عليه وآله وسلم ـ يقول فيه: ((علي مني كمنزلتي من ربي)).
قال: أخرج ابن السمان في كتاب الموافقة عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ وذكر الخبر.
ورواه في ذخائر العقبى بلفظه، وقال: أخرجه السمان.
وأخرج ابن المغازلي عن جابر بن عبدالله.
وفي شرح التحفة عن ابن عباس ـ رضي الله عنهم ـ بلفظ: ((يا علي، منزلتك عندي كمنزلتي عند الله، ومن فارقك فقد فارقني، ومن فارقني فارق الله))؛ أخرجه الحاكم الجشمي عن أنس، وسعيد بن جبير؛ وأخرجه الإمام في الشافي بسنده إلى الحاكم.
[خبر الجواز وتخريجه]
وفي الذخائر أيضاً: عن أبي بكر، قال: سمعت رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ يقول: ((لا يجوز أحد الصراط إلا من كتب علي له الجواز)) أخرجه ابن السمان في كتاب الموافقة، انتهى.
قلت: خبر الجواز مروي بطرق عدة، منها: عن مجاهد، عن ابن عباس، قال: قال النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((علي يوم القيامة على الحوض؛ لا يدخل الجنة إلا من جاء بجواز من علي بن أبي طالب))، أخرجه المنصور بالله في الشافي، وأخرجه ابن المغازلي.
وأخرج نحوه الخوارزمي عن ابن عباس، وابن مسعود.
وأخرجه ابن المغازلي عن ثمامة بن عبدالله بن أنس، عن أبيه، بلفظ: ((لم يجز إلا من معه كتاب ولاية علي))، وغير ذلك.
[اعتراف الشيخين للعترة بالأفضلية عليهما]
وساق الإمام (ع) في اعتراف أبي بكر وعمر، من ذلك: ما جرى للحسنين (ع) معهما على المنبر؛ وقد رواه في جواهر العقدين، إلا أن الإمام استوفى الطرق، وهي /471(2/471)
ما رواه الدارقطني، عن عبد الرحمن الأصبهاني، قال: جاء الحسن بن علي(ع) على أبي بكر، وهو على منبر رسول الله صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم، فقال: انزل عن مجلس أبي.
فقال: صدقتَ والله، إنه لمجلس أبيك.
وأجلسه في حجره وبكى.
قال: وروى الدارقطني في قصة أخرى في أمر المنبر اتفقت للحسين بن علي (ع) مع عمر بن الخطاب نحو هذه، وأن عمر قال: منبر أبيك لا منبر أبي.
قال: وقد ذكر ابن سعد في طبقاته هذه القصة، وغيرها.
قلت: في الجواهر: وقال: وهل أنبتَ الشعر على رؤوسنا إلا أبوك؟ - أي إن الرفعة ما نلناها إلا به - انتهى.
قال الإمام: وروى قصة الحسين (ع) الكنجي في مناقبه، وقال: أخرجها أحمد بن حنبل في المسند، وأحمد بن سعد، وطرَّقها محدث الشام ـ يعني ابن عساكر - من طرق شتى، وذكر الذهبي قصة الحسين، وصححها - وكذلك المزي - وذكر أيضاً قصة الحسن السيوطي في جمع الجوامع، وعزاه إلى أبي نعيم، والجابري، وابن سعد.
انتهى المراد.
قلت: وفي رواية الذهبي، والمزي: أن الحسين (ع) قال لعمر: انزل عن منبر أبي، واذهب إلى منبر أبيك.
فقال: إن أبي لم يكن له منبر.
وأقعده معه، وقال له: من علّمك هذا؟
قال: ما علّمني أحد.
ثم قال له: وهل أنبت الشعر في رؤوسنا إلا الله ثم أنتم.
ثم قال الذهبي: إسناده صحيح.
قلت: قد اعترضهما السبطان المعصومان المطهّران، واعترف الشيخان بأن المجلس لأبيهما لا لهما، ولم يدليا بحجة ولا شبهة، في تسنّمهما لذلك المقام.
قال الإمام: ومهما وقع نزاع من المخالف في شيء مما ذكرنا، فملاكه كله قول عمر من على المنبر: إن بيعة أبي بكر كانت فلتة وقى الله شرها، فمن عاد إلى مثلها فاقتلوه.
وهذا الخبر معلوم عند الأمة، لا يعلم له مناكر.
قلت: رواه /472(2/472)
البخاري وغيره.
ومن ذلك اعتراف أبي بكر على المنبر، وقوله: وليتكم ولست بخيركم.
قال الأمير الناصر للحق الحسين بن بدر الدين (ع) في الينابيع ـ وذكر الأدلةـ: ومنها: إجماع الصحابة فإن أبا بكر قال على المنبر: وليتكم ولست بخيركم؛ ولم ينكر عليه منكر.
قلت: وقد استدل بذلك صاحب المحيط بالإمامة، والإمام المنصور بالله (ع)، وغيرهما؛ وفيه أبلغ الرد على المخالفين، من قول من يدعون له الأفضلية، وتأويلهم بأن ذلك من باب هضم النفس غير صحيح؛ لأن المقام لا يحتمله، ولأنه لا يسوغ الهضم إلا بالمعاريض، لا بالكذب الصريح.
واعتراف أبي بكر وعمر لسيدهما سيد المسلمين، خير البرية، وخير البشر ـ على لسان أخيه ـ ومن أبى فقد كفر، كما تواتر به الخبر، معلوم بين الأمة لا ينكر، في مقامات لا تعد ولا تحصر؛ ومما تواتر: لولا علي لهلك عمر.
