا: نحن أهله وورثته وعترته، وأولياؤه دون الناس...إلخ.
وهذا الكلام قاله (ع) قبل توجهه إلى البصرة للحاق طلحة والزبير بيوم؛ أفاده في الشافي.
قال ابن عبد البر في الاستيعاب: ذكر عمر بن شبة، عن المدائني، عن أبي مخنف، عن جابر، عن الشعبي، قال: لما خرج طلحة، والزبير.
..إلى قوله: فقال ـ أي علي (ع) ـ: العجب لطلحة والزبير؛ إن الله ـ عز وجل ـ لما قبض رسوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ، قلنا: نحن أهله وأولياؤه، لا ينازعنا سلطانه أحد، فأبى علينا قومنا فولوا غيرنا؛ وأيم الله، لولا مخافة الفرقة، وأن يعود الكفر، ويبور الدين، لغيّرنا؛ فصبرنا على مضض...إلخ، انتهى.
وقال: لما قبض نبيه استأثرت علينا قريش بالأمر، ودفعتنا عن حق نحن أحق به من الناس كافة؛ فرأيت أن الصبر على ذلك أفضل من تفريق كلمة المسلمين، وسفك دمائهم؛ والناس حديثوا عهد بالإسلام.
رواه الكلبي. /528(2/528)


ولم يزل مع ذلك يقيم الحجة، ويوضح المحجة للأمة على كل حال، وبكل مقال، كما قال الإمام (ع) في الشافي، وعلى أنه (ع) لم يغفل الكلام، والاحتجاج والتعريف أنه أولى بالإمامة في مقام بعد مقام.
...إلى قوله: فما قام (ع) مقاماً إلا وذكر أنه أولى بالأمر بعد رسول الله - صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم - فأي بيان أوضح من ذلك لمن كان له رأي رشيد، ونظر سديد؟!
قال (ع): وتلك حال يجب فيها لم الشمل ما أمكن؛ لعظم المصيبة لموت النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ، وظهور الردة، ونجوم المنافقين، وخشية اشتقاق العصى بين المسلمين، فلهذا عمل علي (ع) بما يسعه العلم والدين، واستبقاء حال الإسلام والمسلمين، ففعل علي(ع) في كل وقت من أوقات الخلفاء، ومن بعدهم، ما يقتضيه علمه الثاقب، ورأيه الصائب، واستعمل القول اللين في وقت، ويعرض بالقول الخشن في وقت، وأطلق القول الأخشن في وقت، واستعمل السوط بل السيف في وقت.
[التخيير لعلي(ع) بين القيام والقعود أيام المشائخ، وتحتم القيام أيام الناكثين والقاسطين والمارقين]
...إلى قوله: وعلى هذا وقع التخيير لعلي (ع) في القيام في أوقات المشائخ وبعدهم كما في الخبر: ((فإن قُمْتَ فالجنة، وإن قعدتَ فالجنة))، لما كان القيام غير متعين عليه لما سقط من شرائط الوجوب؛ وبعد ذلك عند التمكن وإزاحة العلة، قال ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((فإن قمتَ فالجنة، وإن قعدتَ فالنار)).
وأخرج الإمام (ع) عن الشيخ الإمام العالم، صاحب المحيط،/529(2/529)


بسنده إلى أبي رافع في خبر الشورى، قول أمير المؤمنين (ع): أما والله إنكم لتعرفون من أولى الناس بهذا الأمر قديماً وحديثاً، وما منكم أحد إلا وقد سمع من رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ ووعى ما وعيته.
وأقواله (ع) في هذا المعنى أكثر من أن تحصر، والأمر كما قال في الفرائد: كل من يتصف بأدنى ذرة من إنصاف أو دين يعلم أن أقلّ قليل مما وقع منهم في جانبه يكفي في وضوح عذره؛ على أنه (ع) قد أبان عذره في كل مقام، وتكلم بما يليق بالدين والعلم، ثم نجم النفاق، وأحاطت الردة، واشتعلت نارها، فلم يسعه إلا صيانة الإسلام.
صان الوصيُّ بها الإسلام إذْ بقيت .... أعلام شرع يراعيها مراعيهِ
لم يكن أمر الصحابة بأعجب ولا أعظم من أمر أصحاب موسى (ع)، وقد خلف عليهم هارون(ع)، ووعدهم بالرجوع، فوقعت فتنة العجل، وعصوا وخالفوا أخاه، واستضعفوه وكادوا يقتلونه، والحال أنه بقي معه من بني إسرائيل ألوف مؤلفة؛ فكيف يشبهه علي (ع) فلم يبق معه إلا بنو هاشم ونفر من المؤمنين.
...إلى قوله: مع إياسه من عودة رسول الله - صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم - فكيف لا يصبر، وقد قال له أخوه - صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم -: ((تبكيه ضغائن في صدور أقوام لا يبدونها لك إلا بعد موتي)).
وقال له: ((إن قمتَ فالجنة، وإن قعدتَ فالجنة)).
وقال أمير المؤمنين (ع): والله لأسلمنّ ما سلمت أمور المسلمين...إلخ.
[احتجاج علي لمَّا أُريد إكراهه على بيعة أبي بكر، وامتناعه عنها]
قلت: وفي أخبار السقيفة: واجتمعت بنو هاشم إلى بيت علي بن أبي طالب، ومعهم الزبير، وكان يعدّ نفسه رجلاً من بني هاشم، كان علي يقول: ما زال الزبير منا أهل البيت حتى نشأ بنوه، فصرفوه عنا.
..إلى قوله: وذهب عمر، ومعه عصابة إلى بيت فاطمة، منهم: /530(2/530)


