في الروض.
قال المؤلف: ورواه بنحوه أحمد، وابن ماجه، ورواه أحمد أيضاً، وأبو داود بهذا اللفظ المتقدم، وهو لفظ أبي داود من طريق أخرى، عن ربعي بن حراش، عن رجل من أصحاب النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ.
قلت: ربعي (بكسر الراء، وسكون الموحدة، فمهملة مكسورة) وحِراش (بمهملتين أولاهما مكسورة، فألف، فشين معجمة).
ترجم لربعي السيد الإمام في الطبقة الثانية، فقال: أبو مريم الكوفي، مخضرِم؛ عن علي (ع).
قال في الكاشف: قانت لله لم يكذب قط، وقال العجلي: من خيار الناس لم يكذب قط.
توفي سنة أربع ومائة.
خرج له الجماعة، وأبو الغنائم النرسي، انتهى.
قال: والأعرابي بالشهادة بالصوم في أوله.
قلت: قال المؤلف في بحث آخر من التنقيح: ومن ذلك ما روي عن ابن عباس، قال: جاء أعرابي إلى النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ، فقال: إني رأيت الهلال ـ يعني رمضان ـ.
فقال: ((أتشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله؟)).
قال: نعم.
قال: ((يا بلال، أذن في الناس أن يصوموا غداً))، رواه أهل السنن الأربع، وابن حبان صاحب الصحيح، والحاكم أبو عبدالله، وقال: هو حديث صحيح، واحتج به أبو الحسين المعتزلي في المعتمد، وذكره الحاكم أبو سعيد في شرح العيون، واحتج به الفقيه عبدالله بن زيد العنسي الزيدي في كتاب الدرر. /413(2/413)
قلت: وقد ذكره الإمام المؤيد بالله (ع) في شرح التجريد، وأجاب على ما في ظاهره من الاكتفاء بشهادة واحد على الرؤية؛ وكذا غيره من أئمتنا (ع)، وله مقام آخر، ولا دلالة في جميع ذلك على قبول المجهول؛ وقد سبق الكلام عليه والجواب عنه قريباً بما يكفي.
ومن استدلالاته التي لا يزال يكررها في التنقيح، والروض الباسم، والعواصم، قوله فيها ما لفظه: وذلك أن رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ أرسل علياً، ومعاذاً إلى اليمن قاضيين، ومفتيين، ومعلمين، ولا شك أن القضاء مرتب على الشهادة، والشهادة مبنية على العدالة، وهما لا يعرفان أهل اليمن، ولا يخبران عدالتهم؛ وهم ـ بغير شك ـ لا يجدون شهوداً على ما يجري بينهم من الخصومات إلا منهم، فلولا أن الظاهر العدالة في أهل الإسلام في ذلك الزمان، لما كان إلى حكمهما بين أهل اليمن سبيل.
وقال قبل ذلك: وهو أثر صحيح ثابت في جميع دواوين الإسلام؛ بل متواتر النقل، معلوم بالضرورة، وهو عندي حجة قوية، صالحة للاعتماد عليها.
قلت: وهذا لا حجة فيه عند التحقيق، بل هو مختل بأول نظر لأرباب التوفيق، فلا يصح عليه الاعتماد؛ إذْ لا أصل له في المطلوب ولا عماد، وقد كنت علقت عليه قبل التأليف، ما لفظه: هذا غير لازم؛ لأنه ممكن أن يتعرفا أحوال أهل العدالة وغيرهم بالخبرة، في مدة قريبة، وأن تتواتر لهما الأخبار بعدالة كثير منهم وبضدها؛ ثم من أين له أن جميع أهل اليمن مجهولون عندهما؟ وقد وفد منهم إلى رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ وافدون، وهاجر إلى المدينة المشرفة منهم كثيرون، فهذا الاستدلال في غاية الاختلال.
وأعجب من هذا أنه استدل بذلك في التنقيح على قبول المجهول من وجه /414(2/414)
آخر، قال فيه ما لفظه: ومما يدل على ذلك إرساله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ رسله كمعاذ، وأبي موسى إلى اليمن، وهما عند أهل اليمن مستوران، وإن كانا عند من يخصهما في أرضهما مخبورين، انتهى.
فأقول، وبالله أحول: إن هذا من الاختلال، بمحل لا يحوج إلى الاستدلال.
أما أولاً: فمن صح أن رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ أرسله للقضاء بالأحكام، وتعليم معالم الإسلام، كيف يقول ذو معرفة بل ذو فكرة: إنه لديهم مستور بمعنى مجهول كما هو في كلامه أنه غير مخبور؟ وأي طريق إلى العرفان، عند جميع ذوي الإيمان، أقوى وأرفع، وأولى وأنفع، من إرسال سيد المرسلين ـ صلوات الله عليهم ـ من أرسله لهذا الشأن؟ وأي بيان فوق هذا البيان؟
وأما ثانياً: فإنه إن كان الاحتجاج بإرساله أمير المؤمنين، ومعاذاً، ونحوهما من أعيان الصحابة الراشدين ـ رضي الله عنهم ـ فهم بمحل من العرفان، لا يخفى على جميع أهل الإيمان؛ بل وغيرهم من أهل سائر الأديان.
