قلت: في كتاب المحيط ما لفظه: إن أمير المؤمنين احتج به بحضرة الصحابة يوم الشورى، ولم ينكر عليه أحد، وفيه: كل طريق تعلم بها الشورى، يعلم بها إيراده(ع) الخبر.
وفيه: ويدل على صحة هذا الخبر أيضاً إجماع العترة عليه، وبينا من قبل أن إجماعهم حجة.
ويدل على ذلك أيضاً أن هذا الخبر رواه عدة من الصحابة؛ لأنه روى ذلك أنس، وسعد بن أبي وقاص ـ وذكر بقية السبعة المذكورين ـ.
ثم قال: وما من واحد منهم إلا وقد جعله حجة.
إلى قوله: فلو لم يكن في الأصل مما قامت به الحجة لم يكن ينتشر هذا الانتشار، ولم تجتمع عليه، وعلى الانقياد له جلّ الصحابة.
وقال الشيخ أبو عبدالله البصري ـ رحمه الله ـ: روى خبر الطير عن النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ أنس بن مالك، وسعد بن أبي وقاص، وأبو رافع مولى النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ، وسفينة مولى النبي، وابن عباس.
قال: ورواية هؤلاء لهذه القصة عن النبي - صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم - مشهورة، لا يدفعها أحد من أهل العلم.
انتهى بلفظه من المحيط بالإمامة.
قال أيّده الله في التخريج: ورواه ابن المغازلي عن ابن عباس، وعن سفينة مولى رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ، وعن علي من حديث المناشدة، وعن أنس من طرق أكثر من عشر، ورواه الكنجي عن أنس من ثلاث طرق، وقال: رواه المحاملي كذلك ـ أي عن سفينة ـ، وذكر أن الحاكم أخرجه عن ستة وثلاثين نفساً؛ وذكر عددهم في مناقبه.
قال: ورواه أبو علي الصفار بإسناده عن أنس، ورواه أبو الحسين عبد الوهاب بن الحسن الكلابي عن أنس، ورواه النسائي في خصائصه عن أنس.
قال: ورواه ابن المغازلي، والخوارزمي بإسنادهما إلى عامر بن واثلة عن علي (ع).
انتهى المراد نقله.
قلت: وفي ذخائر العقبى للطبري الشافعي ما ذُكر أنه (ع) أحب الخلق إلى الله بعد رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ عن أنس بن مالك، قال: /461(2/461)
كان عند النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ طير، فقال: ((اللهم ائتني بأحب خلقك إليك يأكل معي من هذا الطير))، فجاء علي بن أبي طالب (ع) فأكل معه.
أخرجه الترمذي، والبغوي في المصابيح في الحسان، وأخرجه الحربي، وخرجه الإمام أبو بكر محمد بن عمر بن بكير النجار عن أنس؛ وساقه إلى قوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((اللهم ائتني بأحب الخلق إليك وإلي))، انتهى.
وفي شرح التحفة العلوية للسيد محمد الأمير بعد سياق ما نقلته من الذخائر ما لفظه: وفي الجامع الكبير في مسند أنس بن مالك.
وساق الرواية إلى قوله: فسمع النبي - صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم - صوته، فقال: ((ادخل يا علي، اللهم وإلي ـ ثلاثاً ـ)) أخرجه ابن عساكر.
وذكر أنه أخرجه ابن عساكر أيضاً عن دينار، وعن عبدالله القشيري، عن أنس، وعبدالله بن أحمد بن حنبل، عن سفينة مولى رسول الله صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم، وفيه: ((اللهم ائتني بأحب خلقك إليك وإلى رسولك...الخبر))، وذكر رواية ابن المغازلي له.
قال الأمير: قال الذهبي: وأما حديث الطير، فله طرق كثيرة قد أفردتها بمصنف.
قلت: صنّف فيها بعد ما أدهشته كثرتها كما بهرته طرق خبر الغدير، حتى قطع بها، فأنوار فضائل الوصي ـ صلوات الله عليه ـ تارة تدهشه وتارة تبهره، وهو أعمى عن طريق الهدى لا يبصره؛ وكل ذلك من إخراج الله الحق على ألسنة المبطلين، والحمد لله رب العالمين.
