(رجع) عن علقمة.
قلت: هو علقمة بن قيس بن عبدالله النخعي، أبو شبل الكوفي، المتوفى عام أحد وستين، الراوي عن الوصي، وسلمان، وابن مسعود ـ رضي الله عنهم ـ.
وعنه: الشعبي، والنخعي، وابن سيرين، وغيرهم.
معدود في ثقات محدثي الشيعة؛ أخرج له أئمتنا الأربعة، والجماعة.
(رجع) عن عبدالله بن مسعود، أن رسول الله - صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم - علمه التشهد في الصلاة...الخبر.
قال الحاكم: قوله: ((فإذا فعلت)) هذا مدرج في الحديث من كلام عبدالله بن مسعود.
وكذا قال البيهقي في المعرفة، والخطيب في المدرج.
قال النواوي: اتفق الحفاظ على أنها مدرجة.
[ترجمة عبد الرحمن بن ثابت]
قال ابن الصلاح: والدليل عليه أن الثقة الزاهد عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان رواه عن رواية الحسن بن الحر كذلك.
قلت: عبد الرحمن بن ثابت، هذا هو الصواب، وفي بعض: ابن ثوبان، وهو: أبو عبدالله العنسي، عدلي المذهب.
توفي عام خمسة وستين ومائة.
ثم قال: مع اتفاق كل من روى التشهد عن علقمة، وعن غيره، عن ابن مسعود، على ذلك.
قلت: وذكروا أن بعض الرواة رواه عن أبي خيثمة، وفصله، وبين أنه من كلام ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ.
قال في التنقيح: فاحتجت به الحنفية على أن السلام لا يجب.
قلت: وقد تعقبه صاحب التوضيح بأن الطحاوي استدل لهم بحديث ابن عمر: ((إذا رفع المصلي رأسه وقضى تشهده، ثم أحدث، فقد تمت صلاته)). /388(2/388)


قلت: وقد ذكر في الروض أن حديث ابن عمر ضعيف باتفاق الحفاظ؛ والكلام على ذلك مبسوط في محله.
نعم، فهذا الإدراج في آخر الخبر، وقد يكون في أوله، وفي وسطه؛ والثلاثة هي أنواع القسم الأول، وهو الإدراج في المتن، وقد أشار إليه المؤلف، وبقية أقسامه في السند.
والقسم الثاني: أن يجمع الراوي حديثاً بإسناد واحد؛ وفي الواقع أن طرفاً منه بإسناد وطرفاً بإسناد آخر.
القسم الثالث: أن يدرج بعض حديث في حديث مغاير له في السند.
القسم الرابع: أن يروى عن جماعة، وبينهم اختلاف في السند أو المتن، فيجمع المختلف فيه في إسناد واحد؛ وقد أشار إليه المؤلف (ع).
وزاد بعضهم على الأربعة الأقسام.
وقد ذكروا أمثلة الجميع، وكل ذلك واضح؛ ولا يجوز تعمد الإدراج مع الإيهام.
والطريق إلى معرفة ذلك، أوجه:
منها: استحالة إضافة ذلك إلى المروي عنه، إما الرسول ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ، أو غيره.
ومنها: التصريح بالإدراج من صاحبه، أو ممن اطلع عليه من أهل الخبرة والعدالة، أو نحو ذلك.
وعلى الجملة، لا بد من طريق صحيحة فيه، وإلا فالأصل عدمه.
[الكلام على الحديث المقلوب]
قال صارم الدين (ع): أو بتقديم، أو بتأخير، فهو المقلوب.
قلت: هو اسم مفعول من القلب، وفعله: قلب يقلب قلباً، من باب /389(2/389)


ضرب.
قال في القاموس: حوله عن وجهه، والشيء حوله ظهراً لبطن.
وهو في الاصطلاح على ثلاثة أقسام: في السند، والمتن، وفي كليهما.
فالذي في السند على وجهين: الوجه الأول: بالتقديم والتأخير؛ وهو الذي ذكره المؤلف، نحو: أن يكون عن زيد بن علي، فيقول الراوي: عن علي بن زيد.
الوجه الثاني: أن يكون الخبر مشهوراً عن راوٍ، مثلاً: عن الوصي (ع)، فيقلبه عن ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ.
والذي في المتن على وجهين أيضاً: الوجه الأول: بالتقديم والتأخير في بعض كلمات المتن، كما في خبر السبعة الذين يظلهم الله في ظل عرشه؛ ففي رواية مسلم، من حديث أبي هريرة: ((ورجل تصدق بصدقة، فأخفاها، حتى لا تعلم يمينه ما أنفقت شماله))، وإنما هو: ((حتى لا تعلم شماله ما أنفقت يمينه))، كما رواه البخاري، ومسلم، وكما هي العادة في تولي الإنفاق وغيره باليمين.
الوجه الثاني: أن يجعل المتن كله على إسناد آخر، ويجعل إسناده على متن ذلك الإسناد الآخر؛ وهذا الوجه يصلح مثالاً للقسم الثالث، وهو ما كان القلب في المتن والإسناد كليهما، باعتبار وقوع القلب فيهما.
ولم يذكر المؤلف ـ رضي الله عنه ـ إلا التقديم والتأخير، وقد ذكر في تنقيح الأنظار، وفي كتاب ابن الصلاح وغيرهما، للمقلوب رسوماً.
منها: قول ابن الصلاح: إنه نحو: حديث مشهور عن سالم، جعل عن نافع؛ ليصير بذلك غريباً مرغوباً فيه.
ومثله كلام الوزير في التنقيح.
فقولهم: مشهور ليس بشرط؛ بل العمدة صحة أن الراوي جعله عن نافع، وأنه ليس عنه.
وقولهم: ليصير بذلك...إلخ، لا معنى لإدخاله في الرسم؛ وإنما هو يصلح أن يكون الحامل للراوي، وقد يكون غيره، /390(2/390)