أسيد بن حضير، وسلمة بن أسلم، فقال لهم: انطلقوا فبايعوا.
فأبوا عليه، وخرج عليهم الزبير بسيفه.
...إلى قوله: ثم انطلقوا به وبعلي، ومعهما بنو هاشم، وعلي يقول: أنا عبد الله، وأخو رسوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ.
..إلى قول أمير المؤمنين (ع): لا أبايعكم وأنتم أولى بالبيعة لي؛ أخذتم هذا الأمر من الأنصار، واحتججتم عليهم بالقرابة من رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ فأعطوكم المقادة، وسلموا إليكم الإمارة؛ وأنا أحتج عليكم بمثلما احتججتم به على الأنصار، فأنصفونا إن كنتم تخافون الله من أنفسكم، واعرفوا لنا من الأمر مثلما عرفت الأنصار لكم، وإلا فبوؤا بالظلم وأنتم تعلمون.
قلت: وهذه حجة عليهم لازمة لا يجدون عنها محيصاً، ولا يستطيعون لها رداً؛ لأنه إذا بطل متمسك الخصم، الذي ليس له شبهة سواه، بطلت دعواه؛ ولهذا كرر الاحتجاج بها عليهم الوصي والحسنان، وسائر أهل بيت النبوة ـ صلوات الله عليهم ـ، وهو مسلك من البيان، نطق به القرآن، في غير مكان؛ مع أنه ـ رضوان الله عليه ـ قد احتج عليهم بنصوص الكتاب والسنة في مقامات عديدة.
ومما اتفق عليه منها: يوم الشورى، ومنها: يوم استنشد الناس حديث غدير خم، وغيرهما، وهم يعلمونها، ويقرون بها، وما طال العهد، ولا بعد الأثر؛ وتارة عدل هو وأهل بيته إلى الاحتجاج عليهم بنفس حجتهم وعين دليلهم، وهو من القلب الذي يقال له: القول بالموجب.
وفي ذلك يقول أمير المؤمنين (ع) مخاطباً لأبي بكر:
فإن كنتَ بالقربى حججتَ خصيمَهم .... فغيرك أولى بالنبي وأقربُ
وإن كنتَ بالشورى ملكتَ أمورهم .... فكيف تليها والمشيرون غيّب؟
وهذا واضح معلوم، لا يمتري فيه إلا جاهل محروم، أو متجاهل ملوم، /531(2/531)


وعند الله تجتمع الخصوم.
عدنا إلى تمام الكلام.
قال: فقال عمر: إنك لست متروكاً حتى تبايع.
فقال له علي: احلب حلباً لك شطره، أشدد له اليوم أمره، ليرده عليك غداً؛ لا والله؛ لا أقبل قولك ولا أبايعه.
إلى قول علي (ع): يا معشر المهاجرين، الله الله، لا تخرجوا سلطان محمد عن داره وبيته إلى بيوتكم ودوركم، ولا تدفعوا أهله عن مقامه في الناس وحقه؛ فوالله ـ يا معشر المهاجرين ـ لنحن أهل البيت أحق بهذا الأمر منكم، ما كان منا القاريء لكتاب الله، الفقيه في دين الله، العالم بالسنة، المضطلع بأمر الرعية؛ والله، إنه لفينا، فلا تتبعوا الهوى فتزدادوا من الحق بعداً.
فقال بشير بن سعد: لو كان هذا الكلام سمعته منك الأنصار يا علي قبل بيعتهم لأبي بكر ما اختلف عليك اثنان، ولكنهم قد بايعوا.
فانصرف إلى منزله، ولم يبايع...إلى آخره.
أخرجه أبو بكر أحمد بن عبد العزيز الجوهري بسنده، في كتاب السقيفة.
قال شارح النهج: فأما امتناع علي من البيعة حتى أخرج على الوجه الذي أخرج عليه، فقد ذكره المحدثون، ورواه أهل السير.
وقد ذكرنا /532(2/532)

81 / 151
ع
En
A+
A-