قال الإمام محمد بن عبدالله (ع) في الفرائد: وقد أردت أن أنقل شيئاً من كلام الوالد محمد بن إبراهيم ـ رحمه الله ـ من العواصم، وهو ممن لا يتهم؛ فقد بالغ في تجميل المحدثين، حتى تعصب لهم بكل ممكن.
قال: ولقد صنف الحافظ العلامة محمد بن جرير الطبري كتاباً في طرق حديث الطير، في فضائل علي (ع)، لما سمع رجلاً يقول: إنه ضعيف.
قال الذهبي: وقفت على هذا الكتاب، فاندهشت؛ لكثرة ما فيه من الطرق.
فكيف بمن قال: إن صحّ حديث الطير فنبوة محمد صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم باطلة؟ وهو أبو بكر بن أبي داود؛ /462(2/462)
فهل بعد هذا من كفر صريح؟
كذلك الذهبي له مقال فيه مع قوله هذا.
فما ترى في هؤلاء الذين تغاضوا لابن أبي داود، أهم أعداء وشر الأعداء أم لا؟ وهل يقبلون على أهل البيت؟ حاشا الله.
قال الإمام محمد بن عبدالله: على أنّا نقول: إن حديث الطير برغم كل خصم أخرجه الترمذي، والحاكم وصححه، وقال: إنه يلزم البخاري ومسلماً إخراجه في صحيحيهما؛ لكثرة من رواه، فقد عدّ في المستدرك من وجوه التابعين نيفاً وثلاثين رجلاً كلهم رواه عن أنس، وجمع طرقه في غيره عن ستة وثمانين نفساً يروونه عن أنس؛ فهو متواتر قطعاً عن أنس.
وقد رواه المحاملي عن سفينة مولى رسول الله - صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم -، ورواه عبدالله، ورواه أمير المؤمنين في حديث المناشدة بمجمع من الصحابة فأقروا به، ورواه أيضاً غيره؛ وإذا كان أحب خلق الله إلى الله، فهو أحب خلق الله إلى رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ قطعاً؛ على أن في بعض طرقه قوله - صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم -: ((اللهم وإلي)).
ثم ساق كلام صاحب التحفة، وسأنقله منها؛ فإني أعدل كثيراً إلى الأصول التي يأخذون منها؛ لزيادة إفادة، لا تخفى على أرباب الرواية والدراية.
[أحاديث المحبة لعلي وتخريجها]
هذا، قال السيد العلامة محمد الأمير، في الرد على المعاند في خبر الطير: ولأنه علل عدم صحته بأمر قد ثبت، وهو أنه إذا كان أحب الخلق إلى الله كان أفضل الناس بعد رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ، فقد ثبت أنه أحب الخلق إلى الله من غير حديث الطير، كما أخرجه أبو الخير القزويني من حديث ابن عباس أن علياً (ع) دخل على النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ فقام إليه وعانقه، وَقَبَّلَ بين عينيه، فقال له العباس: أتحب هذا يا رسول الله؟
قال: ((ياعم، والله، لله أشد حباً له مني)).
ذكره المحب الطبري.
قلت: وقد أورده الطبري في بحث آخر بلفظ: وعن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قال: كنت أنا والعباس جالسين عند رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ إذْ دخل علي بن أبي طالب، فسلم، فرد عليه رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ السلام،/363(2/463)
وقام إليه وعانقه، وقبل بين عينيه، وأجلسه عن يمينه.
فقال العباس: يا رسول الله، أتحب هذا؟
فقال رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((يا عم، والله، لله أشد حباً له مني؛ إن الله جعل ذرية كل نبي في صلبه، وجعل ذريتي في صلب هذا)).
أخرجه أبو الخير الحاكمي.
قلت: وإخراج الحاكمي له، وصاحب كنوز المطالب في بني أبي طالب، أفاده في الإقبال وشمس الدين صاحب المسوح فيما كتبه للإمام القاسم بن محمد (ع)، وهو في جواهر العقدين، قال: أخرجه أبو الخير الحاكمي في أربعينه، ورواه صاحب كنوز المطالب بزيادة.
