الفصل التاسع [في معاني الأخبار الواردة في علي وذريته]
في جوامع من معاني هذه الأخبار الشريفة، التي هي من أعلام النبوة؛ وهي معلومة قد روتها طوائف الأمة، بألفاظ وروايات مترادفة ومختلفة، مطولة ومختصرة، كأخبار الناكثين والقاسطين والمارقين المتواترة.
[سند خبر الوفاة وتخريجه]
ومنها: قوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((أيها الناس احفظوا قولي تنتفعوا به بعدي، وافهموا عني تنتعشوا؛ لئلا ترجعوا بعدي كفاراً، يضرب بعضكم رقاب بعض؛ فإن أنتم فعلتم ذلك ـ ولتفعلنّ ـ لتجدن من يضرب وجوهكم بالسيف)).
ثم التفت عن يمينه، ثم قال: ((علي بن أبي طالب؛ ألا وإني قد تركته فيكم؛ ألا هل بلغت؟ ألا هل بلغت؟)).
وهو من خبر الوفاة؛ رواه بطوله الإمام موسى بن عبدالله، عن أبيه، عن جده(ع)؛ وقد سبقت الإشارة إليه في أسانيد أمالي الإمام أحمد بن عيسى بن زيد (ع)، وسيأتي بأبسط من هذا ـ إن شاء الله ـ.
وقد أخرجه السيد الإمام أبو العباس الحسني (ع) في /483(2/483)
المصابيح، وصاحب المحيط بالإمامة ـ رضي الله عنهم ـ والإمام المنصور بالله (ع) بسنده إلى شيخ الإسلام زيد بن الحسن البيهقي.
قال في الشافي: والفقيه زيد بن الحسن بن علي يرويه عن مصنف كتاب المحيط بأصول الإمامة على مذاهب الزيدية.
وقال فيه: حدثنا السيد أبو الحسين علي بن أبي طالب الحسني ـ رضي الله عنه ـ قال: أخبرنا الشريف أبو الحسين زيد بن إسماعيل الحسني ـ رضي الله عنهم ـ، قال: أخبرنا أبو العباس أحمد بن إبراهيم الحسني ـ رضي الله عنه ـ، قال: حدثنا عبدالله بن الحسن الإيوازي ـ رحمه الله ـ، قال: حدثنا جعفر بن محمد بن شعبة النيروسي، قال: حدثنا موسى بن عبدالله بن موسى بن عبدالله بن حسن بن حسن، عن أبيه، عن جده، عن أبيه عبدالله بن الحسن (ع) في خبر الوفاة بطوله.
ولم يبقَ إلا الحسن بن الحسن، وأبوه الحسن بن علي بن أبي طالب ـ سلام الله عليهم ـ، ويجوز أن يروي الإنسان عن شيخ شيخه، ويجوز أن يقول: قال رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ بعدما يصح له سند المتن.
انتهى المراد من كلامه (ع).
فهذه طريق خبر الوفاة، وهو خبر جامع عظيم، قد استوفاه أبو العباس الحسني في المصابيح؛ وأورد الإمام المنصور بالله منه فصولاً.
وذكره في تراجم رجاله الثقات الأثبات، صاحب الطبقات؛ ولم تزل الإحالة عليه في مؤلفات علماء العترة (ع)، فمتى ذكر خبر الوفاة، فهو المراد، وهذا السند الصحيح النبوي سنده.
هذا، ومنها: ما أخرجه الخطيب ابن المغازلي في المناقب، بسنده إلى الإمام علي بن موسى الرضا، قال: حدثني أبي موسى، قال: حدثني أبي جعفر، قال: حدثني أبي محمد بن علي الباقر، عن جابر بن عبدالله الأنصاري، قال: قال رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ وإني لأدناهم في حجة الوداع بمنى: ((لا ألفينكم بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض؛ وأيم الله، لئن فعلتموها لتعرفنني في الكتيبة التي تضاربكم))، ثم التفت إلى خلفه، فقال: ((أو علي، أو علي، أو علي)) ثلاثاً.
قال: وأكثر متن هذا الحديث هو من جملة الحديث الذي أخرجه مسلم في /484(2/484)
صحيحه، عن جابر بن عبدالله في خطبة حجة الوداع، ولم يغادر منه شيئاً إلا ذكر علي بن أبي طالب (ع)، لعله المسقط لذلك؛ لعذر، كما هي عادتهم في فصل فضائل أهل بيت نبيهم في الأغلب، عن كتب حديثهم، إلى كتب يعرفونها بكتب المناقب، انتهى.
وفي الجامع الصغير للسيوطي: ((لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض))، أخرجه أحمد، والبخاري، ومسلم، والنسائي، وابن ماجه، عن جرير؛ وأحمد، والبخاري، وأبو داود، والنسائي، عن ابن عمر؛ والبخاري، والنسائي عن أبي بكرة؛ والبخاري، والترمذي، عن ابن عباس، انتهى.
قلت: وأخرجه الإمام الناصر للحق (ع) في البساط بلفظ: ((لا ترجعن بعدي كفاراً يضرب بعضكم بعضاً))، من خطبة حجة الوداع.
قال ـ أيده الله تعالى ـ في التخريج عقيب سياقه لخبر ابن المغازلي، عن جابر...إلى قوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((ولئن فعلتموها لتجدني في الكتيبة أضاربكم، أو علي)): ورواه الحاكم عن ابن عباس؛ وعن جابر من أربع طرق، ثم أورد ما سبق من رواية مسلم عن جابر، وما في الجامع.