وأما أبو موسى الأشعري ومن كان على شكله، فمن صح إرساله منهم، فهو على وجهين:
أحدهما: أنه ليس للقضاء، ولا الفتيا، ولا التعليم؛ وإنما هو من باب استعمال الفاسق ونحوه على معين مخصوص، لا يتمكن من الخيانة فيه على وجه الاستعانة؛ لضرب من الصلاح في الجهاد، وقد استعمل الرسول ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ عمرو بن العاص، وأبا سفيان بن حرب، وأشباههما، على مثل ذلك.
وثانيهما: أن يكون ذلك في حال الاستقامة والستر قبل ظهور العصيان، ووضوح الطغيان، ولا يمنع ذلك كون الرسول ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ قد أوحي إليه بما يكون منهم في مستقبل الزمان؛ إذ المعاملة باعتبار الحالة التي يكون صاحبها عليها، لا بما سيكون منه، /415(2/415)
ولا بما كان، كما هو معلوم؛ ولكن هذا الاحتمال لا يصح في مثل أبي موسى؛ لما ثبت من أصالة فساده ونفاقه، وتقادم عهد عناده وشقاقه؛ فيحمل على الوجه الأول.
[كلام على أبي موسى الأشعري ـ وترجمته]
قال في شرح النهج: ونحن نذكر نسب أبي موسى، وشيئاً من سيرته وحاله، نقلاً من كتاب الاستيعاب لابن عبد البر المحدث، ونتبع ذلك بما نقلناه من غير الكتاب المذكور.
قال ابن عبد البر: هو عبدالله بن قيس بن سليم ـ وأتم نسبه إلى قحطان ـ.
قال: واختلف هل هو من مهاجرة الحبشة أم لا؟ والصحيح أنه ليس منهم، ولكنه أسلم، ثم رجع إلى بلاد قومه؛ فلم يزل بها حتى قدم هو وناس من الأشعريين على رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ فوافق قدومهم قدوم أهل السفينتين جعفر بن أبي طالب، وأصحابه من أرض الحبشة.
...إلى قوله: فنزل أبو موسى الكوفة وسكنها؛ فلما كره أهل الكوفة سعيد بن العاص، ودفعوه عنها، ولوا أبا موسى، وكتبوا إلى عثمان يسألونه أن يوليه، فأقره على الكوفة؛ فلما قتل عثمان عزله علي (ع) عنها، فلم يزل واجداً لذلك على علي (ع) حتى جاء منه ما قال حذيفة فيه؛ فقد روى حذيفة فيه كلاماً كرهت ذكره.
قال الشارح: الكلام الذي أشار إليه أبو عمر بن عبد البر، ولم يذكره، قوله فيه ـ وقد ذكر عنده بالدين ـ: أما أنتم فتقولون ذلك، وأما أنا فأشهد أنه عدو لله ولرسوله، وحرب لهما في الحياة الدنيا، ويوم يقوم الأشهاد، يوم لا ينفع /416(2/416)
الظالمين معذرتهم، ولهم اللعنة ولهم سوء الدار.
وكان حذيفة عارفاً بالمنافقين، أسرّ إليه رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ أمرهم، وأعلمه أسماءهم.
قلت: حذيفة بن اليمان ـ رضي الله عنه ـ توفي قبل حدوث قتال الناكثين، والقاسطين، والمارقين، كما سبق.
قال: وروي أن عماراً سُئِل عن أبي موسى، فقال: لقد سمعت فيه من حذيفة قولاً عظيماً، سمعته يقول: صاحب البرنس الأسود؛ ثم كلح كلوحاً علمت منه أنه كان ليلة العقبة بين ذلك الرهط.
قلت: وفي تفريج الكروب: قال حذيفة ـ وقد دخل عبدالله، وأبو موسى المسجد ـ: أحدهما منافق.
ثم قال: إن أشبه الناس هدياً، ودلاً، وسمتاً، برسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ عبدالله.
رواه الذهبي في النبلاء، عن الأعمش، عن شقيق، انتهى.
[ترجمة الأعمش وسويد بن غَفَلَة]
قلت: الأعمش من خيار الشيعة، وشقيق هو أبو وائل، من التابعين الأفاضل، وقد سبقا، وسيأتي لهما، ولمن هو على صفتهما ذكر ـ إن شاء الله تعالى ـ في محله.
قال الشارح: وروي عن سويد بن غفلة.
قلت: قال السيد الإمام في الطبقة الثانية: (بفتح المعجمة، والفاء، واللام) الجعفي الكوفي أبو أمية؛ أدرك الجاهلية، ولد عام الفيل.
..إلى قوله: سمع علي بن أبي طالب، وعبدالله بن مسعود.
..إلى قوله: وثقه ابن معين، وقال في الكاشف: ثقة إمام زاهد قوام.
توفي سنة إحدى ومائتين وله عشرون ومائة.
خرج له الجماعة، وأئمتنا الخمسة إلا الجرجاني.
قال: كنت مع /417(2/417)