وساق إلى قوله: فقال فيه رسول الله: ((ياعم، والله، لله أشد حباً له مني؛ إنه لم يكن نبي إلا ذريته الباقية بعده في صلبه، وإن ذريتي من بعدي في صلب هذا؛ إنه إذا كان يوم القيامة دُعي الناس بأسماء أمهاتهم ستراً من الله عليهم، إلا هذا وذريته؛ فإنهم يُدعون بأسمائهم؛ لصحة ولادتهم)).
قال الأمير: في حديث خيبر الماضي ما يدل لذلك، فإنه ليس المراد من وصفه بحب الله إياه أدنى مراتبها، ولا أوسطها، بل أعلاها؛ لما علم ضرورة من أن الله يحب جماعة من الصحابة، غير علي (ع).
..إلى قوله: فلما علم أنه قد شاركهم في محبة الله لهم، وأنه رأس المتبعين لرسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ علم أنه أراد أعلاهم محبة لله؛ ولهذا تطاول لها الصحابة، وامتدت إليها الأعناق، وأحب كل وترجى أن يخص بها.
ثم ساق في الاستدلال بأخبار أوردها الطبري في الذخائر، ونذكرها قريباً من رواية الفرائد؛ ولعمر الله، إن الأمر في ذلك لأبين من أن يحوج إلى بيان، أو يتكلف عليه إقامة برهان.
ونهج سبيلي واضح لمن اهتدى .... ولكنها الأهواء عمّت فأعمتِ
فهل يصح من مؤمن بالله ورسوله أن يعارض ما علم من النصوص الضرورية، في الكتاب الكريم والسنة النبوية، بمثل ما رواه البخاري في صحيحه، بسنده إلى عمرو بن العاص وزير معاوية، وهو: أيّ الناس أحب إليك يا رسول الله؟
قال: (من النساء عائشة). /464(2/464)
قال: فمن الرجال؟
قال: (أبوها).
وليس إلا معارضة لما ورد بهذا اللفظ بخصوصه في سيد الوصيين، وأخي سيد النبيين، وفي زوجه فاطمة البتول، بضعة الرسول، صلى الله وسلم عليهم وعلى آلهم الطاهرين.
كما قال الإمام محمد بن عبدالله (ع) في الفرائد ـ وقد ساق البحث في رواية البخاري لما يعارض خبر الأبواب المعلوم بالتواتر، بإقرار الخصوم، كما قدمنا ـ ما لفظه: وهذا الحديث في المعارضة يشبه حديث عمرو بن العاص ـ وذكره ـ.
قال الإمام (ع): فإنه معارض للحديث المروي عن عائشة، الذي أخرجه الترمذي من رواية جميع بن عمير، قال: دخلت مع عمتي على عائشة، فسُئلت: أي الناس كان أحب إلى رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ؟
قالت: فاطمة.
قيل: فمن الرجال؟
قالت: زوجها، إن كان ما علمت صواماً قواماً.
قلت: وأخرجه الخوارزمي بسنده إلى جميع بن عمير، قال: دخلت على عائشة.
..إلى قوله: فقالت: ما رأيت رجلاً قط أحبّ إلى رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ من علي، ولا امرأة أحبّ إليه من امرأته.
قال الإمام: وأخرج عن بريدة، قال: أحب الناس إلى رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ فاطمة؛ قال: ومن الرجال علي (ع).
وذكر البخاري حديث عمرو، وترك حديث عائشة؛ وحديث عمرو هذا ضعيف، أعظمها حال عمرو.
أما معاداته لعلي (ع) فإنها واضحة كالشمس، وقد أشار إلى وضع عمرو له السلف ـ رحمهم الله ـ فإنهم سموه: حديث عمرو، وجعلوه كالعلم له؛ وفي رجاله غير عمرو.
..إلى قوله: على ما ذكره ابن حجر في نقادة من نقد فيه من رجال البخاري؛ ولا حاجة في إعلاله من جهة الرجال بزيادة على حال عمرو، الذي نسب إليه الحديث؛ وأين رجاله وحاله، وشواهده من حديث علي وفاطمة؟!!
وقد ذكر ابن حجر في شرح حديث عمرو هذا ما هو معارض له من حديث عائشة، غير حديث فاطمة (ع).
قال: وأخرج أحمد، وأبو داود، والنسائي بسند صحيح عن النعمان /465(2/465)