والأخبار النبوية، التي أجمع على روايتها طوائف الأمة المحمدية ـ فيما سبق، وفيما يأتي ـ ما يقطع كل مخاصم عنيد، وينفع من كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.
ولهم ترهات وروايات مفتريات، تفرد بها المبطلون، لا تقاوم عشر معشار ما يردها من القرآن والسنة الجامعة، التي أجمع على روايتها وتواترها الفريقان؛ تلك آيات الله نتلوها عليك بالحق، فبأي حديث بعد الله وآياته يؤمنون؟
نعم، قال السيد صارم الدين (ع): وقد يُرَدّ بكون مساوئه أكثر من محاسنه، وإن اجتنب الكبائر.
قلت: لما تقرر في الأصول، من اختلال العدالة، بخصال الرذالة.
قال: وقد يرد بالبدعة الإمام الداعي، وهي إحداث ما لم يثبت بدليل عقلي أو شرعي.
قلت: المراد الإحداث في الدين. /443(2/443)


الفصل الثامن [في تحقيق السنة والبدعة على ما تقتضيه نصوص الكتاب والسنة]
ضابط البدعة المحرمة: ما خالف الشريعة المطهرة.
وهي تقابل السنة التي هي: الطريقة المحمدية ـ صلوات الله وسلامه على صاحبها، وعلى آله الطاهرين ـ أعمّ من أن تثبت بدليل المعقول أو المنقول.
وقد قال رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((إن عند كل بدعة يكاد بها الإسلام ولياً من أهل بيتي موكلاً، يعلن الحق وينوره، ويرد كيد الكائدين، فاعتبروا يا أولي الأبصار وتوكلوا على الله))، رواه جعفر الصادق عن آبائه، عن علي ـ صلوات الله عليهم ـ.
وقال ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((في كل خلف من أهل بيتي عدول، ينفون عن هذا الدين تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين؛ ألا إن أئمتكم وفدكم إلى الله، فانظروا من تفدون)).
قال الإمام شرف الدين (ع): وأقول: قد روى هذا أحمد بن حنبل، والحاكم صاحب المستدرك، وغيرهما، مما ذكر في مجمع الزوائد وغيره، وأخرجه الملا في سيرته بلفظه؛ أفاده الإمام محمد بن عبدالله الوزير (ع)؛ وقد سبقت رواية الإمام المنصور بالله (ع) في الديباجة، ورواية جواهر العقدين، قال فيها: وأخرجه أحمد في المناقب، انتهى.
وهو في أمالي الإمام أبي طالب (ع)، ورواه في نهج الرشاد علي بن الحسين /447(2/447)


الشامي، بسنده إلى المحب أحمد بن عبدالله الطبري، بسنده إلى الملا، بسنده إلى عبدالله.
وروى بسنده إلى الحاكم أبي سعيد مثله.
هذا، وموضوع أمثال هذه الكلمات النبوية، واضح في العربية، فالمقدم الاشتغال بمعانيها الشرعية؛ وهي مما حرّفها المحرفون، ووضعها على غير ما عنى الله ـ تعالى ـ بها ورسوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ الواضعون؛ فمما وضعته الألسنة، في رسم السنة: ما حكاه عنهم صلاح الإسلام (ع) في شرح الهداية، وهو معلوم من أقوالهم لذوي الدراية.
قال: وذكروا في كتبهم أن من أصول السنة الإقرار بالقدرين، والصلاة خلف الإمامين، والركوب خلف الأميرين، والصلاة على الجنازتين، والمسح على الخفين، وتفضيل الشيخين.
قال: وذلك لأن العترة منعوا من الإقرار بالقدر، الذي هو الجبر على المعصية، وآمنوا بالقدر، الذي هو علم الله بما يكون قبل أن يكون، ومن الصلاة على الفاسق، ومن المسح على الخفين، ومن تفضيل الشيخين ـ أي على أمير المؤمنين ـ.
قال الإمام شرف الدين: ومن الركوب خلف الظالم؛ وانتهى ذلك إلى أن جعلوا بغض أهل البيت سنة.
قال: وجعلوا المخالف لما ابتدعوه، وصادموا فيه النصوص الشرعية واخترعوه، هو المبتدع، وجروا على ذلك، حتى كان منه قتل ولدي رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ وأولادهما، وأشياعهم وأتباعهم، ومع رواياتهم لمثل: قوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ للحسن والحسين: ((أنا سلم لمن سالمكما، حرب لمن حاربكما)) وأشباهه.
ومع ذلك لا يقطعون بفسق قاتليهم، بل يترضون عنهم ويوالونهم، ويوجبون أخذ الولاية منهم، والطاعة لهم، ويخطِّئون من أنكر عليهم مناكيرهم الظاهرة، وفواحشهم الشاهرة، ويقررون العمل على بدعهم الباطنة والظاهرة، الخارجة عن حدود الشريعة.
ولما أوقع الشيطان مراده من هؤلاء المخالفين، لم يزالوا يعالجون في إطفاء ما منح الله به أهل البيت، من إيداع نوره، الذي هو حجة الله على عباده فيهم، بعد أن كان ينقل في أصلاب الأنبياء /448(2/448)