ولم يكن في حسابهما أنه سيأتي من بعدهما من يدعي لهما الفضل والحق، على أولي الفضل والسبق، أهل بيت النبوة سادات الخلق.
وإقرار الشيخين، وسائر أزواج رسول الله - صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم - وصحابته، ورواياتهم في أمير المؤمنين، ونفس الرسول الأمين، خصوصاً، وفي سائر أهل بيت النبوة الطيبين عموماً، بما يصرح أنه لا يوازيهم ولا يدانيهم أحد من المخلوقين، بعد النبيين ـ صلى الله عليهم أجمعين ـ أكثر من أن تحصر، وأشهر من أن تذكر، مما اتفقت على روايته الأمة المحمدية، لا مما انفردت به النواصب الحشوية، وروته عن شرار البرية، كالخبر المار، الذي رجحه ابن حجر، وأمثاله من المرويات الفرية.
[تهنئة الشيخين لعلي بالولاية يوم الغدير وتخريجها]
وسأذكر طرفاً مما اقتضاه المقام، مقدماً لأجلِّ المقامات العظام، المتضمن تهنيتهما لمولاهما، ومولى المؤمنين يوم الغدير، بمشهد الجم الغفير.
ومن ألفاظها قول أبي بكر، وعمر: أمسيت يا ابن أبي طالب مولى كل مؤمن /473(2/473)
ومؤمنة، لما قال رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره))، أخرجه الكنجي عن سعد بن أبي وقاص.
وروى عبد الرزاق بسنده إلى البراء بن عازب، قال: لما نزل النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ بغدير خم.
..إلى قوله: ثم قال: ((ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟))، قالوا: بلى، قال: ((فهذا وليكم، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه))، فقال عمر: يهنيك يا ابن أبي طالب أصبحت وأمسيت مولى كل مسلم.
ذكره في الكامل المنير.
وأخرج محمد بن سليمان الكوفي قول عمر: هنيئاً لك يا ابن أبي طالب، أصبحت مولى كل مؤمن ومؤمنة، بعد قوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه)).
وأخرجه الإمام المرشد بالله (ع)، والإمام المنصور بالله، وابن أبي شيبة، وأحمد بن حنبل في المسند، ومحمد بن سليمان من طريقين، ويحيى بن الحسن البطريق عن البراء.
وأخرجه الإمام المنصور بالله (ع) في الشافي عن أنس في خبر طويل في المؤاخاة، وفيه: قول رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ لعلي ـ صلوات الله عليه ـ: ((إنما ادخرتك لنفسي))..إلى قوله: فقال: ((اللهم إن هذا مني، وأنا منه؛ ألا إنه مني بمنزلة هارون من موسى؛ ألا من كنت مولاه فهذا علي مولاه))..إلى قوله: فاتبعه عمر بن الخطاب، فقال: بخٍ بخٍ يا أبا الحسن، أصبحت مولاي ومولى كل مسلم.
وقد سبق في المقام الثامن من مقامات خبر المنزلة، وأخرجه الإمام الحسن (ع) في أنوار اليقين، وهو في مناقب ابن المغازلي.
وأخرج قول عمر: بخٍ بخٍ...إلخ، محمد بن سليمان الكوفي، عن أنس، وأخرجه الإمام المرشد بالله، والحاكم من طريقين عن أبي هريرة.
وروى فرات بن إبراهيم الكوفي بسنده إلى أبي ذر؛ وساق خبر الغدير...إلى قوله: فقال عمر: بخ بخ يا ابن أبي طالب، أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة...الخبر، ذكره الحاكم الحسكاني.
وقال الحاكم الجشمي ـ رحمه الله ـ في كتاب تنبيه الغافلين: والمروي /474(2/474)
عن جماعة أنها نزلت هذه الآية: {يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ } [المائدة:67]، فقام رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ خطيباً بغدير خم، وأخذ بيد علي ورفعها، حتى رأى بعضهم بياض إبطه؛ ثم قال: ((ألست أولى بكم من أنفسكم؟)).
قالوا: اللهم نعم.
فقال: ((من كنت مولاه، فهذا علي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله)).
فقام عمر بن الخطاب، وقال: بخ بخ يا ابن أبي طالب، أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة.
وأنشأ حسان أبياتاً بعد أن استأذن رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ في إنشائها، وهي:
يناديهم يوم الغدير نبيهم .... بخمٍّ فأسمع بالرسول مناديا
وقال: فمن مولاكم ونبيكم؟ .... فقالوا ولم يبدوا هناك التعاميا
...إلى قوله:
فقال له: قمْ ياعلي فإنني .... رضيتُك من بعدي إماماً وهاديا
قال ـ رحمه الله ـ: وحديث الموالاة وغدير خم، قد رواه جماعة من الصحابة، وتواتر النقل به حتى دخل في حدّ التواتر، فرواه زيد بن أرقم، وأبو سعيد الخدري، وأبو أيوب الأنصاري، وجابر بن عبدالله، واختلف ألفاظهم.
قال: ففي حديث جابر وغيره: أن رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ لما انصرف من حجة الوداع، ووافى الجحفة.
إلى قوله: ثم قال: ((من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله)).
فقام عمر، وقال: هنيئاً لك يا ابن أبي طالب، أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة.
قال جابر: كنا اثني عشر ألف رجل، انتهى. /475(2/475)