وقد يكون قلبه على وجه الخطأ، فلا يكون له قصد إلى هذه العلة ولا غيرها.
ولم يستوفوا أقسامه، فالذي تحصل هنا في رسمه وتقسيمه هو التحقيق، وبالله التوفيق.
[الكلام على الحديث المصحَّف والمحرَّف]
قال صارم الدين (ع): أو بزيادة راوٍ، فهو المزيد في متصل الإسناد، أو بتغيير حرف مع بقاء السياق، فهو المصحف والمحرف.
قلت: قد عدهما بعضهم نوعاً واحداً، كما قال المؤلف، وفرق بعضهم بينهما كما يأتي، فالمصحف والمحرف اسما مفعول من التصحيف، وهو الخطأ في الصحيفة والتحريف، وهو التغيير.
فإن وقع تغيير حرف أو أكثر مع بقاء صورة الخط، فلا يخلو إما أن يكون في النقط، فهو المصحف؛ أو في الشكل، فالمحرف.
ويكونان في اللفظ، ويكونان في المعنى، ويقعان بالبصر وبالسمع؛ وفي الإسناد، وفي المتن.
وقد مثلوا لما وقع في الإسناد، في حديث شعبة، عن العوام بن مراجم (بالراء المهملة والجيم) صحفه يحيى بن معين بالزاي المعجمة، والحاء المهملة.
ولما وقع في المتن بخبر: ((من صام رمضان وأتبعه ستاً من شوال)) صحفه بعضهم شيئاً من شوال (بالشين المعجمة، والمثناة التحتية).
ومثال تصحيف المعنى ما روي أن أبا موسى العنزي، قال يوماً: نحن قوم لنا شرف، نحن من عنزة، قد صلى النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ إلينا.
توهم أن المراد بالوارد في الخبر قبيلتهم؛ وإنما هو الحربة تنصب بين يديه.
وأمثلة هذا الباب كثيرة، والأمر /391(2/391)


فيه واضح؛ وهو من أهم ما يتوجه الحزم فيه، والاحتراز عنه، فقد وقع فيه الكثير من الرواة لأسباب مختلفة، منها: عدم التدبر والانتباه في مواضع الاشتباه.
ومنها: الأخذ من الصحف من غير سماع على أرباب الاطلاع.
ومنها: قلة الفكرة، وكثرة الغفلة، وبعد الفهم؛ ومداره على عدم التحقيق، والله ولي التوفيق.
قال السيد صارم الدين (ع): فأما الرد بمجرد مخالفة الراوي في المذهب، فمردود، وهو في القدماء، ومقلدي المتأخرين، كثير؛ سيما فيما يخالف مذاهب أئمتهم.
قلت: اعلم ـ وفقنا الله وإياك للصواب، وثبتنا على منهج الحق والإنصاف ومحجة السنة والكتاب ـ أنه قد عظم الخطب في هذا الباب، بلا ارتياب، وصار معظم المدار في الجرح والتعديل، على المخالفة والموافقة في المذاهب والأقاويل، من غير اعتبار للدليل، مع التصريح من المرتكبين لذلك بأنه لا يقبل ما كان من هذا القبيل؛ والمعتمد أن كل مخالفة لا توجب القدح في الدين والتضليل، فالجرح بها غير مقبول، بل قد يكون من موجبات التعديل، كما لا يخفى على أولي التحصيل.
[الرواية بالمعنى]
قال صارم الدين (ع): وذكر الخبر كاملاً أولى؛ وحذف بعضهم لغير استهانة جائز، وفاقاً لمن أجاز الرواية بالمعنى؛ وقيل: ممتنع، إلا أن يرويه مرة أخرى بتمامه.
فإن تطرق إليه التهمة في اضطراب نقله، أو تعلق المحذوف بالمذكور تعلقاً يغير معناه، امتنع الحذف، كالاستثناء والغاية.
أئمتنا، والجمهور: تجوز الرواية بالمعنى، لمن يعرف مدلول الألفاظ /392(2/392)

54 / 151
ع
En
A+
A-