المغازلي عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ عنه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ، قال: ((يا علي، سلمك سلمي، وحربك حربي، وأنت العلم ما بيني وبين أمتي من بعدي)).
أفاده أيّده الله في التخريج.
وهذا طرف من طرقها، ويأتي الكلام عليها مستوفى - إن شاء الله تعالى -، وقد أَقَرّ بتواترها الخصوم.
وأخبار: إن حبه إيمان، وبغضه نفاق، كذلك.
وقد مَرّ نحو قوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((لا يتقدمك بعدي إلا كافر، ولا يتخلفك بعدي إلا كافر؛ وإن أهل السماوات ليسمونك أمير المؤمنين))، أخرجه الإمام (ع) في الشافي، بسنده إلى صاحب المحيط بالإمامة؛ وأخرجه أبوالعباس (ع) يبلغان به الحارث بن الخزرج.
وقوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((يا معشر المسلمين لا تخالفوا علياً فتضلوا، ولا تحسدوه فتكفروا)) أخرجه محمد بن منصور عن زيد بن علي، عن آبائه، عن علي (ع)؛ وأخرجه محمد بن سليمان عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ.
ونحو قوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((علي باب حطة، من دخل منه كان مؤمناً، ومن خرج منه كان كافراً))، أخرجه الدارقطني، والحاكم عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ.
وقوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((ألا إن التاركين ولاية علي هم الخارجون عن ديني)) أخرجه أبو العباس (ع) عن حذيفة؛ وقد مَرّ.
وقوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((وهو إمامكم بعدي، فمن رضي بذلك لقيني على ما فارقته؛ ومن غيّر وبدّل لقيني ناكثاً بيعتي، عاصياً لأمري، جاحداً لنبوتي، لا أشفع له عند ربي، ولا أسقيه من حوضي))، أخرجه محمد بن سليمان الكوفي بسنده إلى الإمام النفس الزكية محمد بن عبدالله، وأخيه الإمام يحيى بن عبدالله، عن أبيهما عبدالله بن الحسن، عن أبيه الحسن بن الحسن، عن جده أمير المؤمنين (ع).
ولما نزل قوله تعالى: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً }...الآية [الأنفال:35]، قال النبي ـ صلى /498(2/498)
الله عليه وآله وسلم ـ: ((من ظلم علياً مقعده هذا بعد وفاتي، فكأنما جحد نبوتي ونبوة الأنبياء قبلي))، أخرجه الحاكم أبو القاسم الحسكاني عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ؛ وروى عنه في الآية، قال: حذر الله أصحاب محمد ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ أن يقاتلوا علياً.
وأخرج الحاكم أبو القاسم بسنده إلى أبي عثمان النهدي، قال: رأيتُ علياً، فتلا هذه الآية: {وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ } [التوبة:12]، فقال: والله ما قوتل أهل هذه الآية منذ نزلت إلا اليوم.
وأخرج بسنده عن مؤذن بن أقصى، قال: صحبت علياً سنة...إلى قوله: سمعته يقول: من يعذرني من فلان وفلان؛ إنهما بايعا طائعين غير مكرهين، ثم نكثا بيعتي من غير حدث أحدثته؛ والله، ما قوتل أهل هذه الآية: {وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ }...الآية.
وأخرج بسنده عن زيد بن وهب، قال: سمعتُ حذيفة يقول: والله ما قوتل أهل هذه الآية: {وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ }...الآية.
وغير ذلك كثير يضيق عنه البحث.
[تنوُّع الكفر والفسق، واختلاف أحكام كلٍ منهما]
ولا يعترض هذا بلزوم إجراء أحكام الكافرين المحاربين لرسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ عليهم؛ فإن الكفر والشرك والنفاق أنواع مختلفة، ولكل نوع منها معاملة، كما اختلفت معاملة الكتابي، والوثني، والمرتد، وغيرهم، مع كونهم جميعاً كافرين بنص الكتاب المبين، وإجماع المسلمين.
فلأصحاب الكفر بالله سبحانه ورسوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ الذين لا يقرّون بالشهادتين، ولا يقيمون الصلاة، ولا /499(2/499)
يستقبلون القبلة، أو المكذبين لإحدى الضروريات من دين الإسلام، معاملة.
وهم أيضاً أقسام: كتابي، وغير كتابي، ومرتد، وأصلي، ومجاهر، ومنافق؛ ولكل قسم أحكام.
ولأهل الكفر بغير ذلك مما ورد في الكتاب المبين، أو علم بسنة الرسول الأمين ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ تسميتهم كافرين معاملة؛ وهم أيضاً على أقسام.
وقد روى الإمام الناصر للحق الحسن بن علي الأطروش (ع) بسنده عن الحسن، قال: قال رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((سباب المؤمن فسوق، وقتاله كفر)).
ورواه أيضاً بسنده عن عبدالله، ورواه الكنجي عن أبي وائل، عن عبدالله، وقال: سمعته عن عبدالله، عن النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ.
قال: هذا حديث صحيح متفق على صحته، رواه البخاري، ومسلم، والترمذي.
وغير ذلك كثير.
نعم، وعلى هذا أنواع الفسق والشرك والنفاق، وغيرها من أسماء المذام، وكل ذلك موقوف على الدليل من الكتاب وسنة سيد الأنام، صلى الله عليه وسلم وعلى آله الكرام.
فلأهل الكفر والنفاق بولاية أمير المؤمنين (ع) أحكام، قد بينها الرسول ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ لوصيه (ع)، وأجراها عليهم الوصي، وأوضحها للأنام؛ وما ورد من نفي الكفر، أو الشرك، عنهم، فالمراد نفي المُخْرِجَيْنِ عن اسم الملة، المقتضيين لسبي النساء والذرية، وتحريم المناكحة، ونحوها من الأحكام.