الطاهرين، حتى انتهى إلى خاتم النبيين ـ صلى الله عليهم أجمعين ـ وصار إلى سيدة نساء العالمين، بإجماع العلماء المخالفين والموالفين، واستقر في جماعة أهل الحل والعقد من أبنائها الطاهرين؛ لما سبق من الأدلة، مما رواه الموالف والمخالف.
فأجمع أعداؤهم على نسبة البدعة إليهم، والترضية على معاوية، وأضرابه، الذين هم أصل عداواتهم؛ وأرادوا الإهانة لهم، والإطفاء لنورهم، الذي أبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون، انتهى المراد.
وقد سبق ما فيه كفاية، لأرباب الهداية.
[تشنيع الحافظ محمد بن إبراهيم الوزير على مذاهب السنية]
ولقد قام السيد الحافظ محمد بن إبراهيم الوزير في هذا المقام، بواجب الإنكار، في تسميتهم لبدعة الجبر سنة، حيث قال في الإيثار، ما لفظه: وتسموا بالسنية، واتسموا بحماتها من أهل البدعة؛ فسلموا لأعداء الإسلام نسبة كل قبيح مذموم إلى الله ـ تعالى ـ وأنه منه لا من غيره، وأن ذلك وجميع أفعاله صدرت منه لغير حكمة، ولا عاقبة حميدة، وأنه لا يعاقب العصاة لأجل المعصية، ولا يثيب المحسنين لأجل الإحسان؛ بل تصدر أفعاله عنه، كما تصدر المعلولات عن عللها الموجبة لها، والاتفاقيات الاختياريات من الصبيان والمجانين؛ وأنه قد وقع منه تكليف المحال، وأنه ليس هو أولى به من تكليف الممكن، وأمثال هذا، مما لم تكن الملاحدة تطمع أن يمضي لهم طرفة عين.
فقد صار ذلك من آكد عقائد هؤلاء الحماة عن السنة والإسلام، يوصون به في المختصرات عموم المسلمين، فيوهمون أن ذلك من أركان الإسلام؛ فلولا أن هذا قد وقع منهم، ما كان العاقل يصدق بوقوعه ممن هو دونهم؛ فنسأل الله تعالى العافية، انتهى.
وإنما سقت كلامه؛ لكونه من أعظم من يذب عنهم، ويتمحل لهم، ولكنه غلبه الحق، فصرح بالواقع، واتسع الخرق على الراقع.
وللإمام الشهير، المنصور بالله الأخير، محمد بن عبدالله الوزير (ع)، كلام في هذا المقام، جار على منهج الصواب، وسبيل السنة والكتاب؛ وقد سبق ما فيه ذكرى لأولي الألباب. /449(2/449)


قال: ونقول: إن الأهم المقدم، معرفة ما هو سنة نبوية دل عليها محكم الكتاب، ومعلوم السنة الجامعة غير المفرقة، حتى يمكن معرفة البدعة؛ كما قال باب مدينة العلم (ع): إن الحق لا يعرف بالرجال، ولكن الرجال يعرفون بالحق، فاعرف الحق تعرف أهله...إلخ.
هذا، وقد ذكر نجم الآل، القاسم بن إبراهيم (ع) أن الواجب معرفة الحق...إلخ.
وهذا هو المعلوم من معالم الدين ضرورة؛ إذ لو كان الحق يعرف بالرجال، لأدى إلى مفاسد جمة، وظلمات مدلهمة، وكل يدعي الحق، ولتناقض جوهر الدين الذي لا ينقسم، وتنافى معناه فلم يلتئم؛ وذلك محال شرعاً وعقلاً.
ألا ترى أن كل فرقة من فرق الإسلام، قد ادعت أن مسألة كذا سنة وخلافها بدعة، وتعكس الفرقة الأخرى كذلك، ثم هلم جرا!!
ولا يقال: إن من هذا ما هو من الظنيات، والاختلاف ظاهر؛ لأنا نقول: إن محل النزاع في نفس مسألة قيل: إنها سنة، وإنها بدعة؛ ومعرفة الحق الذي هو سنة حقاً، متوقفة على الدليل، المفيد أن هذا الأمر حق، لا أنه يعرف بالرجال.
...إلى قوله: إذ الدين أمر شرعي، فلا بد فيه من دليل شرعي، أن هذا هو الحق، لا مجرد خصوصية تلك الفرقة، على فرض أنها هي المختصة بالفن دون غيرها؛ بخلاف ما كان من غير الدين والتدين، كمثل: الرجوع إلى أهل المهن في مهنهم، لا كمثل: ما يتطرق إليه التنافس والدغل والأهواء، والميل معها، كمثل: الميل إلى العقائد والمذاهب والدواعي إليها، ورمي المخالف لها وله بما تهواه النفوس، من غمط الحق والتحامل.
...إلى قوله: إذا عرفت هذا، ظهر لك أن مثل من تعلق بفنون اللغة العربية، التي من جملتها: علم القرآن، والحروف، قد مشوا على نمط واحد، ووتيرة واحدة، في فنونهم تلك، ولا تجد بينهم خلافاً ضائراً، مع كونهم من كل فرق الإسلام؛ وذلك لأن فنونهم لا دخل لها في التدين، ولا ثمة ما يوجب الملاحظة، وقصارى عملهم حفظ جوهر اللغة، وما يلحق ذلك من هيآتها، نحواً وتصريفاً، وبياناً ومعنى. /450(2/450)

65 / 151
ع
En
A+
A-