قلت: والخبر الذي رواه الباقر (ع) عن جابر ـ رضي الله عنه ـ وما في معناه، شواهدُ فصوله كثيرة، معلومة منيرة؛ وقد سبق ويأتي - إن شاء الله تعالى - ما يكفي من له أدنى بصيرة.
[تخريج خبر ((من تولاه فقد تولاني))...إلخ]
فمن ذلك قوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((أوصي من آمن بي وصدقني بولاية علي بن أبي طالب؛ فمن تولاه، فقد تولاني، ومن تولاني فقد تولى الله؛ ومن أحبه فقد أحبني، ومن أحبني فقد أحبّ الله؛ ومن أبغضه، فقد أبغضني، ومن أبغضني فقد أبغض الله عز وجل)) هذا الخبر الشريف /485(2/485)
من مرويات الشافي، وشرح الغاية وغيرهما.
أخرجه الإمام المنصور بالله، بسنده إلى الإمام المرشد بالله، بسنده إلى أبي عبيدة بن محمد بن عمّار بن ياسر، عن أبيه، عن جده ـ رضي الله عنهم ـ قال: قال رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ:...الخبر.
وأخرجه أبو العباس الحسني (ع)، ومحدث الشام الكنجي الشافعي، وأبو علي الصفار، عن عمار بن ياسر ـ رضي الله عنه ـ وابن المغازلي من ثلاث طرق، ومحمد بن سليمان الكوفي من طريقين.
وأخرجه أيضاً عن أبي جعفر محمد بن علي، عن آبائه، عن علي (ع) بلفظ: ((فإن ولاءه ولائي، وولائي ولاء الله؛ وإن منكم من يسفهه حقه)).
فقالوا: سمهم يا رسول الله.
قال: ((قد أُمِرْتُ بالإعراض عنهم)).
وليس فيه: ((ومن أحبه...إلخ)).
ورواه أيضاً بسنده إلى الباقر (ع) من طريق أخرى، ورواه عن جابر.
ورواه أبو القاسم في كتاب إقرار الصحابة، بسنده عن ابن عمر، بنحو رواية محمد بن سليمان، وفيه: ((أُمِرْتُ بالإعراض عنهم)).
وبلفظ رواية الشافي أخرجه الطبراني، وابن عساكر، عن أبي عبيدة ابن محمد بن عمار بن ياسر، عن أبيه، عن جده ـ رضي الله عنهم ـ.
وقوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((أتاني ملك، فقال: يامحمد، سل من أرسلنا قبلك علام بعثوا عليه؟ قال: على ولايتك وولاية علي بن أبي طالب))؛ أخرجه الحاكم عن ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ من أربع طرق، وأخرجه الكنجي عنه.
وذكر أبو نعيم ـ وهو من أكبر أصحاب الحديث ـ في كتابه الذي استخرجه من كتاب لابن عبد البر المغربي الأندلسي المحدث في تفسير قوله تعالى: {وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا } [الزخرف:45]، أن النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ ليلة أسري به جمع الله بينه، وبين الأنبياء، ثم قال لهم: سلهم يا محمد علام بعثتم عليه؟
فقالوا: بعثنا على شهادة أن لا إله إلا الله، وعلى الإقرار بنبوتك، والولاية لعلي بن أبي طالب.
أفاده في شرح الأبيات الفخرية.
وأخرج الكنجي، بسنده إلى الإمام يحيى بن عبدالله بن الحسن، عن أبيه، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جده، قال: قال رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((إن في الفردوس لعيناً /486(2/486)
أحلى من الشُّهد، وألين من الزبد، وأبرد من الثلج، وأطيب من المسك؛ فيها طينة خلقنا الله ـ تعالى ـ منها، وخلق منها شيعتنا؛ فمن لم يكن من تلك الطينة، فليس منا ولا من شيعتنا؛ وهي الميثاق الذي أخذه الله ـ عز وجل ـ ولاية علي بن أبي طالب)).
ثم قال الكنجي بعده: قال الحافظ ابن عساكر عقيب هذا: قال عبيد: فذكرت لمحمد بن الحسن هذا الحديث، فقال: صَدَقَك يحيى بن عبدالله، هكذا أخبرني أبي، عن جدي، عن النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ.
وأخرج الحاكم أيضاً بإسناده إلى الحسين بن علي (ع) في قوله: {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ }...إلى قوله: {ثُمَّ اهْتَدَى (82)} [طه]، فقال ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ لعلي: ((لولايتك)).
وعن أبي ذر ـ رضي الله عنه ـ: إلى حب آل محمد ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ.
وعن الباقر: إلى ولايتنا أهل البيت.
رواه عنه من طريقين.
وقوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ لعلي (ع): ((أنت الطريق الواضح، وأنت الصراط المستقيم، وأنت يعسوب المؤمنين))، أخرجه الحاكم الحسكاني بسنده إلى ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ.
وأخرج أيضاً بسنده إلى الحسين السبط (ع) من حديث عنه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((من سره أن يلج النار، فليترك ولاية علي بن أبي طالب؛ فوعزّة ربي وجلاله، إنه لباب الله الذي لا يؤتى إلا منه، وإنه الصراط المستقيم، وإنه الذي يسأل الله عن ولايته يوم القيامة)).
أفاد أغلب ما ذكرناه في التخريج.
[تخريج أخبار: {وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ}]
وما أخرجه الإمام المنصور بالله (ع) في الشافي، عن الفقيه بهاء الدين، بإسناده، يبلغ به ابن شيرويه الديلمي، بإسناده عن أبي سعيد الخدري، عن النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: (({وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ (24)} [الصافات]، عن ولاية علي بن أبي طالب ـ كرم الله وجهه في الجنة ـ)).
قال (ع): رويناه عن الثقة، يبلغ به النبي - صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم -. /487(2/487)