[تفسير: {أحسب الناس...إلخ} وما ورد فيها من الأخبار]
قال أمير المؤمنين ـ صلوات الله عليه ـ: لما أنزل الله ـ سبحانه ـ قوله: {الم(1) أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا ءَامَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2)} [العنكبوت:1،2]،...إلى /500(2/500)
قوله: فقلت: يا رسول الله، ما هذه الفتنة التي أخبرك الله [تعالى] بها؟
فقال: ((يا علي، إن أمتي سيفتنون من بعدي)).
فقلت: يا رسول الله، أو ليس قلت لي يوم أحد، حيث استشهد من استشهد من المسلمين، وحيزت عني الشهادة، فشق ذلك علي، فقلت [لي]: ((أبشر فإن الشهادة من ورائك))؟
فقال لي: ((إن ذلك لكذلك، فكيف صبرك إذاً؟)).
فقلت: يا رسول الله، ليس هذا من مواطن الصبر، ولكن من مواطن البشرى والشكر.
..إلى قوله: فقلت: يا رسول الله، بأي المنازل أنزلهم عند ذلك؟ أبمنزلة ردّة أم بمنزلة فتنة؟
فقال: ((بمنزلة فتنة)).
انتهى من نهج البلاغة.
[تبشير علي بالشهادة ـ وحكم من يخرجون عليه]
قال ابن أبي الحديد: روى كثير من المحدثين عن علي (ع) أن رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ، قال له: ((إن الله قد كتب عليك جهاد المفتونين، كما كتب علي جهاد المشركين)).
..إلى قوله: فقلت: يا رسول الله، كنت وعدتني الشهادة؛ فاسأل الله أن يعجلها لي بين يديك.
قال: ((فمن يقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين؛ أما إني وعدتك الشهادة، وستستشهد، تُضْرَب على هذه، فَتُخْضب هذه، فكيف صبرك إذاً؟)).
فقلت: يا رسول الله، ليس هذا بموطن صبر، هذا موطن شكر.
قال: ((أجل، أصبت)).
..إلى قوله: فقال: ((إن أمتي ستفتن بعدي، فتتأول القرآن وتعمل بالرأي، وتستحل الخمر بالنبيذ، والسحت بالهدايا، والربا بالبيع، وتحرف الكتاب عن مواضعه، وتَغْلِبُ كلمة الضلال)).
..إلى قوله: ((فإذا قلدتها جاشت عليك الصدور، وقلبت لك الأمور؛ تقاتل حينئذ على تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله، فليست حالهم الثانية بدون حالهم الأولى)).
فقلت: يا رسول الله، فبأي منزل أنزل هؤلاء المفتونين بعدك؟ أبمنزلة فتنة، أم بمنزلة ردة؟
فقال: ((بمنزلة فتنة، يعمهون فيها إلى أن يدركهم العدل)).
فقلت: يا رسول الله، يدركهم العدل منا، أم من غيرنا؟
قال: ((بل منا؛ بنا فتح، وبنا يختم، وبنا ألّف الله بين القلوب بعد الشرك، وبنا يُؤلّف الله بين القلوب بعد الفتنة)).
فقلت: الحمد لله على ما وهب لنا من فضله، انتهى.
قلت: ونحو هذا رواه في مجموع تفسير نجم آل الرسول القاسم، /501(2/501)
والهادي إلى الحق، وأسباطهما من آل محمد، في مخاطبة الرسول للوصي والزهراء؛ وكل ذلك من معجزاته، ودلائل نبوته، عليه وآله أفضل الصلوات والتسليم.
قال ـ أيده الله ـ في التخريج: ومن خطبة لعلي (ع) من رواية جعفر الصادق، عن آبائه، عن علي: ألا إن أبرار عترتي، وأطايب أرومتي، أحلم الناس صغاراً، وأعلم الناس كباراً؛ وإنا أهل بيت مِنْ عِلْمِ الله عُلّمنا، وبحكم الله حكمنا، ومن قول صادق سمعنا؛ فإن تتبعوا آثارنا، تهتدوا ببصائرنا، وإن لم تفعلوا، يهلككم الله بأيدينا؛ معنا راية الحق، من تبعها لحق، ومن تأخر عنها غرق؛ ألا وبنا تدرك تِرَة كل مؤمن، وبنا تخلع ربقة الذل عن أعناقكم، وبنا فُتح لا بكم.
قاله أبو عبيدة.
انتهى من شرح النهج.
وأخرجه السيوطي عن أبي الزعراء، عن علي (ع)، وأخرجه عبد الغني بن سعيد في الإيضاح؛ أفاده الوزير.
وفي الكامل المنير بالسند إلى أبي ذر الغفاري ـ رضي الله عنه ـ قال: سألت رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ، من خليفتك علينا من بعدك؟
فقال ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((علي بن أبي طالب، هو خير من أخلّف بعدي)).
وساق إلى قوله: قلت: يا رسول الله، ثم مه؟ قال: ((ثم تبايعون لخير هذه الأمة بعد رسولها، علي بن أبي طالب؛ حتى إذا وجبت له الصفقة نكثتم، فأول من ينكث عليه طلحة والزبير، ثم يستأذنان إلى مكة، فيجدان فيها امرأة من نسائي، فيسيران بها إلى البصرة المؤتفكة بدين أهلها ودنياها، فعند ذلك يسيرون إلى فرعون أمتي من الشام، معاوية بن أبي سفيان، فيقتتلون بها قتالاً شديداً، فيحجز الله بينكم بالوهن؛ فعند ذلك يبعثون حكمين، فيكون حكمهما على أنفسهما، وعند حكومتهما تفترق الأمة على /502(2/502)