حامل الحسين بن علي على عاتقه، كأني أنظر إلى كفّه الطيبة، واضعها على قدمه، يلصقها بصدره، فقال: ((أيها الناس، لا أعرفن ما اختلفتم في الخيار بعدي؛ هذا الحسين بن علي خيار الناس جداً وجدة)).
ثم ساق في أبويه، وأخيه، وعمه، وعمته، وخاله، وخالته، على هذا النحو.
قال الكنجي: هذا سند اجتمع فيه جماعة أئمة الأمصار، منهم: ابن جرير الطبري، ومنهم: إمام أهل الحديث ابن ثابت الخطيب، ذكره في تاريخه، ومنهم: محمد بن تمام بن عساكر في تاريخه.
قال الإمام محمد بن عبدالله الوزير في الفرائد عقيب هذا: وأخرجه السمهودي الشافعي نزيل مكة، وقال: أخرجه ابن حبان في كتاب السنة الكبير، وزاد فيه ما لفظه: أيها الناس، إن الفضل، والشرف، والمنزلة، والولاية لرسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ وذريته؛ فلا تذهبن بكم الأباطيل.
انتهى وسيأتي ـ إن شاء الله ـ.
وروى الإمام الموفق بالله (ع) بإسناده إلى أنس، قال: سمعت رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ يقول: ((ليدخلن علي اليوم رجل هو خير الأوصياء، وسيد الشهداء، وأقرب الناس من النبيين يوم القيامة))، قال: فدخل عليه علي بن أبي طالب، فقال ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((ومالي لا أقول هذا فيك، وأنت تبرئ ذمتي، وتحفظ وصيتي، وتقضي ديني))، ورواه محمد بن سليمان عن أنس.
وأخرج قوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((علي سيد الشهداء)) الإمام المرشد بالله (ع) عن علي ـ صلوات الله عليه ـ.
وسيأتي ـ إن شاء الله تعالى ـ خبر سادة أهل الجنة وغيره، مما استلزم التكرير؛ لاقتضاء المقامات وهو يسير، وقد مَرّ.
وستأتي أيضاً أخبار أقدم أمتي سلماً، وأكملهم حلماً، /518(2/518)
وأكثرهم علماً، وأن الله اختاره من أهل الأرض بعد رسوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ، وأنه أول المسلمين إسلاماً، وأعلمهم علماً؛ وأنه أول من آمن به، والصديق الأكبر، والفاروق الذي يفرق بين الحق والباطل، ويعسوب المؤمنين؛ وأنه أولهم إيماناً بالله، وأوفاهم بعهد الله، وأقومهم بأمر الله، وأقسمهم بالسوية، وأعدلهم في الرعية، وأبصرهم بالقضية، وأعظمهم عند الله مزية، وخير البرية؛ وأنه أفضلهم، وأشدهم لله غضباً ونكاية في العدو؛ وأنه خير الأوصياء؛ وأنه عبد الله، وأخو رسوله؛ قد علَّمه عِلْمه، واستودعه سره، وهو أمينه على أمته؛ وأنه سيد العرب، وسيد ولد آدم ما خلا النبيين والمرسلين، وسيد المسلمين، وسيد الوصيين، وأمير المؤمنين، وإمام المتقين، وقائد الغر المحجلين.
[أحاديث السيادة لعلي ـ وتخريجها]
وأخرج الحاكم في المستدرك عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ: نظر النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ إلى علي، فقال: ((يا علي، أنت سيد في الدنيا، وسيد في الآخرة، حبيبك حبيبي، وحبيبي حبيب الله، وعدوّك عدوي، وعدوّي عدوّ الله؛ والويل لمن أبغضك بعدي)) قال: صحيح على شرط الشيخين.
وأخرجه أبو علي الصفار بسنده إلى أنس بلفظ: نظر رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ إلى علي بن أبي طالب، فقال: ((أنت سيد في الدنيا، وسيد في الآخرة، ومن أحبك فقد أحبني، ومن أحبني فقد أحب الله، ومن أبغضك فقد أبغضني، ومن أبغضني فقد أبغض الله؛ وويل لمن أبغضك بعدي))، رواه في الأربعين.
وأخرجه بمثل روايته ابن المغازلي، عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ، وأخرجه أحمد بن حنبل عن ابن عباس بلفظ: ((أنتَ سيّد في الدنيا، وسيّد في الآخرة، من أحبك فقد أحبني، وحبيبك حبيب الله، وعدوّك عدوّي، وعدوّي عدوّ /519(2/519)
الله، والويل لمن أبغضك من بعدي)).
وعنه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ أنه قال لفاطمة: ((والذي بعثني بالحق، إنكِ سيّدة نساء العالمين، ولقد زوجتك سيداً في الدنيا، وسيداً في الآخرة))، رواه ابن المغازلي، وابن السراج عن عمران بن الحصين.
انتهى من التخريج.
وعنه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ أنه قال لعلي (ع): ((لولا أني خاتم الأنبياء لكنتَ شريكاً في النبوة، فإلا تكن نبياً فإنك وصي نبي ووارثه؛ بل أنت سيد الأوصياء، وإمام الأتقياء))، رواه في شرح النهج عن الصادق (ع).
وقال ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ في علي (ع): ((إنه سيد المسلمين من بعدي، وأمير المؤمنين، وقائد الغر المحجلين، وإمام المتقين))، أخرجه محمد بن منصور، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس.
[انتهى] من مناقب خير الأوصياء.
وفي خبر المنادي يوم القيامة: ((هذا علي بن أبي طالب، وصي رسول رب العالمين، وأمير المؤمنين، وقائد الغر المحجلين، إلى جنات النعيم)) أخرجه الكنجي عن ابن عباس، والخوارزمي.
وأخرج الكنجي أيضاً خبر: ((ترد عليَّ الحوض راية علي أمير المؤمنين، وإمام الغر المحجلين)) عن أبي ذر ـ رضي الله عنه ـ كما سبق.
وكذا ما أخرجه الإمام علي بن موسى الرضا، عن آبائه (ع): ((يا علي، أنا سيد المرسلين وأنت يعسوب المؤمنين، وإمام المتقين، وقائد الغر المحجلين)).
وما أخرجه الإمام الناصر للحق (ع)، وعلي بن بلال، بسندهما إلى عبدالله بن أسعد بن زرارة، عن أبيه أسعد: ((أُوحي إليَّ في علي أنه سيد المسلمين، وإمام المتقين، وقائد الغر المحجلين)).
وأخرجه محمد بن سليمان الكوفي، عن عبدالله بن أسعد، عن أبيه، وعن جابر؛ والحاكم في المستدرك وصححه، عن أسعد بن زرارة /520(2/520)
بلفظ: ((أُوحي إليّ في علي ثلاث: أنه سيد المؤمنين... الخبر)).
وخبر: ((مرحباً بسيد المؤمنين، وإمام المتقين))، أخرجه أبو نعيم.
وقد سبق من هذه الأخبار النبوية، وما في معناها بطرقها في الفصل الأول، ما فيه تبصرة لذوي الأبصار.
[الأخبار الدالة على إمامة السبطين، وأن أولادهما أحق بالإمامة، وتخريجها]
ومن الأخبار المتواترة المعلومة، القاضية لأمير المؤمنين، وسيد الوصيين، وأخي سيد النبيين ـ صلى الله وسلم عليهم أجمعين ـ بالسيادة والخيرية والإمامة، نحو: الخبر الشريف، الذي قال فيه إمام الأئمة، الهادي إلى الحق (ع) ما نصه: وأجمعت الأمة أن رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ قال: ((الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة، وأبوهما خير منهما))، وقال: ((هما إمامان قاما أو قعدا))، وأجمعوا أن رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ قال: ((إني تارك فيكم الثقلين ما إن تمسكتم به لن تضلوا من بعدي أبداً: كتاب الله، وعترتي أهل بيتي؛ إن اللطيف الخبير نبأني أنهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض))، انتهى.
وقال الإمام المنصور بالله (ع) في الشافي: وروينا من غير طريق أن النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ قال: ((الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة، وأبوهما خير منهما))، انتهى.
قال السيوطي في الجامع الصغير ـ وقد ساق الرواة والمخرجين لقوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة)) ـ ما لفظه: وهو متواتر؛ أفاده العزيزي. /521(2/521)
وقال الإمام (ع) في الشافي: والأمة لم تختلف في قول رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا، وأبوهما خير منهما)).
وقال أيضاً: والخبر مشهور، تلقته الأمة بالقبول.
قال ـ أيده الله تعالى ـ في التخريج: قال الإمام الحسن بن بدر الدين (ع): والعترة مجمعة على صحته.
وقال: إنه مما ظهر، واشتهر بين الأمة، وتلقته بالقبول، ولا جحده أحد، ممن يعوّل عليه من علماء المسلمين.
ثم حكى عن الإمام القاسم بن محمد، والمرتضى بن المفضل، والشرفي، وحميد الشهيد، برواية الإمام عز الدين بن الحسن، والقاضي عبدالله بن زيد، والنجري، والقاضي أحمد حابس، مثل ذلك.
قال ـ أيده الله ـ: ومما يدل على إمامة الحسنين، وأن ولدهما أحق بالإمامة: قوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((من سره أن يحيى حياتي))...إلى قوله: ((فليتولّ علي بن أبي طالب، وذريته الطاهرين أئمة الهدى...إلخ))، رواه المرشد بالله بإسناده إلى الحسين السبط (ع).
ورواه ابن شاهين، وابن مندة، والباوردي، ومُطين، عن زياد بن مطرف؛ ورواه المرشد بالله (ع) بإسناده إلى ابن عباس بلفظ: ((وأوصياءه، فهم الأولياء، والأئمة من بعدي...إلخ)).
ورواه أبو /522(2/522)